الجمعة 22 نوفمبر 2024

زيارة لبيت عبد الرحيم منصور.. مبدع الأغنية الوطنية

عبد الرحيم منصور

22-12-2022 | 13:11

منى صلاح الدين
«عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة، فيها المعنى: أن مصر هي دائما مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام......». بتلك الكلمات بدأ توفيق الحكيم مقالا كتبه في 9 أكتوبر، بعد أيام قليلة من إعلان انتصار أكتوبر 1973، وهى الكلمات التى التقطها الشاعر عبد الرحيم منصور، وأخبر بها بليغ حمدى، فتحولت خلال ساعات، إلى أغنية تغنت بها شادية: «عبرنا الهزيمة.. يا مصر يا عظيمة ..باسمك يا بلادي تشتد العزيمة ..باسمك يا بلادي عدينا القنال ..باسمك يا بلادي خطينا المحال». وبعد أن سمع الحكيم الأغنية، شكر عبد الرحيم وبليغ وشادية، لأنهم جعلوا الشعب المصري كله يتغنى بعنوان مقاله. ولم يتوقف عبد الرحيم عن أغانيه الوطنية مثل «بسم الله الله وأكبر بسم الله، وحلوة بلادي السمرة بلادي، وقبلها كتب يا أم الصابرين» للتعبير عن الفخر بنصر أكتوبر، مما دفع الرئيس الراحل محمد أنور السادات لأن يمنحه وسام الاستحقاق عن مجموعة الاغانى الوطنية التى كتبها قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر. ومع هذا، فإن الكاتب الكبير لويس جريس الذى اكتشف موهبة عبد الرحيم، وعرّفه على الملحن الكبير بليغ حمدي، هو نفسه من قال إن «بليغ قضى على الشاعر العظيم عبدالرحيم منصور». وتقول مي منصور ابنة أخي عبد الرحيم، أن عمها كتب ما يقرب من 225 أغنية وطنية من حرب الاستنزاف لحرب أكتوبر، بينها 45 أغنية لعبد الحليم حافظ، بعضها من ألحان عبد الوهاب والموجي، ولم يشتهر منها سوى 3 فقط». فما حقيقة موهبة عبد الرحيم منصور «1941-1984»، ولماذا لم تنل الكثير من أغانيه نفس الشهرة؟ في حي المهندسين بالجيزة، الحي الذى ورث منطقة الزمالك، كمقصد لسكن الفنانين والمشاهير منذ السبعينات وخلال الثمانينات، بدأت رحلتي في الظهيرة وصلت إلى العمارة رقم «36 ب» بشارع عدن، والتى علمت أنها كانت آخر محطات الشاعر عبد الرحيم منصور. لم أجد على واجهة أو باب العمارة لافتة «عاش هنا» التى أصبحت توثّق للكثير من بيوت الفنانين والشعراء والأدباء، لكنى وجدت السيدة الستينية الحاجة نجيه «أم طه»، التى أصبحت المسئول الوحيد عن حراسة العمارة ذات الستة طوابق، بعد وفاة زوجها قبل شهور. أشارت نجية إلى بلكونة في الطابق الأخير، تطل على الشارع الخلفي، قائلة: هنا كان يسكن الشاعر عبد الرحيم منصور، وبقي فيها زوجته وابنته، حتى توفيت الأم في 2008، وأخذ العم الابنة لتعيش معه، وسمعنا أنها توفيت في 2011، وقبل 4 سنوات ترك ورثة عبد الرحيم الشقة لأصحاب العمارة نظير مبلغ مالي، وبعدها توالى سكان باقي الشقق في شراء شققهم من مالكها. يعيش في شقة عبد الرحيم الآن، أحد ورثة مالك العمارة، وهي عمارة بدون مصعد، وبكل طابق شقة واحدة مساحتها 210 مترا، «7 غرف وصالة وحمامين ومطبخ، وايجارها 34 جنيه»، وتطل بلكوناتها ونوافذها على الناحيتين البحرية والقبلي. لكن الدور السادس والاخير قسم إلى شقتين، إحداها تطل على الشارع الرئيسي ومساحتها 120 مترا، والاخرى مساحتها 90 مترا بواجهة بحرية، وكانت تطل على مساحة غير مبنية، إلا أنها بنيت عمارة فيما بعد، وهى الشقة التى عاش فيها عبد الرحيم منصور، بايجار 14 جنيها، وتتكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ. «في البلكونة البحري دي ومن الشباك ده، كان يجلس عبد الرحيم يكتب أشعاره، كانت الدنيا فاضية وهادية ماكنتش في مباني زي دلوقت»، تقول نجية، وهي مشغولة بتنظم وقوف السيارات، والرد على أسئلة السكان، ورد السلام على بعض المارين. وكأنها ماجدة في فيلم «النداهة»، جاءت نجية من المنوفية في منتصف السبعينات، عروسة لازالت الحنة تزين يديها، برفقة زوجها عبد الحميد محمد حارس العمارة، «المهندسين كانت منطقة راقية وهادئة، والفيلات والعمارات قليلة الارتفاعات، ويسكنها المشاهير والفنانون، وعمارتنا ملك ورثة تاجر البويات «عباس علي حسن»، وبناها مقاول كبير اسمه أحمد عبد المنعم، بناها سنة 1971، هي والعمارة اللي جنبها وشبهها بالضبط «36 أ» ، وبنى مثلهما في شارع شهاب وميدان لبنان». بالنسبة لنجية، كان عبد الرحيم منصور»أخ وصاحب وصديق ابن بلد وطيب، لو الواحد مخنوق كان يتفك معاه، ويسمعنى لما اشتكي، ويحنن قلب السكان عليّ، كريم، القرش اللى كان معاه يصرفه، عربيته كانت صغيرة، لا يزوره إلا الفنان محمد منير، وعلى الحجار، وبعد وفاته كان بيجى أخواته يزور زوجته الست وفاء وبنته عالية، لكن اللى كانت دايمة الزيارة والسؤال هي الأستاذة سناء أخت بليغ حمدي». «المعذّب بالفن» لم تكن شقة المهندسين هي وجهة عبدالرحيم الأولى في القاهرة، التى جاء إليها بعد أن اطمأن إلى أن موهبته، لها من سيستقبلها بالقاهرة. في بداية الستينات، وصل الكاتب بمجلة صباح الخير لويس جريس إلى قنا، باحثا عن بيوت مواهب الصعيد، أمل دنقل ويحي الطاهر عبدالله وعبد الرحمن الأبنودي، ليكتب عنهم في باب «المعذبون بالفن» بالمجلة، وكان مضيفه الشاب عبد الرحيم، يحكي لويس القصة لبرنامج القاهرة اليوم: «اخترت أن يكون الصعيد هو المكان الذي أذهب إليه للبحث عن المواهب الجديدة، ووصلت لقنا، وهناك لازمنى شاب لابس جلابية، ومعاه ورق كثير في جيبه، وقلت له أنا عاوز أروح بيوت أمل دنقل و الابنودي فيودينى، واكتشفت ان أمل دنقل والابنودي تركوا قنا وذهبوا إلى القاهرة، وأنا راكب القطار متجه لأسوان يقول لى، استاذ لويس خد الورق ده واقرأه وشوفوه، فأنا أخدت الورق وقلبت فيه فوجدت حاجة كويسة، واكتشفت لما جيت القاهرة إن هناك شاعر هام جدا، وكان عبدالرحيم منصور، انا حبيته وتبنيته وعرفته على بليغ حمدي». وتحكى لى الصحفية والشاعرة مي منصور، ابنة أخى عبد الرحيم، «كتب لويس عن عبدالرحيم منصور، وموهبته وبعث له برسالة في آخر المقال يرجوه أن يحضر إلى القاهرة، وأن أبواب مجلة صباح الخير التى كان يرأس تحريرها فتحي غانم، مفتوحة له وأن صلاح جاهين المسؤول عن صفحة الشعر في المجلة في انتظاره، وتنبأ له جاهين، بأنه سيكون من أشهر كتاب الاغنية، وبحث عبد الرحيم عن طريقة لنشر أغانيه واشعاره، وإن كان قد بدأها في قنا بمراسلته لبعض الجرائد والمجلات، وعاش في شقة بحي إمبابة مع الناقد سيد خميس». « من إمباية إلى وسط البلد» بدأ عبد الرحيم ينشر أشعاره في المجلات ومنها مجلة الإذاعة والتليفزيون، التى كان مكتبها في شارع المبتديان بقصر العينى، يحكى لنا الكاتب والناقد د. أحمد الخميسي، الذي كان يعمل بالمجلة وقتها، وتعرف على عبد الرحيم القادم من الصعيد، ليحترف كتابة الاغانى والاشعار باللهجة الصعيدية، وسريعا أصبح الاثنان صديقين، واستضاف الشاب الخميسي، صديقه الشاعر عبد الرحيم منصور فى شقته، حيث يقيم مع أمه وأخوته ووالده المؤلف والمخرج الكبير عبد الرحمن الخميسي، بشارع نوبار، لعدة شهور في عام1966. تعرف عبد الرحيم على فنانة ومؤسسة مسرح العرائس «نعيمة مصطفى أمين» وتزوجها، وكانت قد تزوجت من قبله عبدالرحمن الأبنودي، وربما لهذا لم تكن العلاقة بينه وبين الأبنودي على ما يرام، وعاش الزوجان في شقتها بشارع خيرت، «وكانت تكبره في السن وتزوجا بعد قصة حب، لكن هذا الزواج لم يستمر طويلا» بحسب مي. يكمل الخميسي: بدأ عبد الرحيم يشق طريقه الفنى وتفرغ لكتابة الاغانى ذات الحس الشعبي والمعبرة عن حياة البسطاء في الريف الصعيدى القادم منه، مستخدما كلمات مثل البحر والقمر والسماء وشمس المغيب وأيضا الغربة والسفر والترحال، ومست هذه الاغانى قطاعا عريضا من الجمهور، وحققت نجاحا كبيرا، ليكون لعبد الرحيم بصمة كواحد من مؤلفى الأغنية. من بين هذه الأغاني أغنية «ما على العاشق ملام .. ما على العاشق ملام، كل من نامت عيونه يحسب العاشق ينام» التى لحنها بليغ حمدي، وغناها محمد رشدي في فيلم «عدوية» عام 1971. وأغنية بياع قناديل عام 72 لمحمد رشدي من تلحين بليغ، وتقول كلماتها: «قناديل بياع قناديل بنورك يا ليل، وآدينى ماشى ومش لاقى السبيل، بسافر بسافر.. بهاجر بهاجر، والبخت يا عينى قليل، وآه يابا يابا عليا.. لا دار ولا مرسى ولا صبية». وكتب لرشدى أيضا أغاني أخرى، منها «لو عديت»، و«تغريبة» سنة 68، و«مغني»، «ياحمامي» 69». «يتيم في حضن شاعرة» أجواء الريف الصعيد وحياة البسطاء، التى ظهرت مفرداتها في أغاني عبد الرحيم منصور، هي نتاج نِشأته في مدينة قنا فى 15 يونيو 1941، وقد توفى والده وهو صغير فعرف احساس اليتم، لكن والدته الأمية « زينب اسماعيل عبد الله الخلاوي»، كانت كما تصفها الحفيدة «مي منصور»، «شاعرة بالفطرة، ترتجل الاشعار وهى تقوم بأعمال المنزل وتخبز العيش في الفرن، ويلازمها ابنها الصغير عبد الرحيم وأخوه الاصغر حمدي، اللذين جاء بعد خمسة بنات، وتأثر الطفلان كثيرا بتلك الاشعار، وكانت بعض جملها تظهر في أشعار عبدالرحيم منصور فيما بعد. في الدوار الكبير عاشت العائلة، وبعدما رزقت الأم بالبنات» وداد، قدرية، تحية، رجاء، نوال» وحاولت كثيرا حتى جاء الولدان، كانت تلبسهما ملابس البنات وتزين آذنهما بالحلقان وأرجلهم بالخلاخيل الفضة والذهب، وتضع بعضاً من رماد الفرن في وجهيهما، درءا للحسد»، كما تحكي «مي». كان الفارق بين الذكرين والبنات كبيرا، «احدى عماتى كانت مدرسة لعمى ووالدي في المدرسة الابتدائية، وتتلقى شكوى المعلمين بهروب الطالب عبد الرحيم منصور، لحبه للجلوس تحت الشجر مع أخيه حمدى ، وأكمل تعليمه الثانوي في اسوان، حيث كان زوج أخته قدرية يعمل هناك، وبالفعل حصل عبدالرحيم على الشهادة الثانوية من مدرسة عباس العقاد الثانوية بمنشية النوبة. في تلك المدرسة تعرف على الملحن والمغنى «أحمد منيب» الذي لحن له أول أغانيه، «واستمر التعاون بينهما بعد ذلك، حتى إن نصف الانتاج الفنى لأحمد منيب كان مع عبد الرحيم في أسوان، واستكمل بعد نزول عبد الرحيم للقاهرة، مثل «ربك هو العالم، ياوعدى ع الأيام» قبل أن يتعرف عبد الرحيم على بليغ ويكونان ثنائيا ناجحا». «تجربة لم تكتمل» مثلما يلتقط الصحفي الشاطر الفكرة الجديدة والمدخل الجذاب لقضية قديمة، كان ينسج عبد الرحيم منصور أغانيه من كلام الناس وتعبيراتهم، وكأن لديه خيطا جاهزا طوال الوقت ليغزل منه حبات اللؤلؤ التى يجدها متجمعة أمامه في الطريق، ليصنع منها عقدا مكتملا، دون عناء أو تقعر. أبسط ما يدل على هذا، المقارنة بين أغنية له كتبها بعد ساعات من الاعلان عن انتصار أكتوبر، هي: «بسم الله.. الله وأكبر بسم الله بسم الله ، أذن وكبر بسم الله بسم الله، وقول يارب النصرة تكبر، نصرة لبلدنا بسم الله بسم الله، بادين ولادنا بسم الله بسم الله». ورغم هذا، قال الكاتب لويس جريس متهما بليغ: «بليغ حمدي كان يدور على نغمة موسيقية، وبعد ما يعثر عليها ويضع المزيكا، يقول: عبد الرحيم حطلى كلام على الاغنية دي، وهكذا قضى بليغ حمدي على الشاعر العظيم عبد الرحيم منصور». ويعلق لي الملحن «الموجى الصغير»: ما أعرفه أن بليغ حمدى كان يفعل هذا مع بعض كتاب الأغاني وليس عيد الرحيم فقط، لكن بابا كان يحب عبد الرحيم منصور، وشاف إنه شاعر معبر وصادق، واشعاره تشم فيها رائحة الارض والزرع والقرية، وكان عايز الناس كلها تغنى، لذلك أحب فكرة المجاميع أو الكورال في أغانية، مثل أغانى بسم الله الله اكبر بسم الله، على الربابة، سلام على الناس الحلوين وغيرها. في مرحلة السبعينات اشتهر لعبدالرحيم منصور الكثير من الأعمال، منها: أغاني المسلسل الإذاعي 73 «لمن يسهر القمر»، ومنها أغنية «دورى بينا» لعفاف راضي، لمين ياقمر، «عطاشى»، وأغاني فيلم مولد يادنيا عام 76 «يمكن على باله حبيبى، تعالى جنبي». ولم يسلم عبد الرحيم من الانتقادات، ففي حديث اذاعى انتقد الشاعر الغنائى فتحى قورة شعراء الاغانى الجديدة، وأن بعضها مليء بالحشو للوصول لقافية معينة، وتوقف عند أغنية عايدة الشاعر «جابلك ايه ياصبية» لعبدالرحيم منصور، وجملة «جابلي غنوة حب حلوة تتغنى في كل البلاد « متسائلا: هل هناك أغاني حب تتغنى في بلاد وفي بلاد ثانية لأ !! وهنا رد عبد الرحيم منصور «الفن مش عمليه حسابية، بل شحنة لا شعورية تعبر عن نفسها بما فيها من انطلاقة الاجيال الجديدة، وجاب لك إيه :أغنية شعبية راقية جدا، والكورال فيها يؤدى دورا مختلفا، مستفيدا من التراث والفلكلور، فهو لا يكرر ما تقوله المطربة، بل هناك نوع من السؤال والجواب، والصد والرد والصحبة بين الكورال والمطربة». لكن في رأى د. الخميسي، أن وفاة عبدالرحيم المبكرة لم تمهله ليستكمل تجربته الشعرية والادبية، فمثلا لم يكتب الاغنية ذات القصة، ولم يصدر دواوين شعرية غير ديوانه الوحيد» الرقص ع الحصى «الذى صدر 1967 وأيضا لا نستطيع الحكم على تجربته في كتابة السيناريو والحوار التى كتبها لتمثيلية « مارد الجبل» عام 1977 وفيلم الزمار1984 لقصرها». «ميراث مهم» في سهرة من السهرات التى كان يقيمها الملحن الكبير بليغ حمدي، في منزله، تعرف عبدالرحيم منصور، على معلمة اللغة الانجليزية «وفاء» وكما تحكى مي منصور، نشأت بينهما قصة حب، وتزوجا، وانجبا ابنتهم الوحيدة «عالية»، وعاشوا في شقة استأجرها عمى في 36شارع عدن في المهندسين، وهي الشقة التى توفى فيها عام 1984، كان بها غرفته الخاصة وبها مكتبه ومكتبة كبيرة ، وعاشت زوجته وابنته في الشقة، حتى وفاة الزوجة عام 2008، ثم ابنته عالية التى كانت مدرسة في آداب القاهرة في 18 يناير 2011 وكانت تبلغ 32 عاما، كنا أصدقاء، هي تحب الشعر وتكتبه بالفصحى، وانا اكتبه بالعامية، وبوفاتها احسست أن عمي عبدالرحيم مات من جديد. تؤكد مى منصور : لم يكن منزل عمى مكانا للسهرات أو إقامة حفلات، وكان يكتب الشعر في أي مكان وزمان، في الشارع في المقهى، لذلك كان يحمل معه في جيبه قلما وأوراقا، ليكتب عليها. أمام عمارة المهندسين، تتذكر الحارسة «نجية» آخر يوم في حياة عبد الرحيم منصور 28 يوليو1984 «وهو نازل قال لزوجى: «ادعيلي يا أبو طه، أنا عندي حفلة» ورجع من الحفلة الصبح بدري، وطلع شقته وكان عنده حرقان في صدره، وقال لزوجته: «هاخد حمام وحضري لى كوب لبن بارد، و فعلا طلع من الحمام وشرب اللبن، وبعدين سمعنا زوجته بتصرخ من البلكونه، فطلعنا لقيناه توفى». خلال حديثى مع «أم طه» كان قد وصل المهندس هشام مظهر الطربانى ، ليأخذ سيارته من الجراج، وهو ابن الطبيب الشهير مظهر الطرباني، جار عبد الرحيم منصور الذى كان يقيم في بيته صالونا ثقافيا، يأتي إليه الفنانون والأدباء ومنهم بليغ ووردة ومنير، ولازال المهندس هشام يسكن في شقة والده. سألته :هل كان عبد الرحيم منصور يعاني من مرض تسبب في وفاته في هذا السن المبكر؟ فقال: بحسب ما كان يقول والدي أنه كان يعانى من اختلال في وظائف الكلى والكبد ومشكلات في الرئة. قبل الوفاة بثلاثة أيام توجه عبد الرحيم إلى مكتب الموسيقار محمد الموجي بعمارة الشواربى بوسط البلد، وهو المكتب الذى لا يزال ابنه الموجي الصغير يقيم فيه، ويحكي لى: فوجئت به على غير ميعاد يطرق باب شقتنا، ويقول لى :أنا جيت، بروح دعابة الشباب وبحكم الصداقة التى جمعتنا، كان طيب القلب وحنونا وأفكاره متدفقة، وربنا فاتح عليه، جلسنا معا وكانت صحته كويسة، وأعطاني ورقة فيها أغنية كتبها بخط ايده، بعنوان «يروح ويجى القمر» وقال لى شوف كده ممكن تلحنها ونخلى محمد منير يغنيها» ولازلت احتفظ بهذه الاغنية إلى الآن بخط يد عبد الرحيم منصور. كان الموسيقار محمد الموجى قد لحن العديد من الاغنيات لعبد الرحيم مثل: «ع الجسر العالى»، وغنتها صباح وكان حريصا على حضور بروفات الاغنية، ليقول لوالدى النطق للكلمات الصعيدية، لكى يضع لها اللحن المناسب، ولحن له أيضا طريق العاشقين، وزهر اللمون غناء محمد رشدى، يا حبيبي يا قمر لفايزة أحمد، أهلا بقمرنا لمحمد ثروت، يا متعالي عليا حود واسأل علي، غناء ليلى جمال، شط الحبايب لسميرة سعيد، ومن الأغاني الوطنية أغنية عاشت مصر حرة و بلاد القمر، كما غنى ولحن له الموجي أشعار المسلسل الإذاعي «الغريب والجبل» وأغانى المسلسل التليفزيونى عصر الحب». وعن صديقه يقول الملحن هاني شنودة: «لما مات عبد الرحيم منصور كأن جزءا منى مات، كان صاحب شخصية اسطورية، عمره ما يزعل حد، لطيف وودود، يحب أن نقعد في المقاهي الشعبية، عملت معاه اغنية وطنية واحدة لنجاة «في حضنك يا مصر»، واغانى عاطفية «بحلم معاك، وانا بأعشق البحر» لنجاة ، ولمحمد منير «علمونى عنيكى، بتولد وبريء، ولعمرو دياب «ياطريق ونور ياليل القناديل، ولحنت شريط شعبي لكتكوت الامير من كلمات منصور، وأغنية «سلملي ع الترماي» من كلمات منصور وغناء سيد زيان في مسرحية باي باي كمبورة». في برنامج تليفزيونى من تقديم فريال صالح عام 1985، قال محمد منير عن علاقته بعبد الرحيم منصور، صديقي ومن الشعراء اللى آمنوا بصوتى وكنت بأدوب في كلماته، عرفته من طفولتى أثناء دراسة عبد الرحيم الثانوية بأسوان، كان قريباً من نبض الناس، وكنت أتمنى إنى أغني «أنا باعشق البحر»، التى غنتها نجاة ولحنها هانى شنودة.