الأربعاء 19 يونيو 2024

أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة الوزير لماذا يصل الارتباك لبطاقات التموين وهى عصب الحياة لأغلبية المصريين؟!

18-8-2017 | 21:05

بقلم –  يوسف القعيد

عرفت الدكتور على المصيلحى عندما كان وزيراً للتضامن الاجتماعى. وهى الوزارة التى تولاها ثلاث مرات. مرتان سابقتان، وهذه هى المرة الثالثة. “والتالتة تابتة كما يقولون”، وعندما تولاها من قبل تم ضم وزارة التموين لها فى واقعة لم تتكرر بعد ذلك. وربما كانت الزيارة الوحيدة التى قمت بها لمقر وزارة التضامن عندما كان هناك. أذكر أننى ذهبت إلى المقر الكائن وراء هيئة المصل واللقاح فى أول حى المهندسين. حيث توجد الوزارة.

أذكر له عندما تولى رئاسة هيئة البريد من ٢٠٠٢ حتى ٢٠٠٥، لم يكن رئيساً للهيئة مثل من سبقوه من الرؤساء ومن جاءوا بعده. لكنه أعاد صياغة الهيئة، وأضاف لها أدواراً جديدة. بل إن مقرات الهيئة اكتسبت شكلاً موحداً فى الفترة التى كان مسئولاً عنها فيها.

وهيئة البريد من المؤسسات المعمرة القديمة فى مصر. فقبل وجود وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة. كانت هيئة البريد هى الوسيلة – ربما الوحيدة – للتواصل والاتصال بين المصريين، لم تكن هيئة خاصة بالبريد بمعناه التقليدى الخطابات والمراسيل. ولكنها كانت تنقل الأموال والودائع والطرود. وهذه الهيئة التى تعد من أقدم هيئات الحكومة المصرية تمت إعادة صياغتها وإعادة اكتشافها عندما تولاها على المصيلحى.

ثم تزاملنا فى مجلس النواب لدورة أولى وجزء من الدورة الثانية. وأشهد للرجل سواء كعضو فى مجلس النواب أو كرئيس للجنة الاقتصادية بأنه برلمانى من الطراز الأول. كان من عاداته الجلوس فى الناحية المقابلة للناحية التى أجلس فيها. لن أقول ناحية اليمين ولا ناحية اليسار. لكنه اختار أن يجلس فى مكان كنت أراه من أول الجلسة حتى آخرها. ولم أشارك فى اجتماعات لجنته الاقتصادية لضيق الوقت. رغم حقى فى حضور اجتماع أى لجنة من لجان البرلمان حتى لو لم أكن مدعواً لهذا الاجتماع.

عندما عرفت أنه سيقدم استقالته بعد ترشيحه وزيراً للتموين. قلت إن الرجل اتخذ قراره بعد أن وازن الأمور فى إطار شخصى، والأهم فى سياق المصلحة العامة ومصالح البلاد العليا التى تعلو على كل الأفراد مهما كانوا.

ووزارة التموين لا يقول أحد فى مصر إنها من الوزارات السيادية. لكنى أعتبرها من الوزارات المهمة. بل شديدة الأهمية. لأن الدور الذى تقوم به مرتبط بالحياة اليومية للناس. ومطالبهم المعيشية من طعام وشراب وهما من الأمور الهامة فى حياة المصريين يحرصون عليها لحرصهم على الحياة. ثم إن كل مصرى يعول أسرة. وأهم مطالب الأسرة المأكل والمشرب والملبس.

أخيراً أدخل على المصيلحى تعديلاً جوهرياً على بطاقات التموين. وأدخل فئات كثيرة كانت لا علاقة لها ببطاقات التموين. وربما لا تحلم أن تكون لها صلة بهذه البطاقات. لكن القرارات سهلة والمعضلة فى التنفيذ. نص قرار الوزير رقم ١٧٨ لعام ٢٠١٧ بشأن تنظيم قواعد استخراج البطاقات التموينية، لأن الظروف الاقتصادية الراهنة وارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار تستوجب رفع الحد الأقصى لاستخراج البطاقات عن الرواتب التى كانت مذكورة من قبل. ونُشر قرار الوزير فى الجريدة الرسمية يوم الثلاثاء قبل الماضى.

نص القرار على صرف بطاقات تموينية جديدة بشكل استثنائى لفئات خاصة. توقفت أمام كلمة بشكل استثنائى. هل يتناقض الاستثناء مع الدوام والاستمرار؟ أم أنه استثناء قد يدوم؟ وما دام الهدف الدوام والاستمرار، لماذا قيل بشكل استثنائى؟

جاء فى القرار أحقية الأرملة فى استخراج بطاقة تموين. والمطلقة، والمرأة المعيلة، وحكاية المرأة المعيلة ربما تحتاج أوراقا ومستندات لإثباتها، وأصحاب الأمراض المزمنة، وذوى الاحتياجات الخاصة، ومستحقى معاش الضمان الاجتماعى، ومعاش السادات ومبارك وتكافل وكرامة. والقُصَّر الذين ليس لديهم عائل أو دخل ثابت بوفاة الوالدين، والعمالة الموسمية والعمالة المؤقتة، والعاملين بالزراعة، والباعة الجائلين.

وهذه الفئات قد تجد صعوبة كبرى فى إثبات وضعها، وتحويله من حالات فى الواقع لأوراق رسمية مكتوبة، وعمال التراحيل، وهنا سؤال: هل فى مصر عمال تراحيل الآن؟ أم أن عمال التراحيل مسألة مرتبطة بملابسات اجتماعية لم يعد لها وجود فى حياتنا الآن. كان لهم وجود مهم. ولولا أدوارهم فى حياتنا، ما كتب يوسف إدريس رائعته: الحرام. التى حولها هنرى بركات لفيلم سينمائى نادر، لعبت بطولته: فاتن حمامة، وعبد الله غيث. وأصبح واحداً من أهم الأفلام السينمائية فى تاريخ السينما المصرية.

من الفئات التى تقرر استخراج بطاقات تموين لها السائقون، والمهنيون، والحرفيون من ذوى الأعمال الحرة، أصحاب الدخول الضئيلة والمتعطلون ومن فى حكمهم. وأسأل هنا عن صاحب الدخل الضئيل، ما هى قيمة هذا الدخل الضئيل؟ وكيف نحدده؟ ومن الذى يملك تحديده؟.

أيضاً من الذين لهم حق استخراج بطاقات تموين، الحاصلون على مؤهلات دراسية، وما زالوا بدون عمل بموجب بحث اجتماعى، والسؤال هنا: لماذا تم الاهتمام بالعاطلين من الذين حصلوا على مؤهلات؟ البطالة هى البطالة. والتعطل عن العمل هو تعطل عن العمل. ولا أدرى لماذا لم يتم النص على كل من لا يعمل ومن لا دخل له بدلاً من البدء بالحاصل على مؤهل دراسى. فالحاصل على مؤهل دراسى ربما أمامه فرصة للعمل فى يوم ما. لكن غير الحاصل فإن فرص العمل أمامه قد تكون معدومة.

نص قرار الوزير على منح بطاقات تموين لأرباب معاشات الحكومة والعاملين بالقطاع العام أو الخاص المؤمن عليهم بحد أقصى ١٢٠٠ جنيه، وأيضاً الذين يعانون من أمراض حرجة. وحكاية الأمراض الحرجة مشكلة جديدة. ولا أعتقد أن هناك تعريفا دقيقا للمرض الحرج. فهل هو المرض الذى لا علاج له؟ أو المرض الذى طالت فترة علاجه؟ أم هو المرض الذى يتطلب علاجه وجود المريض فى غرفة للعناية المركزة؟.

فى قرار الوزير شرط توقفت أمامه طويلاً. أنه يشترط على الفئات الجديدة التى تشملها بطاقات التموين ألا يزيد عدد أطفال الأسرة عن أربعة. وهو مربط الفرس الذى دفعنى للكتابة الآن. لقد رأيت فى هذا الشرط أحد الحلول التى نحتاجها لمواجهة الانفجار السكانى. ولا يجب أن ننسى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى قال أخيراً إن مخاطر الإرهاب والتطرف قد تتساوى مع مخاطر الانفجار السكانى. وبالفعل فإن الخطرين كليهما يهدد الأخضر واليابس فى بر مصر.

كتبت من أجل أن أناشد الوزير أن يكون عدد أطفال الأسرة الفيصل فى الحصول على بطاقة التموين من عدمه، هذه المرة حدد الوزير أربعة أطفال للأسرة الواحدة. وربما أراه رقماً كبيراً كشرط أساسى للحصول على بطاقات التموين الاستثنائية. لن أقترب ممن معهم بطاقات الآن. فتلك أوضاع قديمة لا يجب تعديلها بأثر رجعى. لكن عند استخراج بطاقات جديدة يجب أن يعرف الزوج والزوجة أن الحد الأقصى المسموح لهم به أربعة أطفال فقط. ولماذا لا نفكر مستقبلاً فى أن يكونوا طفلين فقط؟ لا أعرف قانونية ما أكتبه ولا دستوريته. ولو أن الأمر لاقى قبولاً من الممكن أن يصدر به تشريع من مجلس النواب فى دور انعقاده القادم، لأن عدم مواجهة انفجار النسل أوصلتنا إلى ما نحن فيه من سباق الأرانب، ومن أجل أن يكون لهذا الوطن مستقبل، لا بد أن نواجه هذا الأمر بالتوعية، ولكن الأهم بالإجراءات العملية.

قلت من قبل إن القرارات سهلة. ولكن الصعوبة تكمن فى تنفيذها. فمثلاً نص على أن المريض بمرض مزمن من حقه صرف التموين. لكن الذين سينفذون هذه القرارات ربما وضعوا عراقيل غير عادية أمام التنفيذ. مثل مفهوم المرض المزمن. والشهادات التى يجب عليهم تقديمها. فإن كان قرار الوزير ظاهره الرحمة. فأتمنى أن يقتدى المسئولون عند تنفيذه ويكون عنوانه: الرحمة بالناس. وليس باطنه العذاب.

كل ما مضى كلام جميل وكنا فى أمس الحاجة إليه.

لكن المشكلة كانت فى تعامل وزارة التموين مع قرار الوزير. فوجئت بعد نشر قرار الوزير الذى أسعدنى كثيراً بالمتحدث الرسمى باسم وزارة التموين، ممدوح رمضان، يعلن على الملأ أن القرار ليس جديداً. ولكنه صدر ٢٠٠٩، وتم تجميده بعد ترك الوزير الأسبق خالد حنفى للوزارة. وأن الوزير الحالى أعاد نشر القرار مرة أخرى لتفعيله لحماية الفئات الأولى بالرعاية.

ونُشِر أن لجنة العدالة الاجتماعية التى شكلها رئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، لم تنته بعد من وضع قواعد منظومة الدعم ومن يستحقه من عدمه، وأن الحد الأقصى المذكور ليس نهائياً.

أخطر ما قيل ونشر أن وزير التموين ليس من حقه اتخاذ القرار منفرداً فى رفع الحد الأقصى لاستخراج البطاقات، ولكنها مسئولية مجلس الوزراء الممثلة فى لجنة العدالة الاجتماعية، التى من حقها اتخاذ مثل هذا القرار أو عدم اتخاذه.

توقفت محتاراً أمام هذا الكلام. وأنا لا أريد أن أكتب بمناسبة وبدون مناسبة عن ارتباك عملية صنع القرار فى مصر. لأن خصومنا من العملاء الذين يعملون لصالح أعداء الوطن يستغلون هذا الكلام ويحملونه أكثر مما يحتمل، ويضعونه فى سياقات لم أقصدها إطلاقاً. ورغم إدراكى لرغبتى فى ألا أقترب من ارتباك صنع القرار فى مصر، إلا أن الوقائع التى أوردتها سابقاً تشير إلى ذلك. وما بالك إن كان الأمر يدور حول بطاقة التموين، وما أدراك ما بطاقة التموين؟ ربما لم تكن ذات قيمة بالنسبة للأغنياء والميسورين. لكنها صمام الأمان – ربما الوحيد – أمام الفقراء. بل وأبناء الطبقة الوسطى وربما الكثير من ميسورى الحال.

يقول المثل الشعبى الذى استمعت إليه فى قريتى:” يا فرحة ما تمت، خدها الغراب وطار”. أكتب هذا، رغم أمنيتى ألا يكون هناك غراب. وألا يأخذ فرحة المحتاجين ويطير. لأن جعل الحياة ممكنة بالنسبة لهم ليس مسئولية الحكومة وحدها، ولكن مسئوليتنا جميعاً. فلا بد أن نجعل من هذا الوطن مشروعاً للسعادة المشتركة.