الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

بــ «قلم رصاص».. نزار قباني يستأذن في الانصراف

  • 12-1-2023 | 10:42
طباعة

حملت أوراقي وقلمي الرصاص من فوق المنضدة، استأذنت في الانصراف كي أترك نزار قباني مع طوق الياسمين كما أراد هو على أن نلتقي في صباح اليوم التالي، وعقب دخولي إلى الغرفة بوقت قصير، هاتفني وطلب أن نسافر إلى بيروت ونستكمل تلك المقابلة الصحفية هناك. 

ولم أكن قد زُرت بيروت من قبل لكن لي أصدقاء ومعارف هناك، وحينما وصلنا إلى مقر إقامتنا في العاصمة اللبنانية قال لي «نزار» من هنا خرجت كل الصحف التي عبرت عن كل الأنظمة في عالمنا العربي، قبل عصر الإنترنت، ومن هنا أيضا خرج صوت الست فيروز، ونغمات الرحبانية، وهنا أيضا نظمت أجمل القصائد، وهنا أيضا كان قبر أروع القصائد، ترجّلنا معًا من أمام الفندق حتى شارع الحمرا الذي لا يبعد كثيرا، لندخل أحد الكافيهات، ونتجاذب أطراف الحديث. 

قطعنا ذلك الشاب ذو الملامح البشوشة، وهو يسأل عما نحب تناوله، وطلبنا القهوة، ونحن نتناولها سألت «نزار» هل تؤمن بقراءة الفنجان؟! ابتسم ابتسامة خفيفة تنم عن إدراكه لتوابع سؤالي، مجيبا بعضها قرأ أبجدية قصة لم يكن لأحد قراءتها، هنا عُدت بالزمن إلي ربيع العام 1976 حينما غني «حليم» قارئة الفنجان.. وسألته، هل كانت السندريلا هي بطلة تلك القصيدة؟! يجيب نعم، يمكن أن تصبح كل النساء حبيسات ذلك القصر البعيد، الموصد والمحاصر دائما بقيود وأغلال، إذا غابت الحرية.

البعض أيضا عندما استمع لها اعتبر أن بطلة القصيدة ترمز للحرية المقيدة على خريطة الوطن العربي؟! وهنا تناول الشاعر ذلك القلم الرصاص من فوق المنضدة، محاولا رسم خريطة تشبه بلاد العرب، وحينما سألت عن حقيقة الوقعة أجابني بأن قصة الحب ملك لأصحابها، أما القصيدة هي لمن يتذوق معانيها ربما يأتي يوما تكون فيه «قارئة الفنجان» أحد شهود التحقيق على اغتيال أمتنا للقصيدة. 

اراد الشاعر أن نغرد بعيدا عن تلك القصيدة التي غاب أطرفها وتحمل العديد من فصولها بعض الغموض. 


هذه المرة لم يمنحني نزار قباني .. فرصة، أن أعاود طرح أسئلتي التي حملتها من القاهرة إلى بيروت مرورًا بدمشق، بل أراد أن يسأل عن أحوال العرب؟! 

حاولت الهروب سريعا، لكنه حاصرني، وطلبت منه أن نخرج إلى شوارع بيروت أن نذهب إلى المرفأ.. وأجبته لم يتغير الكثير منذ أن غادرت، سوى أنك الحاضر الغائب من رصيد القوى الناعمة التي غابت من المحيط إلى الخليج، أعلم أنك متعب بعروبتك، وهنا دعني أن أردد معك تلك الأبيات.:

« سقطت .. للمرة الخمسين.. عذريتنا 
دون أن نهتز.. أو نصرخ
أو يرعبنا مرأى الدماء
ودخلنا في زمان الهرولة» 

أتريد أن تعرف مزيدا من أخبار العرب، أزف إليك الخبر، لقد سقطت شيرين أبو عقلة علي يد الجبناء ورفعنا الصور علي جدران محافل التأبين، تحاور بعضنا من أجل التفتيش في معتقدات شهيدة دافعت عن شرف عروبتنا والمسجد الأقصى و نحن خلف شاشات الهواتف الذكية لا نملك سوى رثاء مقيت، أتريد أن تعرف أحوال وطننا العربي أنظر إلي تلك الخريطة التي تقطعت أوصالها، استمع إلى ما يسمى «المهرجانات» كلمات سوقية بلا معنى وضجيج يهرب إليه شباب بحثا عن مخدر جديد يذهب بالعقول، إنه مشهد عبثي تراجع فيه دور أهل العلم، لم يتغير الأمر كثيرا، لا تزال قصيدة «خبز وحشيش وقمر» تصلح أن تكون عنوان يعبر عن واقع خارطة العرب. 

إن واقع خارطة عالمنا العربي مأساوية، يكفيك مشاهدة صورة جثمان ذلك الملاك البريء «ايلان» طفل سوري عمره 3 سنوات لعبت بها الأمواج على أحد الشواطئ التركية بعد غرق زورق كان يقله مع اسرته أثناء توجههم إلى إحدى الجزر اليونانية، تمهيدا للسفر لأوروبا هروبا من خريطة عالمنا العربي، وما تزال قصة «ايلان» تحدث كل يوم. 

حاولت الصمت برهة محاولا العودة لطرح الأسئلة لكني لم أستطع استعادتها بحثت في أوراقي عنها.. فلم أجد إلا سطورًا من قصيدة غازي القصيبي، كنت نقلتها إلى تلك الورقة.. يقول فيها:  

نزار أزف إليك الخبر
لقد أعلنوها وفاة العرب
وقد نشروا النعي فوق السطور
وبين السطور وتحت السطور
وعبر الصور
وقد صدر النعي
بعد اجتماع يضم القبائل 
هنا استأذن نزار قباني وتركني وحيدا دون أن نضرب موعدا آخر. 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة