الأحد 24 نوفمبر 2024

الحارة الشعبية فى السينما المصرية

فيلم الساحر

7-1-2023 | 12:57

خالد فؤاد

منذ بدايتها الأولي وتحديدا في ثلاثينيات القرن الماضي اهتمت السينما المصرية بالحارة الشعبية وأولت اهتماما خاصا بابن البلد الذى يتميز بصفات الشهامة والرجولة أو كما يقولون في شوارعنا وحوارينا الشعبية «الجدعنة »؛ ولم تغفل علي الإطلاق تناول قصص وحكايات بنات وسيدات الطبقات الشعبية الكادحة والتي يتم الكناية عنها بتعبير شهير هو البنت أو الست المصرية الأصيلة.

شديد الثراء

 ومن منطلق أن عالم الحارة المصرية من العوالم الخصبة شديدة الثراء أكثر من أى عوالم أخرى إذا جاز التعبير فقد تم تناولها في مئات الأفلام؛ فغالبية النجوم سواء من الأجيال القديمة او المعاصرة سعوا وقاموا بتجسيد أدوار وشخصيات أولاد البلد.

جانات وجميلات بما في ذلك من نشأوا في بيئات ارستقراطية واشتهروا بتجسيد أدوار الجانات وأبناء الطبقات الراقية.

فقد سعوا جميعا لتوسيع دائرة نجوميتهم بين أبناء  الأحياء والمناطق الشعبية .

وبالطبع منهم من حقق شهرة كبيرة وكان مقنعا للجمهور والنقاد ومنهم من فشل ولم يكرر التجربة.

وهو نفسه ما يقال عن كل جميلات السينما سواء في العقود السابقة أو هذا العصر فنادرا ما نجد فنانة لم تظهر في شخصية فتاة شعبية بسيطة وأيضاً منهن من قمن بدراسة الشخصيات من كافة جوانبها ومنهن من تعرضن لهجوم من قبل الجمهور والنقاد لعدم قدرتهن علي الإقناع او التعمق في الشخصيات بالقدر المطلوب قبل الوقوف أمام الكاميرات.

زمن وأحداث

ومن هنا وكما ذكرنا شاهدنا مئات بل آلاف الأفلام التي استمدت موضوعاتها من داخل الحارة الشعبية  وبالطبع تم الاعتماد علي استلهام او تناول كل موضوع منها بتغير الزمن والاحداث المحيطة وكذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها .

 ليصبح الفيلم دائما ابن عصره او شاهدا على هذا العصر الذى قدم فيه .

 حول أهم الأفلام المصرية التي تعرضت لموضوع الحارة الشعبية وكيف تطورت هذه الافلام من جيل الى جيل وكيف كانت صور الابطال فيه وما تعكسه من أبعاد زمنية ومكانية ومجتمعية ايضا .. تدور سطور تقريرنا التالى ...

العزيمة والسوق السوداء

بعيدا عن الإرهاصات الأولي التي قدمت في أواخر عشرينيات القرن الماضي مع ظهور «السينما الصامتة» أي قبل إضافة عنصر الصوت للصورة والذى ظهر في مطلع الثلاثينات مع فيلم « اولاد الذوات» يمكن القول بأن هناك مجموعة كبيرة من الأفلام تم استلهام أفكارها من داخل الحارة الشعبية وشاهدنا الكثير منها لرواد السينما الأوائل ومنهم نجيب الريحاني وعلي الكسار حيث تم أخذ التيمات الأساسية للكثير من أفلامهم الخالدة التي لازلنا نستمتع بها حتي اليوم من داخل الأحياء والحارات الشعبية؛ ومن المؤكد أننا جميعا نتذكر الفيلم الخالد «العزيمة» لفاطمة رشدى وحسين صدقي إخراج كمال سليم والفيلم الرائع «السوق السوداء» لعقيلة راتب وزكى رستم وعماد حمدى إخراج كامل التلمساني.

والفيلمان تم تصنيفهما من بين أهم ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية.

واقعية صلاح أبو سيف

في حقبة الخمسينيات بدأت السينما المصرية تأخذ منحى مختلف يتوافق مع طبيعة الحارة المصرية والتطور الذى بدأت تشهده بعد قيام ثورة يوليو فشاهدنا الكثير من أفلام الحارة الشعبية بأشكال وطرق مختلفة وكان من أبرزها تلك التي قدمها المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف الذي يعد من أهم رواد السينما الواقعية فقد قدم في الخمسينيات مجموعة من الأفلام العظيمة المستوحاة من واقع الحارة الشعبية الصميمة من بينها علي سبيل المثال وليس الحصر «شارع البهلوان والصقر ولك يوم يا ظالم وريا وسكينة والأسطى حسن والروائع الثلاثة « الفتوة وبداية ونهاية وشباب امرأة»

وفي حقبة السبعينيات قدم أبو سيف رائعتي حمام الملاطيلي والسقا مات من داخل نفس العالم الملئ بالثراء.

روائع حسن الامام

وسار علي نفس الدرب مخرج الروائع حسن الإمام الذى قدم في نفس الحقبة الخمسينيات روائعه الخالدة «غضب الوالدين وأنا بنت مين وبائعة الخبز والجسد وزوجة من الشارع وإضراب الشحاتين والخرساء والتلميذة وبائعة الجرائد».

 عظمة نجيب محفوظ

ناهيك عن سلسلة الروائع التي قدمها مع كاتبنا العملاق الراحل نجيب محفوظ الذى قدم أهم وأبرز إبداعاته من داخل الحارة الشعبية وعالم الفتوات أو عصر الفتوات الذهبى كما أطلق عليه البعض والذى  فرض نفسه على شاشات السينما بفضل روايات كبار  الكتاب وأبرزهم الأديب نجيب محفوظ ، الذى نال نصيب الأسد فى تقديم نماذج كثيرة وواضحة عن فتوات مصر وتطرق لجوانب مختلفة من حياتهم الاجتماعية  وحلل بدقة شديدة الواقع المصرى بتفاصيله وانفعالاته وصراعاته وظواهره من خلال أعماله الثلاثة «أولاد حارتنا»، «الشيطان يعظ» ثم ملحمة «الحرافيش» وقدمت أبرز الأفلام المصرية عن الفتوات التى جسدها كبار النجوم فى القرن المنصرم، مشاهد حية من داخل المجتمع المصرى وصورت الحارة الشعبية بكل تفاصيلها وعكست الصراع الدائم بين الخير والشر والظلم والأمل واليأس وجسد عدد من نجوم مصر شخصية الفتوة فى السينما، منهم صلاح قابيل، أحمد زكى، محمود مرسي، عزت العلايلى،  حمدى غيث، نور الشريف ، عادل أدهم، محمود عبد العزيز ، محمود ياسين، وفريد شوقى الذى نال لقب الأكثر مشاركة فى الافلام التى تناولت عصر الفتونة قديما فى مصر.  ولذلك يعد نجيب محفوظ  من أهم الكتاب الذين تناولوا المناطق الشعبية بحرافيشها وفتواتها بدقة متناهية ومنها وصل للعالمية نظرا للمصداقية الشديدة التي تناولها بها وقد أخرج له حسن الإمام سلسلة من قصصه هذه وحقق بها نجاحا كبيرا ابتداء بزقاق المدق للعظيمة شادية  ومرورا بالثلاثية الشهيرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وغيرهم.

واستمر حسن الإمام في حقبتي السبعينات والثمانينات في التطرق لعالم الحارة الشعبية بالأشكال المستحدثة التي أصبحت عليها كما شاهدناه في خلي بالك من زوزو لسعاد حسنى وحسين فهمى وبالوالدين إحسانا لكريمة مختار وفريد شوقى وسمير صبرى

.

أفلام بأسماء المناطق والشوارع

كان من أواخر الأفلام التي قدمها حسن الإمام عن عالم الحارة الشعبية وابناء البلد في بداية الثمانينات رائعة «كيدهن عظيم» والذى كان يعد من بدايات الأفلام التي قدمت تحت مسمى الواقعية الجديدة والتي بدأت كما أطلق عليها في مطلع الثمانينات واستمرت حتى الألفية الجديدة وقد شاهدنا في هذه الحقبة أفلاما كثيرة حملت اسماء المناطق والحارات الشعبية لأول مرة نذكر منها علي سبيل المثال وليس الحصر الباطنية وفتوات بولاق  وقهوة المواردى وشارع السد وجدعان باب الشعرية والسكاكيني وحارة برجوان ودرب الرهبة ووكالة البلح والسلخانة وعشرات الأفلام الأخرى التى شارك فيها كل نجوم هذه المرحلة بلا استثناء فكانت عناوين هذه الأفلام وتقديمها من داخل هذه الحارات والمناطق الشعبية بمثابة تيمة النجاح إن جاز التعبير بالنسبة لها .

بالإضافة لسلسلة الأفلام المستمدة من قصص نجيب محفوظ سواء قبل أو بعد حصوله علي نوبل مثل الشيطان يعظ والمطارد والحرافيش وغيرها من الأفلام الكثيرة الأخرى.

 أفلام التيك واى

مع قدوم الألفية الجديدة ظهرت علي السطح مجموعة من الأفلام بما يتفق مع الشكل الجديد للحارة في ثوبها المستحدث بغض النظر عن العمق الذى خلت منه بعض هذه الأفلام فقد ابتعدت عن الشكل القديم وتم طرحها في قوالب غلبت عليها الكوميديا الخفيفة فكانت بمثابة التيك واى إن جاز التعبير تماما كما شاهدنا في سلسلة افلام محمد سعد «اللمبي وعوكل وبوحة» وكما شاهدنا هنيدى في «بليه ودماغه العاليه» وكما شاهدنا منة شلبي ومي عز الدين مع عبلة كامل في «كلم ماما» ومنى زكى وعبلة كامل في «خالتي فرنسا» وكما شاهدنا ادم وصلاح عبدالله في «فيلم هندى» كما شاهدنا أحمد حلمي في «صايع بحر».

الساحر ومخبر وحرامي

قد جاءت كل هذه الأفلام للأسف الشديد بعدما كانت الكلمة العليا في بداية الألفية للأفلام التي تم استلهامها من داخل الحارة الشعبية وحملت مضامين قوية ومنها علي سبيل المثال «الساحر» لمحمود عبدالعزيز ومنة شلبي للراحل رضوان الكاشف؛ و«مواطن ومخبر وحرامي» لداوود عبد السيد ومن ثم لم يكن هناك ثمة مبرر لتقديم سلسلة الأفلام الشعبية التي خلت من مضامين قوية وغالبيتها سقط بلا شك من ذاكرة السينما فلا نتذكر معظمها رغم إنه لم يمض سوى سنوات معدودة علي عرضها بخلاف الأفلام التي مضى علي تقديمها عشرات الأعوام و لم تزل راسخة فى الوجدان.

تزامن هذا مع تلك التيمة الخاصة بتقديم القضايا الاجتماعية في أفلام سينمائية تماما كما شاهدنا في «معلش أحنا بنتبهدل» لأحمد أدم و«فرحان ملازم ادم» لفتحى عبدالوهاب  و«بنات وسط البلد» لمنة شلبى وهند صبرى و«عيال حبيبة» لرامز جلال وغادة عادل و«عودة الندلة» لعبلة كامل والفرح .و يعد فيلم «الفرح» من أهم الافلام فى هذا الصدد ربما على مدار العشرين عاماً الماضية حيث قدم تشريحا اجتماعيا للحارة الشعبية فى الالفية الثالثة من خلال مجموعة اشخاص يجمعهم فرح شعبى  فى زمن مدته يوم واحد يعكس العديد من القضايا الاجتماعية التى يعيشونها.. من بطولة خالد الصاوى ،دنيا سمير غانم ، جومانا مراد، ياسر جلال، باسم سمرة وماجد الكدوانى .. تأليف أحمد عبد الله وإخراج سامح عبد العزيز

استعراضية ولكن!

ثم جاءت مرحلة من بين مراحل الألفية الجديدة تم التركيز فيها أيضاً علي القالب الإستعراضي والغنائى بعيدا عن المضمون القوى فقد تم تقديم الحارة في قوالب خفيفة للتسلية ليس اكثر دون البحث عن بقائها للأجيال القادمة تماما كما شاهدنا في «علي سبايسي» لحكيم وسمية الخشاب و«قصة الحي الشعبي» لسعد الصغير ونيكول و«أسد واربع قطط» لهانى رمزى مع فريق الفور كاتس و«شارع الهرم» لدينا وسعد الصغير و«على الطرب بالثلاثة» و«حلاوة روح» لهيفاء وهبى  و«النبطشي»  وغيرها .

 

بدأنا في عام ٢٠٠٧ في التعرف ولأول مره علي ما سمي بسينما العشوائيات المستوحاة من داخل الحارة الشعبية شديدة الفقر وبدأت هذه الظاهرة بفيلم «حين ميسرة» لعمرو سعد واستمرت في «هي فوضي» لخالد صالح و«صرخة نملة»  لعمرو عبد الجليل وغيرها من الأفلام الأخرى وصولا لفيلم  «كارما » بطولة زينة و سعد عام ٢٠١٨ .

تزامنت بالطبع مع سلسلة افلام العنف التي أصبح لها الكلمة العليا في هذا التوقيت مثل «عبده موته والالماني وقلب الأسد» لمحمد رمضان و«ريجاتا» لعمرو سعد  و«جمهورية امبابة» لعلا غانم وباسم سمرة و«شد اجزاء» لمحمد رمضان و «اولاد رزق» بجزئية لأحمد عز واحمد الفيشاوى وعمرو يوسف وغيرهم من الأفلام الأخرى التي قدمت الحارة الشعبية في أسوء صورها وجاءت بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي فقد صورتها وكأنها جميعا عبارة عالم يضم بعض البلطجية والمدمنين والعاهرات والمتعطلين عن العمل والباحثين عن الثراء وهو ما يعد بعيدا كل البعد عن الواقع الحقيقي للحارة الشعبية التي تشهد كل عام تخرج اساتذة واطباء وعلماء ورجال أعمال وتجار محترمين.