ثمة ملحوظات تظل تداعب قريحة الصحفى و تناوشها من حين لآخر إلى أن يأتى الوقت وتحين اللحظة ويفرض حدث بعينه نفسه .. فيفجر ينابيع الأسئلة ويتحول المكنون إلى أطروحات أصبح من الواجب طرحها و هو ما حدث معى عند الإعلان عن العرض المسرحى « زقاق المدق» الذى لا تخطئ أحدا ذاكرته حين تذكره بالفيلم القديم للجميلة شادية ، و كذلك بالرواية الأصلية للأديب العالمى نجيب محفوظ ،غيرأن مجموعة كبيرة من المسرحيات جاءت أيضا بنفس أسماء أفلام شهيرة وناجحة و نحفظها عن ظهر قلب مثل: «لعبة الست، سكر هانم، الأيدى الناعمة، و غيرها»، وما يطرح نفسه بقوة هو السؤال هل صناع الأعمال الجديدة يلجأون إلى نفس هذه التسميات لجذب الجمهور والرهان على المضمون و الدعاية المجانية بشهرة المنتج الأصلى؟ أم هناك أسبابا أخرى؟هذا ما بحثناه مع مصادرنا والمتخصصين فى عالم المسرح .. و هكذا كانت آراؤهم عبر سطور التحقيق التالى ..
فى البداية يقول الشاعر والمؤلف محمد الصواف كاتب مسرحية زقاق المدق التى تعرض هذه الأيام: إن هذا الاتجاه يحدث كثيرا وهو أمر طبيعى يتعامل من خلاله صناع العمل كوسيلة بالفعل من وسائل جذب الجمهور لكن أنا شخصيا لم يحدث معى هذا ولم يكن فى ذهنى وأنا أكتب نصا جديدا لمسرحية «زقاق المدق» أن هذه الرواية قدمت فى فيلم فى السابق أو أننى أكررها بغرض الانتشار، بالنسبة لى ما يحدد توجهى فى تحويل الرواية إلى مسرحية.. هو مدى صلاحيتها فى الأساس كعمل يستطيع أن يكون نصا مسرحيا، بغض النظر عن تقديمه عبر الوسيط السينمائى، فالسينما لها تكنيك فى الكتابة يحكمها، أما مخرج المسرح فله وجهة نظر أخرى فى ما يأخذه من أشياء وما يقدمه من الرسائل عبر مسرحيته والمسرح أيضا له تكنيك مختلف يتحمل أن يكون استعراضيا أو ميوزكال، كما قدمنا فى مسرحية زقاق المدق، ففكرة ضمان نجاح مسرحية مأخوذة من رواية أو قدمت من خلال عمل سينمائى هى سلاح ذو حدين فقد يأتى الناس فى البداية لمشاهدة عرض يتصورون أنه ناجح وذائع الصيت ولكن عندما تحدث عملية المقارنة ينصرف عنه الجمهور ويرددون ذلك فيما بينهم فيفشل العرض المسرحى ما لم يكن فى حد ذاته عرضا قويا وممتعا .
ويقول المخرج دكتور عادل عبده رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية ومخرج مسرحية «زقاق المدق»: أنا والمؤلف محمد الصواف نعمل منذ 4 سنوات حتى نقدم عرضا بشكل جديد ومختلف للرواية التى قدمت فى الأربعينيات ولكن برؤية جديدة وأعتقد أن عملا يعمل عليه صناعه بجد واجتهاد ينجح بغض النظر عن كونه كان رواية أو فيلما سابقا وبشكل عام أحاول من خلال مثل هذه الأعمال أو من خلال رئاستى للقطاع عمل مشروع لحفظ التراث.. فقدمنا أيضا مسرحية «سيرة الحب» عن تاريخ الموسيقار بليغ حمدى كما قدمنا «سيد درويش والماظ وعبده الحامولى» .. فالمشروع يعمل على توثيق تراثنا والحفاظ على رموزنا حتى يستفاد منها ومن إعادة تقديمها لشبابنا لاستعادة الهوية المصرية.
ويقول الناقد المسرحى الكبير دكتور عمرو دوارة: صحيح أن نجاح بعض الأعمال المسرحية التى تحمل أسماؤها أسماء لروايات سبق تقديمها فى شكل سينمائى ناجح هو أمر وارد ويعمل بالفعل على جذب الجمهور و عمل دعاية للعمل الجديد لكن أيضا العكس صحيح فهناك أفلام قدمت بأسماء مسرحيات ناجحة وجاءت الأفلام لتحمل هى أيضا بدورها اسم المنتج المسرحى الأصلى، فالعملية إذا متبادلة طوال الوقت والنماذج فى هذا الإطار عديدة فعلى سبيل المثال لا الحصر نعرض لأسماء مجموعة مسرحيات كانت هى الأسبق و عنها جاءت الأفلام تليها حاملة نفس أسمائها.. كما فى زقاق المدق الذى قدم أول ما قُدم عام ١٩٥٨ إنتاج المسرح الحر أى قبل الفيلم الذى أُنتج عام ١٩٦٣ .. ثم عادت لتقدم مرة أخرى فى مسرحية بطولة صلاح السعدنى ومعالى زايد وسيد زيان إخراج حسن عبد السلام، كذلك مسرحية «بين القصرين» أنتجها المسرح الحر أولا عام ١٩٦٠ بينما انتجتها السينما عام ١٩٦٤، و«اللص والكلاب» قدمها مسرح التليفزيون عام ١٩٦٢ وقدمت سينمائيا عام ١٩٦٢، «وبداية ونهاية» قدمها المسرح القومى عام ١٩٥٩ وقدمتها السينما عام ١٩٦٠و«قنديل أم هاشم» قُدم مسرحيا عام ١٩٦٢وجاء الفيلم عام ١٩٦٨.. وغيرها العديد من الأمثلة وفقا لموسوعة المسرح المصرى للدكتور عمرو دوارة.. الذى يكمل حديثه قائلا: إذا مسألة إعادة الأعمال بأسماء منتج معين يعاد تدويره هو عنصر ترغيب أحيانا وقد يكون أيضا عنصر ترهيب، فقد يحدث فى البداية أن تدخل الناس للعمل الجديد بمنطق حب الاستطلاع ووفقا لدعاية ناجحة ومضمونة ولكن إذا لم يكن المنتج الجديد ناجحا فلن يستكمل مسيرته ونجاحه نظرا للدعاية الشفهية السلبية التى قد تلحق به إن لم يكن منتجا جيدا.
ويقول الناقد المسرحى أحمد هاشم: إن ظاهره تناول الأعمال الأدبية عبر أكثر من وسيط فنى سواء المسرح أو التليفزيون أو السينما هى ظاهرة ليست جديدة وليس لها تأثير سلبى على الإطلاق بل على العكس، لا سيما إذا كان العمل الأدبى الأصلى عملا جيدا لأن الوسائط الفنية مختلفة فى التعامل مع النص الأدبى، وعندما يتناوله كاتب النص السينمائى يحتاج إلى معالجة معينة أما إذا حُول نفس النص الأدبى إلى عمل تليفزيوني أو عمل مسرحى فالأمر يختلف ، فإن لكل وسيط معالجته التى تلائمه حيث مساحة السرد زمنيا ومكانيا وقد يضطر الكاتب لعمل بعض الإضافات أو الاختصارات حسب الفروق التى تتطلبها الوسيلة، فقدرة كاميرات السينما على التجول فى الأمكنة والأزمنة مختلفة عن الكاميرا التليفزيونية وكذلك المسرح هو وسيط آخر يختلف تماما عن الشريط السينمائى وهذه المعالجات المختلفة تثرى النص الأدبى الأصلى شريطة الاحتفاظ بتيمة الكاتب الأصلية وتساعد على كسب مشاهدين جدد لا يكونون قد قرأوا النص الأدبى الأصلى أو شاهدوه فى معالجة سينمائية مسبقة وبالتالى تجديد إنتاجه تضيف إلى ذلك مع كل رؤية جديدة ومعالجة جديدة للعمل يكتسب صفات جديدة لها علاقة بالزمن الذى يكتب فيه النص الجديد على سبيل المثال مسرحية «زقاق المدق» التى أعدها محمد الصواف إخراج عادل عبده وتعرض الآن فى عمل استعراضى يختلف بالضرورة عن العمل المسرحى السابق ويختلف بالضرورة عن الفيلم الذى قدم، ومن وجهة نظرى هى ظاهرة جيدة تساهم في انتشار العمل الأصلى لدى جمهور جديد عريض ومختلف وهذا يؤدى إلى النجاح فى حد ذاته.
ويقول الناقد المسرحى باسم صادق: لا شك أنه عندما تؤخذ رواية أدبية لتحويلها إلى عمل مسرحي ويكون كاتبها الجديد ملتزما أدبيا باسم الرواية الأصلية كعرفان بالجميل لكاتبها الأصلى.. فإن هذا فى حد ذاته كافٍ لعمل حالة من الرواج، فعملية «مسرحة الرواية» هى رافد مهم جدا من روافد الحركة المسرحية بدليل أنه تم إعداد روايات كثيرة ناجحة جدا وعروض ناجحة جدا مثل الطوق والأسورة التى حصلت على العديد من الجوائز أو زقاق المدق التى قدمت أكثر من مرة وهو اتجاه جيد فى حد ذاته مادام العمل الجديد لا ينتقص من الرواية الأصلية حتى لو استغل نجاح اسمها عندما قدمت فى عمل سينمائى المهم فى النهاية هو الحكم على العرض الجديد الذى لا يجب الحكم عليه مسبقا قبل المشاهدة ولكن بعد أن نستطيع معرفة ما إذا كان العمل الجديد قد أضاف أو انتقص من الرواية الأصلية أو من الفيلم السينمائى الذى سبق عرض المسرحية.
ويقول المخرج المسرحى شاذلى فرح: إن هذا الأمر هو شىء جيد فى حد ذاته ومكسب للمسرح بشكل عام لأن المسرح يظل أبو الفنون الذى يستطيع أن يأخذ من رواية أو من قصيدة شعرية أو من فيلم سينمائى أو من ديوان أو من لوحة تشكيلية ويحتوى كل هذه الفنون ليقدمها على خشبته فالمسرح قادر على تحويل أى نسق أدبى إلى مسرحية وهو أمر ثابت طوال سنين ولطالما قُدمت أعمال عبر المسرح والتليفزيون مثل النداهة و عرق البلح وأفراح القبة والفيل الأزرق لأحمد مراد ورواية «مولانا» لإبراهيم عيسى أما عملية الجذب الجماهيرى ففى تصورى لها علاقة بالوسيط .
ويقول المؤلف سامح عثمان: دون شك الجمهور يأتى للعمل المسرحى الذى يقدم و الذى سبق وقدم فى فيلم سينمائى نتيجة انجذابه لنجاح الفيلم وخاصة مع الأفلام الكلاسيكية التى تعاد، بالفعل آليات التقديم بطبيعة الحال تختلف، وعادة شغل المسرح يميل فى معالجته لأساليب تختلف عن السينما و«الدراماتورجي الشاطر» عندما يبتغى أن يقدم عرضا مسرحيا؛ فعليه أن يعود إلى النص الأدبى دون الالتفات للفيلم السينمائى الذى قُدم من قبل، لأن المسرحية تأخذ مناطق يمكن للفيلم ألا يتعامل معها حيث يعتمد فى السرد على التكثيف ولا يوجد فيلم سينمائي يستطيع أن يحتوى الرواية المكتوبة بالكامل لذلك يمكن للمسرحية أن تطرح خيوط لم يتناولها الفيلم ، فالمشاهد يذهب ليشاهد شيئا جديدا غير ما تابعه فى الشريط السينمائي وهو بشكل عام توجه محمود لكن بحدود كى لا تغرقنا الموضة ويتكرر هذا بشكل قد يكون إذا زاد غير ملائم.