الجمعة 3 مايو 2024

هل قدمت الدراما للأب ما يستحقه من تقدير؟

مسلسل أبو العروسة

28-12-2022 | 11:43

هبة عادل
«الأب».. أقدس الكلمات، أسمى المعانى، أقوى الروابط البشرية، رب الأسرة، وهل يستهان بمفهوم يطلق عليه اسم «رب».. عند الحديث عن الأب هذا المفهوم الذى يمكننا إذا بدأناه إلا ننتهى أبداً.. أما عن الأب فى الفن وكيف وإلى أى مدى تمت معالجة وتقديم هذه القيمة الإنسانية، بل والسماوية العليا، يرى البعض أن الأعمال التى قدمت نموذج الأم كانت الأغلب على حساب شخصية الأب، فبحثنا فى الأمر حتى لا نكون قد أخذنا الأمور كما هى دون بحث، فجاءت نتيجة البحث لتؤكد أن «الأب» كان عموداً فقرياً بل ومحوراً أساسياً فى العديد والعديد من الأعمال الفنية سواء السينمائية أو التليفزيونية أو حتى المسرحية، فما من ممثل مهم وعظيم ومبدع إلا وقدم دور الأب ربما لأكثر من مرة فى كثير من الأحوال، الأب بكل حالاته.. حزمه وحنانه، ضعفه وربما جبروته، طيبته وقوته أحياناً.. نماذج غاية فى الإيجابية وأخرى ربما جاءت على عكس ذلك، لكنها فى نهاية الأمر عبرت وصورت وجسدت هذا الدور السامى والنموذج الإنسانى المتفرد.. أعمال خالدة فى ذاكرة الدراما حمل منها العديد اسم «الأب» «وأبى» و«بابا» فى عنوانها بشكل مباشر تارة وبتنويعات متنوعة تارة أخرى، وفى كل الأحوال تبقى الأعمال محفورة فى وجدان المشاهد المصرى والعربى عبر كل العصور وعلى مدار كل الأجيال، فى طرحنا عبر التحقيق التالى وبعد رحلة بحث كبيرة والعثور على عشرات الأعمال التى دارت حول شخصية الأب كمحور أساسي. كما سنعرض فى صفحاتنا التالية سؤال نخبة من النقاد وصناع الدراما والمتخصصين: هل ترون أن الأعمال التى قدمت الأب كبطل رئيسى فيها كانت كافية ووافية.. أم تظل الصورة العامة منقوصة ربما لصالح الأم.. أم أن دور الأب فى الدراما مهمش إلى حد بعيد.. ولكن قبل أن نستمع لآراء المتخصصين وتقيمهم اسمحو لنا أن نصطحبكم فى جولة لتقديم رصد على سبيل المثال لا الحصر لأهم الأدوار والشخصيات التى قدمها نجومنا الكبار، مجسدين شخصية الأب. إحدى أهم أيقونات السينما المصرية الذين قدموا دور الأب باقتدار كان الفنان القدير الراحل حسين رياض، الذى قدم فيلم «بابا أمين» عام 1950 للمخرج يوسف شاهين، ومن اسمه ندرك أنه كان العمود الفقرى، والمحور الرئيسى للفيلم، الذى صور حياة شخص بعد الموت، حيث يرى أحوال أسرته ومشاكلها من بعد رحيله. فيما قدم رياض أيضاً دوراً بارعاً للأب فى فيلم «رد قلبى» 1957 من إخراج عز الدين ذو الفقار، وكذلك لعب حسين رياض دور الأب بامتياز فى فيلم «السبع بنات» عام 1961 من إخراج عاطف سالم، وتدور أحداث الفيلم حول رجل مكافح لديه سبع بنات وهو المسئول عنهن بعد وفاة والدتهم، وفى عام 1961 أيضاً قدم حسين رياض دور الأب فى فيلم «فى بيتنا رجل» من إخراج هنرى بركات. فريد شوقى من أروع الأدوار التى قدم فيها فريد شوقى دور الأب فيلم «لا تبكى يا حبيب العمر» وحبيب العمر هنا المقصود به الابن، الذى لعب دوره الفنان نور الشريف فى مهد الشباب وشاركتهما البطولة ميرفت أمين والإخراج لأحمد يحيى، وتدور أحداث الفيلم حول الشاب أحمد الذى يتفق مع خطيبته على الزواج بعد الانتهاء من الدراسة بكلية الطب ويقوم والده الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة لابنه ليكتشف أنه مصاب بورم فى المخ، وأثناء إجراء الأب للعملية يموت الابن لينهار والده تماماً. وفى قالب كوميدى، قدم فريد شوقى دور الأب فى فيلم «يا رب ولد»، حيث الأب لثلاث بنات، وهو رجل أعمال ثرى، ولكنه يحلم بالابن الولد الذى يرثه. أيضاً من أروع الأدوار التى قدم فيها فريد شوقى دور الأب فيلم «وبالوالدين إحسانا» مع الرائعة كريمة مختار وسمير صبرى، الذى لعب دور ابنهما الناقم على حياة أبويه الفقيرين، ما يسبب لهما جرحاً ومشاكل كبيرة. عماد حمدى من العمالقة أيضاً الذين قدموا دور الأب باقتدار الفنان الكبير عماد حمدى، ونذكر دوره فى فيلم «أم العروسة» ورغم أن الفيلم يحمل فى عنوانه كلمة «أم»، إلا أن دوره كأب لم يكن أقل أهمية وألق من دور الأم تحيه كاريوكا، فى فيلم شديد الخصوصية والمصرية. كما قدم عماد حمدى دور الأب فى فيلم «الخطايا» وبدا هنا على النقيض من صورة الأب الطيب، فهو هنا الأب شديد الحزم والحسم مع ابنه عبد الحليم، خاصة فى اللقطة الشهيرة التى يصفعه فيها على وجهه. كما قدم عماد حمدى دوراً من أدوار الأب التى لا تنساها ذاكرة السينما المصريه فى فيلم «سواق الأتوبيس» من إخراج عاطف الطيب مع النجمين نور الشريف وميرفت أمين. يحيى شاهين عن عملاق آخر نتحدث، عن الفنان يحيى شاهين الذى قدم واحداً من أهم أدوار الآباء فى السينما المصرية، حيث شخصية السيد أحمد عبد الجواد أو «سى السيد» فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»، حيث قدم نموذجاً لتسلط الأب الرجعى على أسرته، بينما هو فى داخله يعانى الازدواجية ويفعل خارج المنزل كل ما يحرمه على أولاده وزوجته. فيلم آخر جسد فيه يحيى شاهين دوره بعبقرية هو «الأخوة الأعداء» المأخوذ عن الرواية الروسية الشهيره «الأخوه كرامازوف»، وتدور أحداثه حول أب لديه أربعة أبناء ولكنه لا يحبهم.. وكذلك لا يحب كل منهم الآخر، لدرجة تصل لقتل هذا الأب على يد أحد أبنائه. يوسف وهبى فى إطار كوميدى أيضاً قدم يوسف وهبى دوره فى فيلم «إشاعه حب»، حيث الأب الثرى، الذى يعمل جاهداً لإقناع ابنته بالزواج من ابن عمها الشاب الخام، الذى يعمل وهبى له مخططاً ليفوز بقلب الابنة الجميلة، وكذلك فيلم «البحث عن فضيحة» حيث الأب المتفاهم الذى يقف بجوار ابنته الجميلة التى ترغب فى الزواج من حبيبها، بينما ترفضه الأم المتسلطة، لكن ينجح الأب فى النهاية فى تحقيق رغبة ابنته الوحيدة. عبد المنعم مدبولى ومع واحد من أهم وأروع الأعمال والأفلام والأدوار والكراكترات نتوقف عند الفنان الكبير عبد المنعم مدبولى فى فيلم «الحفيد» هذا الفيلم القريب إلى قلب كل بيت وأسرة مصرية، مقدماً نموذجاً للعائلة، حيث الأب والأم والأبناء فى مراحل أعمارهم المختلفة منذ الطفولة وحتى الجامعة، ثم زواج البنات وإنجابهن، وما هى مشاعر الجد وكيفية الاستعداد لاستقبال الحفيد الأول. عادل أمام من أبرز أدوار الأب ما قدمه الزعيم عادل إمام فى فيلم «التجربة الدنماركيه» وقد لعب فيه دور «قدرى» الذى يتقلد منصب وزير «الشباب والرياضة» ولديه 4 من الشباب الأبناء والذين تركتهم أمهم ورحلت عن الحياة وهى تنجب آخر الأبناء. قدم أيضاً عادل أمام دور الأب فى فيلم زهايمر والذى عالج من خلاله قضيه كبيره حيث مرض الزهايمر الذى يصيب الأباء فى عمر متقدمه وكيف يؤثر على حياته وحياه أبناؤه. قدم أيضاً عادل أمام شخصية الأب بشكل متميز جداً فى فيلم «مرجان أحمد مرجان» إخراج على إدريس وكان أباً لكل من شريف سلامة وبسمة، وفيه عالج الزعيم مفارقة أن يكون الأب شديد الثراء ولكنه غير متعلم ما يجعل أبناءه يخجلون منه رغم غناهم الشديد. فيما لا يمكن أن ننسى الدور الكبير الذى لعبه عادل أمام فى فيلم «عريس من جهه أمنية» ولعله من أهم الأدوار التى قدمها كنموذج للأب الذى يحب ابنته ويغار عليها، فهى وحيدته اليتيمة التى تولى تربيتها، وحين تبلغ سن الزواج وتحب وترغب فى الزواج بمن تحب يعترض الأب بشدة حتى أنه يرفض العديد من الأزواج المتقدمين لطلب ابنته. حسن حسنى ونتوقف مع شخصية مهمة جداً قدمت دور الأب فى العديد من الأفلام المهمة وإن كانت تميل إلى اللون الكوميدى إلا أنه قدمها باقتدار شديد، هو الراحل الكبير حسن حسنى، الذى يعد من أكثر الشخصيات والفنانين الذين لعبوا دور الأب تقريباً مع جيل الكومديانات الجدد عبر الـ20 عاماً الأخيره من عمر السينما، وعلى سبيل المثال لا الحصر قدم شخصية الأب فى أفلام منها «عيال حبيبة»، «يا أنا يا خالتى»، «البيه رومانسى»، «محامى خلع»، «ليله سقوط بغداد»، «حبيبى نائماً»، «ميدو مشاكل»، «زكى شان»، وغيرها. أحمد زكى أما الرائع الراحل أحمد زكى فقدم دوراً من أقوى أدوار الأبوة التى عرضتها الشاشة فى قصة صاغها الكاتب الكبير وحيد حامد فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة»، حيث والد منى زكى الفتاة الجامعية التى تدخل كلية الطب.. لتنتقل مع والدها المصوراتى البسيط وجدتها للقاهرة، ويقع أحد زملاء الفتاة فى الجامعة فى حبها ويعدها بالزواج، الذى يرفضه أبوه الثرى، وتتوالى الأحداث البديعة التى عبر عنها أحمد زكى بحنان وأبوة لا يضارعان. الدراما التيلفزيونية أيضاً لم تكن الأعمال الدرامية التليفزيونية لتغفل عن تناول شخصية الأب كعمود فقرى فى العديد من الأعمال التى قدمت عبر عشرات السنوات، منها على سبيل المثال لا الحصر ما قدمه الفنان الكبير عادل إمام الذى لم يغفل أبداً عند الاتجاه إلى العمل بالدراما التليفزيونية بعد فترة انقطاع عنها أن يعود ليقدم لنا دور الأب فى أكثر من عمل. واحد من أبرزها مسلسل «صاحب السعادة»، الذى قدم فيه شخصية «بهجت أبو الخير»، ودارت أحداث المسلسل فى إطار كوميدى حول حياته بعد تقاعده من عمله مع زوجته وأبنائه وأحفاده وما يلاقيه من مشاكل بسبب غيرة زوجته الشديدة عليه، بالإضافه إلى مشاكله مع أبنائه. قدم أيضاً عادل إمام شخصية الأب ولكنه على النقيض من صورة الأب الكريم.. مقدماً شخصية جديدة للبخل من خلال مسلسل «مأمون وشركاه»، حيث الأب البخيل على الزوجة والأبناء. يحيى الفخرانى الفنان الكبير يحيى الفخرانى أيضاً قدم مجموعة من الأعمال المهمة، التى جسد فيها دور الأب، يأتى على رأسها مسلسل «دهشة»، المأخوذ عن رائعة «الملك لير» وجسدها الفخرانى بشخصية صعيدية فى إحدى قرى الصعيد. فيما قدم أيضاً الفخرانى دور الأب فى مسلسل «بالحجم العائلى» مع المخرجة هالة خليل، ودار العمل بشكل رئيسى حول عائله «نادر التركي».. يحيى الفخرانى الدبلوماسى الذى يسعى لتحقيق حلمه منذ الطفولة نظراً لحبه الشديد للمأكولات، فيقرر بناء فندق كبير فى مدينة ساحلية، مما سبب خلافاً بينه وبين زوجته الأرستقراطية ميرفت أمين. محمد صبحى الشهير بـ«ونيس» فيما لا يمكن أيضاً أن نتحدث عن الفنانين الذين قدموا شخصية الأب على الشاشة دون أن نذكر وبقوة الفنان محمد صبحى الذى قدم لنا سلسلة مسلسل «عائلة ونيس» عبر 11 جزءاً شكلت علامة فارقة فى تاريخ الدراما الأسرية. نور الشريف نشير أيضاً إلى واحدة من أروع كلاسيكيات الدراما المصرية ومسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى»، الذى قدم فيه نور الشريف دور الحاج «عبد الغفور البرعى» باقتدار لا يبارى، وهو الأب العصامى الذى يبدأ من الصفر ويتزوج بشريكة عمره وينجبان الولد الذى قدمه الفنان محمد رياض وأربعة من الأشقاء البنات هن منال سلامة، حنان ترك، وفاء صادق وناهد رشدى، من إخراج أحمد توفيق، فيما قدم أيضاً نور الشريف شخصية رجل الأعمال المسيطر فى مسلسل «الدالى» عبر ثلاثة أجزاء متتالية. نبيل الحلفاوى نبيل الحلفاوى أيضاً من النجوم الذين قدموا دور الأب ببراعة فى عدة أعمال نذكر منها «لأعلى سعر»، حيث كان والد الفنانة نيللى كريم والذى يحتوى مأساة خيانة زوجها الذى تحبه صديقتها، وكان هو الأب الحنون الذى حاول مداواة جرح ابنته ليخرجها من أزمتها، فيما تألق هذا العام من خلال مسلسل «القاهرة كابول»، حيث لعب دور والد حنان مطاوع، وهو الوالد لكل الشباب فى العمارة التى يسكنها والمقهى الذى يجلس عليه مع شباب الحى فى منطقه السيدة زينب يعلمهم دروساً فى التاريخ والوطنية والحكمة والأدب والحياة وكان دوره شديد التأثير فى إطار عمل وطنى ضخم. أحمد خليل أحمد خليل أيضاً قدم دور الأب عبر أكثر من عمل نذكر منها مسلسل «رسايل»، حيث لعب دور الأب لمى عز الدين، التى تمر بحالة شديدة الخصوصية، حيث تتلقى رسائل من عالم آخر تتحقق على أرض الواقع وبينما يصفها كثيرون بالجنون والهذيان، يقف والدها أحمد خليل بجوارها يدعمها ويصدقها ويؤمن بما تمر به، فيما قدم دوراً رائعاً للأب من خلال مسلسل «الفتوة» كوالد للفنان أحمد صلاح حسنى الذى يحاول أن يعلمه أن الفتونة هى أخذ حق الضعيف وليس اغتصابه بالقوة والعنف، ولعب دوراً مميزاً جداً فى مسلسل «خيط حرير» بطولة مى عز الدين، وهو رجل أعمال شديد الثراء لكن تتحكم فيه زوجته الجبارة وتسوء حالته الصحية حتى يتحول إلى جليس على كرسى متحرك. المسرحيات وفى مفارقة لطيفة وجدنا أيضاً أن أشهر وأحب المسرحيات التى نحبها ونحفظها عن ظهر قلب، كان دور الأب فيها بطلاً رئيسياً، فنذكر على سبيل المثال لا الحصر دور الفنان القدير حسن مصطفى فى مسرحية «العيال كبرت».. وكذلك دوره كأب بجانب دوره كناظر للمدرسة فى مسرحية «مدرسة المشاغبين»، ونذكر أيضاً دور الفنان الكبير فؤاد المهندس فى مسرحية «سك على بناتك» ودور العملاق فريد شوقى فى مسرحية «شارع محمد على» كوالد للنجمة شريهان، أيضاً دور الفنان سمير غانم فى مسرحية «موسيقى فى الحى الشرقى» مع صفاء أبو السعود وجورج سيدهم، ومجموعة من الأطفال، وكذلك الدور الشهير للنجم حسن عابدين مع الكوميديان محمد نجم فى مسرحية «عش المجانين»، الذى لعب فيه دور والد النجمتين ميمى جمال وليلى علوى. والآن بعد هذه الجولة.. ترى كيف يرى المتخصصون قوة دور الأب على الشاشة وكيف يقيمون هذه الصورة التى قدمت عبر الزمن؟... يقول الناقد الفنى والمؤرخ السينمائى الكبير محمود قاسم: بداية ينبغى أن نشير إلى أن أبرع من قدم دور الأب على شاشة السينما هو الفنان زكى رستم وهو أشهر وأبرز وأقوى نجم قدم هذا الدور باقتدار فى أفلام مثل «هذا ما جناه أبى»، «أعز الحبابيب»، «معلش يازهر»، وكذلك بالطبع الراحل الكبير حسين رياض، الذى قدم العديد من الأفلام متقمصاً دور الأب، ولا ننسى العملاقين محمود المليجى وعماد حمدي.. لكن هذا لا يلغى بالطبع أن اهتمام الدراما السينمائية وربما الدراما بشكل عام جاء ضعيفاً بالنسبة لتقديم دور الأب بشكل محورى ورئيسى، وتفوقت عليه بالطبع أدوار الأمومة، حيث إن الأم تشكل ظاهرة فى حد ذاتها، حيث ضعفها وكثرة التزاماتها ومسئولياتها وأعباؤها.. لذلك اعتنت الأفلام بتقديمها بشكل أكبر، فى صورة الأم المضحية أو المقهورة وربما المعذبة، فنجد مثلاً نموذجاً للست «أمينة» فى ثلاثية نجيب محفوظ، فى مقابل جبروت وطغيان «سى السيد» الذى عاقبها لمجرد خروجها لزيارة «سيدنا الحسين» ومع هذا هو أيضاً الأب الذى بكى عند وفاة ابنه على يد الاحتلال الإنجليزى. ويرى الناقد الفنى الكبير طارق الشناوى أن أكثر فنانين قدما دور الأب باقتدار على الشاشة هما حسين رياض وعبدالوارث عسر.. لدرجة يصفها الشناوى بأنها حطمت فكرة تواجدها على الشاشة لتنتقل إلى الشارع وصار كل من يقابلهما فى الحياة يعاملهما حسبما يراهما على الشاشة وفى الأفلام.. فتخطت الصورة الافتراضية حدودها وصولاً للواقعية من فرط المصداقية التى تمتع بها هذا الثنائى. ويكمل الشناوى: باستثناء هذين النموذجين وغيرهما ممن قدموا أدوار الأب، لا يعتبر دور الأب قدم كما ينبغى أن يكون، لاسيما إذا ما قورن بدور الأم الذى عنيت الشاشة بتقديمه أيما اعتناء، وذلك لأن الأم هى دائماً محط التعاطف، كونها امرأة فى المقام الأول، وطوال الوقت هناك إحساس بأنها كائن ضعيف أو مستضعف لذلك تألقت من خلال هذه الصورة الذهنية نماذج فردوس محمد، كريمة مختار، أمينة رزق وعزيزة حلمى وغيرهن.. كل هذه النماذج ومن صاغوها صوروا وعبروا عن فكرة أن الحياة هى «الأم» وليست «الأب».. ومثلما نجد الفارق الشاسع بين الاحتفال بعيد الأم وعيد الأب، هكذا نجد نفس الفارق بين معالجة وتقديم دور الأم على الشاشة.. لتظل بالتالى أدوار الأم هى الأقوى والأكثر تأثيراً والأبقى أثراً من الأب. ويقول الناقد الكبير الأمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولي: فى الحقيقة أن السينما تعانى فيما تعانى من جملة أزمات أو لنقل تحديات.. دون شك تقديم النماذج المثالية أو حتى صورة القدوة والمثل الأعلى والتى تتمثل أول ما تتمثل فى صورة وشخصية الأب.. فلم نعد نجد اهتماماً بتقديم أدوار الأب كالتى قدمت فى زمن «لأبيض وأسود» وكان الأب فيها له دور وقيمة وأثر واضح على الأبناء، واستمتعت بها أجيال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حتى جاء زمن الانفتاح وصارت صورة الأب النموذج هى شخصية الأب الانتهازى، الوصولى، أو ربما النصاب، الذى لا يقدم لأبنائه سوى تلك الأموال بأى وسيلة وبأى ثمن، وهم بدورهم لا يسألون أو يعبؤون بذلك، وأصبحت النماذج الجيدة مهمشة تماماً وغير موجودة. وتقول الناقدة الفنية الكبيرة خيرية البشلاوى: فى المطلق ليس هناك تصور ثابت يسير عليه صناع الدراما لتقديم صورة الأب أو الأم بشكل عام، لاسيما إذا لم يعتمد الفيلم أو العمل الدرامى عموماً على نص أدبى محدد مسبقاً معروف ماذا يريد منه كاتبه الأصلى، وبالتالى تسير المسألة وفق تصورات فردية وأكثر من ذلك وفق تطورات كل مرحلة بعد الأخرى وما هو السياق العام اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً الذى يقدم فيه العمل والذى يسعى فى المقام الأول لترويج ما تبغيه جماهير هذه المرحلة أو تلك.. فى عملية مغازلة صريحة لمسألة الجذب الجماهيرى ومن ثم شباك التذاكر، وبالتالى فصورة الأب الطبيعى الموجودة فى معظم بيوت الطبقة المتوسطة وهى السائدة.. غير موجودة على الشاشة ومهما اختلفت أشكال التعبير عنها درامياً تظل النماذج الحقيقية شيئاً عابراً لا يقاس عليه كمنهج للتقييم أو التعميم. وحتى النماذج القريبة منا تعد استثنائية وأحياناً تقدم بشكل مبالغ فيه لتخرج أيضاً بصورة مغايرة لما اعتدناه فى حياتنا عن نموذج الأب السائد. ويقول المخرج أحمد البدرى: كنت لتوى عائداً من لندن، وعملت كمساعد مخرج مع المخرج الكبير محمد فاضل، مخرج مسلسل «أبنائى الأعزاء.. شكراً» الشهير بـ «بابا عبده» للعملاق عبدالمنعم مدبولي.. ومن وقتها والى الآن لم أجد عملاً واحداً قدم الأب بهذا الأسلوب وبهذه الصورة الرائعة والحقيقية والواقعية.. فصورة الأب «اللى بجد» بالطبع غير موجودة بشكل محسوس وعملى على الشاشة، وصارت تقدم إما بشكل ساخر وكوميدى أو هامشى لا يقدم أى قيم يعلمها أو يقدمها لأبنائه.. قد نجد نموذجاً مثلما قدمه الفنان الكبير محمد صبحى فى مسلسل «عائلة ونيس» ولكنه يعد أو تعد نماذج فردية واستثنائية لا تتكرر كثيراً، ولا نستطيع أن نتخذها كقاعدة تثبت الاهتمام بتقديم نموذج الأب على الشاشة والتى من المفترض أن تقدم بشكل أكثر إيجابية أو لنقل إنه من المفترض أن تقدم تشريحاً للمجتمع كله بكافة متغيراته من خلال علاقة الأب بأبنائه. فأين نحن من نماذج حسين رياض وعماد حمدى وزكى رستم وغيرهم، هذا لا يعنى أن أقلل من شأن الموجود الآن، إنما الموجود الآن يحاكى جزء من الواقع وللأسف يحاكيه فى أسوأ صوره، حيث افتقاد النموذج والقدوة وربما الهدف فى حد ذاته.. ويعود ذلك فى رأيى للكتابه والكتاب الذين يجب أن ينتبهوا وبوضوح لأهمية دور الأب فى الشاشة حتى ينعكس ذلك إيجاباً على الواقع. ويقول السيناريست هانى كمال صاحب رائعتى «أبو العروسة» و«ولاد ناس»، الذى عرض خلال الموسم الرمضانى الماضى وقوبل باستحسان كبير، وقد عالج فى العملين قضية الأب وكيف أنه عصب وعمود البيت والأسرة المصرية.. حتى أنه أشار فى حديثه لـ«الكواكب» إلى ما سماه بـ«رخصة الأبوة» التى أشار ونصح بها فى الحلقة الأخيرة من «ولاد ناس».. ويقول هاني: فى الحقيقة إن معالجة المفهوم الحقيقى للأبوة مفقود تماماً على الشاشة، كما أصبح مفقوداً لدى الكثيرين على أرض الواقع أيضاً، فعندما نجد أباء كثيرين هذه الأيام لا يعون طبيعة أدوارهم الحياتية على الإطلاق وبالتالى أصبحنا نجد نسخاً مشوهة من الشباب والمراهقين.. وهو ما أردت توضيحه ومعالجته من خلال النماذج التى قدمتها فى «ولاد ناس» وهو يختلف كثيراً عن «أبو العروسة» الذى حكى بشكل مباشر عن الأب «عبدالحميد» الذى قدمه الفنان سيد رجب.. رب الأسرة الذى يكدح من أجل حياة ومستقبل أبنائه، والأحداث تدور فى مواقف اجتماعية يعيشها كل بيت مصرى. بينما فى «ولاد ناس» تطرقنا لأكثر من مشكلة وأزمة يعيشها أفراد كل أسرة بشكل شخصى، وأكدنا دور التربية فى بناء الأبناء، بل فى بناء الإنسان بشكل عام.. الأعمال التى تقدم الآن للأسف لا توضح النموذج والقدوة والمثل الأعلى، وأصبح الشباب سواء فى الطبقة الاقتصادية العليا جداً أو العكس، يستقون قدوتهم من نماذج أبطال البلطجة والعنف التى تصدرها بعض الأعمال على الشاشة دون وعى لخطورة ذلك. بينما نحن فى حاجة لتقديم نماذج توضح للأبناء، بل للآباء نفسهم دور الأب كشريك أصلى فى الحياة، وذلك إذا ما قارناه بالأعمال والأدوار التى قدمت زمان «الأبيض والأسود».. فالفارق سنجده كبيراً جداً، فنجوم الزمن الجميل قدموا نماذج من لحم ودم.. كان يجد الأب فيها نفسه ويتمنى أن يكون على غرار الفنان الذى يتابعه فى عمل فنى جميل، ويعود ذلك فى رأيى للكتابة، لاسيما الاهتمام بالكتابة عن دور الأب القدوة والمثل وليس تقديمه بشكل مهمش أو أنه «كمالة عدد» فى المنتج الدرامى لأنها ليست الحقيقة على الإطلاق.