الجمعة 17 مايو 2024

قاهرة المعز الفاطمية

شارع المعز لدين الله الفاطمي

ثقافة13-1-2023 | 14:34

هبة محسن - كاتبة مصرية

عناوين:
●    عبر المقريزي عن دهشته من حجم الطوب المستخدم في بناء سور القاهرة وذكر أن طول الطوبة الواحدة ذراعاً وعرضها ثلثي ذراع وأن سمك السور كان كافيا لأن يمر فوقه فارسان جنباً إلى جنب 
●    اتخذ تخطيط القاهرة في أول الأمر الشكل المربع، وبعد نحو مائة وعشرين عاماً تحول شكلها إلى الشكل المستطيل بعد أن وسع أمير الجيوش بدر الجمالي أسوار المدينة الجنوبية والشمالية
●    بعد العام الرابع من غزو الفاطميين لمصر تحولت مدينة القاهرة إلى عاصمة للخلافة الفاطمية وذلك عند انتقال الخليفة إليها.. وضم سورها

القاهرة الفاطمية أو قاهرة المعز هي العاصمة الرابعة لمصر الإسلامية بعد الفسطاط التي خططها الصحابي الجليل عمرو بن العاص، وثاني العواصم مدينة العسكر التي خططتها الدولة العباسية، وثالث العواصم مدينة القطائع التي خططها أحمد بن طولون.
كان وصول الفاطميين إلى مصر في منتصف القرن الرابع هجريا انقلابا غير عاديا وتطورا في خريطة العالم الإسلامي فنشأت منافسة حقيقية على الحكم في العالم الإسلامي فلقد كان الفتح الفاطمي بمثابة انقلابا في الدين والثقافة ونظام الحكم في وقت واحد، فلقد قامت الدولة الفاطمية في مصر في عام 358 ﻫ / 969 م.
 وكانت الخلافة الفاطمية التي اشتقت اسمها من فاطمة زوجة علي بن أبي طالب وبنت سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هي أبرز ما نتج عنها الحركة الشيعية.
ولم يأت فتح الفاطميين لمصر مصادفة بل نتج عن سياسة مدروسة منذ مدة طويلة وحتى قبل تشييد مدينتهم المهدية في تونس 304ﻫ / 915 م، فلقد احتلوا الإسكندرية لمدة ستة أشهر فى 306ﻫ / 917م، وفشلت حملاتهم على مصر بفضل الإمدادات العسكرية القادمة من بغداد لمساعدة الدولة الأخشيدية، ثم كرس المعز لدين الله الفاطمي كل اهتمامه بإعداد حملة على مصر واهتم حتى بحفر الآبار وإقامة الاستراحات على طول الطريق الصحراوي المؤدي إلى الإسكندرية.
وقد أرسل جوهر الصقلي قائدا على رأس جيش يتكون من مائة ألف جندي هزم القوات الأخشيدية فى 358ﻫ / 969م، واستقرت القوات الفاطمية في المنطقة التي تقع شمال الفسطاط.
وكانت القاهرة أرضا رملية بين خليج أمير المؤمنين أو خليج القاهرة، وفور وصول جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى مصر في سنة 358ﻫ /969م، بدأ جوهر فى بناء مدينة في مصر تكون عاصمة للدولة الفاطمية مثل الفسطاط في الأهمية أو أكثر، فلقد اختار جوهر الصقلي هذا الموقع لما له من ميزة البعد عن تحركات النيل وفيضانه، وهو يبتعد قليلا عن الفسطاط حيث يقيم معظم الأهالي من المسلمين والأقباط بينما كانت المدينة الجديدة مكرسة لتكون العاصمة السياسية للفاطميين، ولكن في بداية الأمر لم يعجب المعز بهذا المكان وعلل جوهر الصقلي أسبابه للمعز في أنه بنى هذه المدينة في مكان منخفض لا بحري ولا جبلي. 
  وقد بني سور المدينة من الطوب اللبن على شكل مربع طول كل ضلع من أضلاعه ألف وثمانين مترا، وفي نفس الليلة بدأ وضع الأساس لقصر كبير وسور يحيط بالقصر ويحدد موضع المدينة الجديدة، وبذلك تكونت مربعا منتظما تواجه أضلاعه الأربع الجهات الأصلية، ثم بدأوا في تشييد أول مسجد جامع لهم في مصر وكان السبب الرئيسي لبنائه هو نشر تعليم المذهب الشيعي في مصر في البداية جنبا إلى جنب مع المذهب السني الذي يعتنقه المصريين حتى يثبتوا حكمهم في مصر.
ولقد تم افتتاح المسجد الأزهر رسميا للصلاة في عام 361 ﻫ/ 971م، بصفته المسجد الجامع للدولة الفاطمية ومؤسسة تعليمية ولقد تم بناء مدينة القاهرة بالكامل تقريباً بعد ثلاث سنوات من وضع أساسها، وفى عام 362هـ/972م جاء الخليفة المعز إلى مصر ليتمتع بغزوته وبالعاصمة الجديدة التي أعدها له قائده جوهر وأعطى حضور الخليفة نشاطاً وحماساً كبيرا للأعمال فتضاعفت أعمال البناء بسرعة، وتم استغلال مناجم جبل المقطم من جديد، وتم استقدام المعادن النفيسة من العاصمة القديمة ممفيس، و بعد العام الرابع من غزو الفاطميين لمصر تحولت مدينة القاهرة إلى عاصمة للخلافة الفاطمية وذلك عند انتقال الخليفة إليها.
ويذكر ناصر خسرو عن مدينة القاهرة وخططها القديمة ويقول: إنها مدينة العشر محلات (أى حارات) وهى:
"حارة برجوان وزويلة والجودرية والأمراء والديالمة والروم والباطلية وقصر الشوك وعبيد الشراء والمصامدة". 
ولقد كانت بقايا المدينة قليلة للغاية حيث أن الرحالة الفارسي ناصر خسرو أشار أثناء زيارته للقاهرة عام 440هـ/1048م إلى أنه ليس للمدينة سور محصن. 
وكانت تفتح في هذا السور تسع أبواب بابان فى السور الشمالي هما: باب النصر، باب الفتوح، وبابان في السور الشرقي هما: باب البرقية و باب القراطين وثلاثة أبواب في السور الجنوبي هم: بابا زويلة وباب الفرج، وبابان فى السور الغربي هما: باب القنطرة وباب سعادة ولقد أزيلت كل هذه الأبواب ولا يوجد منها الآن أي أثر وإن ذكر المقريزي أنه شاهد بقايا أقواس بعض هذه الأبواب، وتحتوى مصر والقاهرة على الجوامع والمساجد والأربطة والمدارس والزوايا والدور العظيمة والمساكن الجليلة والمناظر البهيجة والقصور الشامخة والبساتين النضرة والحمامات الفاخرة والأسواق المملوءة بما تشتهى الأنفس والخانات المملوءة بالواردين والفنادق المكتظة بالسكان 
وكان قسم كبير من هذا السور في ناحيته الشرقية ما يزال قائماً -في زمن المقريزي- ويقع خلف سور صلاح الدين بنحو خمسين ذراعاً (28.90سم) وقد عبر المقريزي عن دهشته من حجم الطوب المستخدم في البناء وذكر أن طول الطوبة الواحدة ذراعاً وعرضها ثلثي ذراع وأن سمك هذا السور كافي لأن يمر فوقه فارسان جنباً إلى جنب 
اتخذ تخطيط القاهرة في أول الأمر الشكل المربع بعد نحو مائة وعشرين عاماً تحول شكلها إلى الشكل المستطيل بعد أن وسع امير الجيوش بدر الجمالي أسوار المدينة الجنوبية والشمالية ونقلها إلى حيث يدل على موقعها الأبواب الباقية منها إلى الآن ومن مميزاته أنه يوفر للمخطط أضلاعاً مستقيمة وزوايا قائمة مما ييسر عمليات البناء وقياس مساحة الأرض ويوجد في الوقت نفسه تقاطعاً متعامداً يقع في وسط المدينة ويوفر مواقع مقسمة ذات أبعاد متساوية، وكان يخترق القاهرة شارع رئيسي يمتد من باب زويلة جنوباً وحتى باب الفتوح شمالاً- شارع المعز لدين الله، الذي أطلق عليه الشارع الأعظم أو قصبة القاهرة، فهو يقسم المدينة إلى قسمين متساويين ولم تشهد المدينة شوارع متعامدة أخرى.
      لقد طلب جوهر من القبائل والجماعات التي صحبته في فتح مصر أن تخطط كل واحدة لنفسها خطة تنزل بها عرفت باسم الحارة ولم يقصد بالحارات في هذا الوقت الطريق الذي يمر فيه الناس بين المساكن كما هو الحال اليوم، وإنما هى جزء من مجموعة مبان المدينة حيث تمثل حياً كاملاً تتخلله الطرق وتوجد به الحمامات والأسواق والمساجد وكان عدد الحارات الأولى للقاهرة نحو عشر حارات أخذت في التزايد مع امتداد المدينة ووفود طوائف جديدة إليها وكان لكل حارة من الحارات في القاهرة باب يغلق عليها بعد العشاء ويفتح قبل صلاة الفجر.
وبعدما اختط جوهر الصقلي أساس القاهرة 358 ﻫ / 969م، وبعد توليه مقاليد الأمور في الفسطاط استقرت الأمور فى القاهرة وتحددت حدودها وأبوابها وهو: طوله من بابي زويله جنوبا إلى باب الفتوح وباب النصر شمالا وعرضه من باب سعادة وباب خوخة غربا إلى باب الشرقية والباب المحروق شرقا، ومعنى ذلك أن الموضع الذي بنيت فيه القاهرة كان يحده جبل المقطم شرقا والخليج الناصري غربا بينما يحده الخط الممتد من ميدان باب الخلق إلى جبل المقطم إلى ميدان باب الشعرية إلى باب الفتوح فباب النصر فجبل المقطم شمالا وأدار عليها جوهر القائد سورا من اللبن بني من داخله جامعا سمي بالجامع الأزهر وقصرا سمي بالقصر الشرقي الكبير، وهو لسكنى الخليفة ومحل حرمه وموضع جلوسه لدخول العساكر وأهل الدولة وفيه الدواوين وبيت المال وخزائن السلاح وغير ذلك، والقصر الاّخر فى الغرب هو القصر الغربى، وفيما بينهما ميدان فسيح كانت تقام فيه حفلات عرض الجيش واشتهر فيما بعد باسم "ما بين القصرين"، كما كان هناك ميدان آخر بجوار القصر الغربى يجاور البستان الكافورى المطل على الخليج، واختطت القبائل من حولهما فاختطت قبيلة زويلة الحارة المعروفة بها، واختطت جماعة من أهل برقة الحارة البرقية، واختطت الروم حارتين هما حارة الروم البرانية وحارة الجوانية قرب باب النصر إلى غير ذلك من الخطط.ومع انتهاء فترة حكم الدولة الفاطمية وبداية حكم الدولة الأيوبية وإعادة السلطان صلاح الدين الأيوبي القاهرة الى المذهب السني استطاع ضم الأربع عواصم الإسلامية الأثرية والتاريخية الفسطاط، العسكر، القطائع، القاهرة بعاصمة كبيرة تضم المصريين جميعاً بدون أبواب واستطاع تثبيت المذهب السني المذهب الرسمي للبلاد.