الإثنين 29 ابريل 2024

بين سيد درويش.. وموكب «المومياوات» تاريخ من المحاولات المصرية لإنتاج أوبرا قاهرية

موكب المومياوات

22-12-2022 | 13:06

ولاء جـــمـــــــال
على مر العقود، مرَّ الفن الأوبرالى بمصر بالعديد من المراحل بدءأً من التعريب عن اللغات الأجنبية، مرورأً بالاقتباس، حتى استطاع الفنان المصرى تقديمه كماركة مسجلة باسمه، نصاً ولحناً، أمام العالم كله فى احتفالية موكب المومياوات المهيبة، التى أبهرت العالم.. وفى هذا التقرير نتذكر معكم المحاولات الأولى لإنتاج أوبرا بكلمات وألحان مصرية خالصة. بدأ الأمر باجتهادات الفنان سيد درويش، الذى قدم الأوبرا على هيئة أوبريتات غنائية، مثل «العشرة الطيبة» الذى كتبه محمود تيمور، ونظم أغانيه بديع خيرى، ولحنه درويش نفسه. ورغم أن الأوبريت مأخوذ عن المسرحية الفرنسية الهزلية «ذو اللحية الزرقاء»، إلا أنه كان مصرياً خالصاً، واعتمدت فكرته الأساسية على تمجيد الفلاح المصرى. بعد ذلك أُنتجت أغانٍ تحتوى على أجزاء أوبرالية، وكان أشهر ما قدم بهذا الشكل: «يا طيور» للمطربة الراحلة أسمهان عام 1940، وتأثر فيها الملحن محمد القصبجى بـ«فالس» غنائى من تأليف الموسيقار النمساوى الأصل، يوهان شتراوس، لكنها لم تكن نسخة عنه. جاءت بعدها كوكب الشرق أم كلثوم، وقدمت «أوبرا عايدة» باللغة العربية، وكان ذلك أول محاولة لتعريب الأوبرا، حيث قدمتها فى فيلم «عايدة» عام 1942، مع النجم إبراهيم حمودة. كتب نص «أوبرا عايدة» الشاعر أحمد رامى، ولحن الفصل الأول «القصبجى»، والثانى رياض السنباطى، وتوزيع إبراهيم حجاج، وكانت قيادة الأوركسترا من نصيب عزيز صدقى، لكن هذه المحاولة لاقت انتقادات شديدة بسبب طول الأوبرا، كما اعتقد الكثيرون أن أم كلثوم حاولت بها منافسة «أسمهان». وفى عام 1947، قدم الموسيقار حسن رشيد أول مؤلفة أوبرالية مصرية خالصة بعنوان «مصرع أنطونيو»، والتى استوحاها من «مصرع كليوباترا» لأمير الشعراء أحمد شوقى، إلا أن هذه الأوبرا لم يتم تقديمها على المسرح، فكان من الصعب جمع عدد كافٍ من المغنين المصريين المحترفين لأداء الأدوار. أول عرض مصرى كان من نصيب الفنان كامل الرمالى (1 أكتوبر 1922 - 11 فبراير2011) الذى يعد واحداً من رواد الثقافة الموسيقية الكلاسيكية المصرية، وهو مؤلف أول أوبرا مصرية يتم عرض فصول منها على المسرح، وله مؤلفات وأوبرات أخرى، فهو صاحب مجموعة مميزة من المؤلفات وفى رصيده ثلاث أوبرات هى «حسن البصرى» و«نفرتيتى.. الجميلة الآتية» و«الساحر»، وهو بذلك يعتبر المؤلف المصرى الوحيد الذى كتب ثلاث أوبرات، وله قصيدان سيمفونيتانن هما: «قناة السويس والطائر الأسطوري» والسيمفونية الريفية.. متتالية سيمفونية «نوبيا» تنويعات سيمفونية و«بلدي» متتالية شعبية للأوركسترا «صور شعبية» و«المقامات» للأوركسترا، فانتازيا للأوبرا والأوركسترا ورباعية وترية «الرباعيات» سوناتا للتشيوللو والبيانو. ومقطوعات للبيانو والأرغن، وأغانٍ منفردة وجماعية بمصاحبة البيانو أو الأوركسترا وأعمال أخرى. كتب عنه الناقد الموسيقى الإنجليزى المخضرم ديفيد بليك مقالاً قال فيه: «كامل الرمالى مؤلف موسيقى متميز ومحترم، إن قوالبه الموسيقية وتكويناتها وتخطيطها تلائم أعماله الموسيقية العديدة، وهى ذات طابع محترف، كما أنه يستطيع أيضاً أن يواصل فكرة موسيقية لفترة طويلة؛ مما يدل على أن تخطيطه الموسيقى قائم على دراسة وخطة مرسومة بعناية. إن موسيقاه المؤلفة لها مذاق خاص. إن قدرته المميزة خاصة فى هذه الأوبرا (حسن البصرى) هى قدرته اللحنية، حيث يستطيع حقاً أن يواصل أفكاره بثبات». أول أوبرا مصرية وفى السادس والعشرين من أبريل من عام 1956شهدت الحياة الثقافية والفنية فى مصر مولد نوع جديد من الفن المصرى، هو الأوبرا، فقد عرضت فى هذا اليوم على مسرح قاعة «إيوارت» التابع للجامعة الأمريكية فى القاهرة، أول أوبرا مصرية، وكان إنجاز أوبرا مصرية بمثابة تحقيق للحلم الجميل الذى راود كل محبى الموسيقى الرفيعة فى مصر، كما يقول المؤرخ والناقد الموسيقى أحمد المصرى. ويضيف المصرى: إذ كنا نفتقر إلى الأجهزة الفنية اللازمة من صوليست وكورال وأوركسترا، لذلك اقتصر نشاط دار الأوبرا المصرية القديمة على تقديم بعض المواسم الأجنبية، وبعد ثورة 1952 استطاعت الأوبرا استكمال العناصر الغنية التى يتطلبها تقديم مثل هذا العمل الفنى الكبير، وعمل الفنان كامل الرمالى عندما وجد النص الشعرى المناسب الذى استوحاه الشاعر محسن الجوهرى من قصص «ألف ليلة وليلة»، على تلحين هذه الأوبرا بأسلوب فنى يتصل اتصالاً وثيقاً بالتراث الإنسانى للموسيقى العالمية، وإن لم يفقد صلته إطلاقاً بموسيقانا العربية، إذ نجح فى تطويع علوم الموسيقى الأوروبية لخدمة الموسيقى المصرية. وظهرت أول أوبرا مصرية.. أوبرا «حسن البصري» ورغم اعتمادهاعلى الشكل البنائى للأوبرا الأوروبية، فهى وثيقة الصلة تماماً بموسيقانا المصرية المتطورة، واستطاع كامل الرمالى أن يحقق هذا الحلم الكبير الذى كثيراً ما انتظرناه منذ زمن طويل.. وكان ذلك منذ 60 عاماً. عمر هذه التجربة الآن نحو 60 عاماً، منذ كانت خطوطاً أولية، أو فكرة هائمة فى وجدان وعقل شاب مصرى يدرس الآداب فى جامعة الإسكندرية ويعشق الموسيقى درساً واستماعاً، عزفاً وتأليفاً. فى مطلع عام 1950 نشرت بعض صحف القاهرة أخباراً وتحقيقات عن أول أوبرا مصرية مستمدة من قصص «ألف ليلة وليلة» ومكتوبة شعراً عربياً فصيحاً، ووُضعت ألحانها على النسق الكلاسيكى الغربى، ولكن بروح وموسيقى مصرية عربية، وتضم أثنى عشر منظراً. ومضت ست سنوات قبل أن تعود الصحف إلى الإعلان عن حفل موسيقى يتضمن عرضاً للفصل الثانى من أوبرا «حسن البصرى»، أول أوبرا مصرية. وعلق على هذا الحدث، المحاولة، الشاعر صلاح عبد الصبور قائلاً: «شرف المحاولة، أرفع الأشياء قدراً، ومن ارتاد أرضاً بكراً فقد قام بعمل بطولى، ونحن أحوج ما نكون إلى الرواد الذين يرتبطون بالغايات البعيدة ويطمحون إلى تحقيق العزيز من الأمور، وجل جهد هؤلاء الرواد أن ينبهوا الأذهان إلى جوانب لم تحقق بعد، وفى مصرنا الكنانة مازال هناك بعض التأخر الحضارىفى بعض أنواع النشاط الإنسانى، ولن تكون لنا مصر معاصرة، إلا إذا واكبنا ركب الحضارة العالمية». ففى ذلك الوقت أقدمت مجموعة من الفنانين والفنانات والموسيقيين العازفين والمغنين والمغنيات والمخرج ومصممة الأزياء والباليه ومدربى الأصوات وفرقة الباليه وقائد الأوركسترا أحمد عبيد قائد فرقة أوبرا القاهرة ( وهى فرقة خاصة)، على تأسيس فن أوبرالى مصرى، مع مؤلف الموسيقى ومؤلف الأشعار. فقد أدى يوسف عزت دور «حسن البصرى» غناءً وتمثيلاً، وأدت نهاد توفيق دور «بدر البدور»، وحمدى غيث المشرف المسرحى على العرض ومدام نيكولز مصممة الباليه، وقائدة فرقة الباليه والأستاذ فافيادس أستاذ الغناء بالمعهد العالى للموسيقى المسرحية ومدرب الأصوات. كانت محاولة شابة أقدم عليها فنانون معظمهم من الهواة ومحبى الابتكار والتجديد، وقدموها على نفقتهم الخاصة وبجهود تلقائية وإمكانيات مادية محدودة جداً. «الأرملة الطروب».. و«أنس الوجود» جاء الشاعر عبد الرحمن الخميسى، ليقدم تعريباً لأوبرا «الأرملة الطروب»، حيث نشره فى مجلة «المجلة» 15 أكتوبر 1961، ليطلب منه وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة تقديمه كأوبريت للأوبرا، وتعريب أغانيها ليصبح الأوبريت الأول من نوعه ناطقاً باللغة العربية، حتى الأغانى حملت بصمة «الخميسى»، وتم تقديمه على المسرح من قبل رتيبة الحفنى، وكنعان وصفى، وحسين رياض، ونوال أبو الفتوح، وزيزى مصطفى. وفى عام 1970، وضع عزيز الشوان الموسيقى لثالث أوبرا مصرية، والتى أطلق عليها «أنس الوجود»، وقد كتب النص الشعرى لها الشاعر سلامة العباسى، مستوحياً شخصياتها وأحداثها من قصص «ألف ليلة وليلة» خلال الفترة من نهاية العصر القبطى والفترة الأولى للفتح العربى لمصر؛ كى يعرض فيها لمحات من الحياة المصرية فى هذه الفترة. عُرضت أوبرا «أنس الوجود» فى يوليو 1994 على مسرح أوبرا القاهرة للمرة الأولى، ولكن كان على هيئة «كونسير موسيقى» بقيادة المايسترو يوسف السيسى، فيما تم تقديمه كعرض مسرحى متكامل فى عام 1996، بقيادة نفس المايسترو، لتكون أول محاولة لتقديم أوبرا عربية كاملة، بداية من الألحان والنص وانتهاءً بكافة عناصر العرض الأوبرالى. واستمرت المحاولات المصرية، وجاء المؤلف شريف محيى الدين ليقدم «أوبرا حجرة» بعنوان «ثلاث أوبرات فى ساعة» لتصبح أول أوبرا مصرية تقدم كاملة بالإخراج المسرحى فى 1994، كما قدم سيد عوض أوبرا «مصرع كليوباترا» بالمسرح الكبير على هيئة كونسير. وفى الألفينات، قدمت فرقة أوركسترا أوبرا القاهرة، أوبرا «زواج فيجارو» التى ألفها موتسارت عام 1786، باللغة العربية، كما قدمت «الناى السحرى» و«دون جيوفاني»، والذى قام بترجمته وتحويله للعربية الموسيقار على صادق. موكب المومياوات إلى أن جاء الحدث الذى انتظر العالم متابعته بشغف كبير وهو «موكب المومياوات الملكية»، وسط العاصمة المصرية القاهرة، إذ انتقلت 22 مومياء ملكية فى موكب مهيب من مكان عرضها بالمتحف المصرى بالتحرير إلى مكان عرضها الدائم بالمتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط. ومن بين مظاهر الاحتفال التى صاحبت الموكب الملكى، عزف موسيقى يقوده المايسترو المصرى نادر عباسى قائد «أوركسترا وكورال الاتحاد الفيلهارمونى».ص وعن مشاركته فى الاحتفال، وصف عباسى الأمر بأنه «حلم وتحقق»، إذ كان يقود عزف مقطوعة مؤلفة خصيصاً للموكب، من تأليف هشام نزيه، وعزف «أوركسترا الاتحاد الفيلهارمونى» وغناء ريهام عبد الحكيم وأميرة سليم ونسمة محجوب. وقد استخدموا آلات موسيقية شبيهة بتلك التى كانت تستخدم فى العصور القديمة، ولكنها تطورت، وهى الآلات التى ظهرت بالجدارية الشهيرة للثلاث فتيات العازفات من مصر القديمة، مثل آلات «الهارب» و«الناى» و«العود».