الخميس 25 ابريل 2024

الضجيج لا يخفي الحقائق

مقالات25-12-2022 | 13:09

لا أفهم من أين أتى شعور المفاجأة الذي يسطر على البعض تجاه الاتجاه إلى بيع عدد من الأصول فقد سبق أن حددت الحكومة مجموعة واسعة من الأصول التي ستطرحها على مستثمري القطاع الخاص في إطار خطة حكومية للانسحاب الكامل من قطاعات معينة من الاقتصاد مع سعيها لجذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار السنوات المقبلة وهو أمر معلن ولم يخرج في تسريبات يمكن معها تبرير تلك المحاولات لحشد رأي عام يصف هذه الحركة التي تمارسها كل دول العالم على أنها بيع لمصر ومصادرة على مستقبل الأجيال.

لقد أعلنت الدولة وبوضوح أنها راغبة في رفع الاستثمار الخاص إلى 65٪ من إجمالي البلاد في غضون ثلاث سنوات ، ارتفاعا من حوالي 30٪ في الوقت الحالي وأنها في سبيل ذلك ستطرح مشروعات للقطاع الخاص منها في مجال السيارات الكهربائية ومراكز البيانات وشبكات النفط والغاز وتوسيع مصانع تسييل الغاز وأبراج الاتصالات وطاقة الرياح.

العجيب وأن تتابع التفسيرات السياسية لفئة اقتصادية كبيع بعض الأصول تتحدث عنه وأعلنته الدولة منذ عام 2018 بعرض حصصً أقلية في 23 شركة مملوكة للدولة وتأخر البرنامج مرارًا وتكرارًا بسبب مجموعة من الأسباب ومنها ضعف الأسواق والعقبات القانونية واستعداد الوثائق المالية للشركات.

وقد حددت الحكومة بالفعل أصولا بقيمة 9 مليارات دولار سيتم تحويلها إلى نقد و 15 مليار دولار أخرى ستبدأ في الاستعداد لتقديمها بسرعة وأن من بين الأصول التي سيتم بيعها في البورصة بنهاية عام 2022 ، أسهم في 10 شركات حكومية وشركتين عسكريتين بهدف خفض إجمالي الدين إلى 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأربع المقبلة من 86٪ حاليا ، وعجز الميزانية إلى 5٪ من 6.2٪.

لا يوجد مبرر أبدا للاعتراض على مسار كهذا ، لأنه في النهاية استثمار أجنبي يقوم بالشراء بالأسعار الجارية المعلنة في البورصة بل هو المخرج الوحيد من أزمتنا الراهنة فتشجيع الاستثمار الخاص يزيد الإنتاج والتشغيل والتصدير وأغلب الأصوات الرافضة من مبدأ بيع الأصول يساورها قلق ينبع من الظروف الاقتصادية الخانقة التي نمر بها أو أصوات غير متخصصة سلمت عقلها لمخاوف تبثها بعض التيارات السياسية التي تحمل توجهات قديمة لم تعد موجودة في العالم بأسره.

ويجب أن تختفي تلك المخاوف طالما تم بيع الأسهم المملوكة للدولة من خلال البورصة وبالسعر العادل، وطالما آليات البيع تخضع لرقابة الأجهزة المعنية بالدولة والبرلمان والرأي العام ويبقى الخلاف الوحيد هو التوقيت فالبيع وقت الأزمة يمكن أن يضيع فرصا أفضل في وقت غير الاحتياج الملح.

فالأمر المتداول والمروج له شعبيا على أنه بيع لأصول الدولة هو مجرد توسيع للملكية يفيد ولا يضر في إطار ما أعلنته الحكومة من مستهدف وهو سياسة ملكية الدولة الأصول، تستهدف رفع معـدلات النمـو الاقتصـادي إلـى مسـتويات محققـة لطموحـات المصرييـن: عـن طريـق رفـع معدل الاسـتثمار إلـى مـا يتـراوح بيـن 25% إلـى 30% بمـا يسـهم فـي زيـادة معـدل النمـو الاقتصـادي إلـى مـا بيـن 7% إلـى 9% لتوفيـر فـرص عمـل كفيلـة بخفـض معـدلات البطالـة، بجانب تمكيـن القطـاع الخـاص المصـري، وتوفيـر فـرص متنوعـة لوجـود القطـاع الخـاص فـي كل الأنشـطة الاقتصاديـة، بمـا يســاعد على رفــع نســبة مســاهمته الاقتصاديــة فــي الناتــج المحلــي الإجمــالي، والاســتثمارات المنفــذة والتشـغيل، والصـادرات، والإيـرادات الحكوميـة.

وبعيدا عن الدعايات المبالغة والمهونة لنراجع دفتر التاريخ ليزداد إدراكنا واستيعابنا للمسألة فقد شهد ربع القرن الماضي العديد من عمليات البيع من قبل حكومات العالم ، معظمها خاصة لتنطلق الموجة الأولى أوروبيا إبان الأزمة المالية العالمية التي نشأت منذ منتصف الثمانينيات وبلغت ذروتها في عام 2000 ، حد كبير وتسارعت وتيرة الحركة بعد عام 1991 ، عندما وضعت أوروبا الشرقية آلاف الشركات الصدئة المملوكة للدولة في المنطقة ثم الموجة الثانية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث سعت الاقتصادات الأوروبية للاستفادة من الأسواق المزدهرة.

فالصين، على سبيل المثال ، كانت تبيع حصصاً أقلية في البنوك والطاقة والهندسة والبث وباعت البرازيل مطارات للمساعدة في تمويل برنامج استثماري بقيمة 20 مليار دولار ما يؤدي إلى تخفيض الديون وتمويل البنية التحتية وتعزيز الكفاءة الاقتصادية كما لجأت اليابان إلى مثل هذه العمليات لتمويل إعادة الإعمار بعد الزلزال المدمر وتسونامي في عام 2011.

 وواجهت الحكومات حول العالم ذات التهم بالتفريط ما دفع بعضها للتخلي عن خططها ومنها السويد التي تراجعت عن بيع غاباتها بعد احتجاجات كم تراجعت بريطانيا عن محاولة بيع أراضي لجنة الغابات في عام 2010 والمهم في النهاية موازنة عائدات المبيعات مقابل خسارة الإيرادات المستقبلية إذا كانت الأصول مصدر دخل.

Dr.Randa
Dr.Radwa