الجمعة 27 سبتمبر 2024

حتى تبقى السكك الحديدية الملاذ الآمن للناس

19-8-2017 | 16:21

بقلم: محمد الحنفى

يبدو أننا تعودنا على كوارث القطارات من كثرة تكرارها.. ومع كل كارثة نتحدث عن عامل السيمافور أو التحويلة !

قطاع السكك الحديدية فى مصر مازال يتشبث بعهود الظلام ويأبى أن يتحدث لغة العصر، لا يعترف بأننا قطعنا ١٧ عاما من القرن الحادى والعشرين !

قطاع السكك الحديدية الذى ينقل قرابة المليون مواطن عبر ١٠٠٠ رحلة يومياً ذهاباً وإياباً مازال يعتمد على العامل البشرى فى تسيير حركة القطارات.. لا أقصد بالطبع سائق القطار ولكن باقى الخدمات التشغيلية الأخرى للمزلقانات والإشارات «السيمافور» ، أو التحويلة ، وهم بشر بيدهم أخطر المهام على الإطلاق، ناس ممكن تلبس القطارات فى بعضها فى لحظة!

الجهل والتخلف يخيم على هذا المرفق الحيوى الذى أهمل على مدار ٦٠ عاما، هذا المرفق الذى كانت مصر تفتخر به باعتبارها من أوائل دول العالم التى عرفته وأدخلته فى البلاد بعد بريطانيا، تقادم وتهالك حتى شاخ.. هذا المرفق الذى بلغت خسائره ٧ مليارات جنيه ويعمل فيه جيش جرار من البشر أصبح يستحق وقفة كبيرة وطويلة حتى يتعافى مرة أخرى، فليس من المعقول أن ٢٨ خط سكة حديد بطول ٩٧٣٥ كيلومتراً يعبر ١٣٣٢ “مزلقانا” يعمل عليهم ٣٩٠ جرارا من مجموع ٨١٠ جرارات معطلة، بلغ عمر معظمها ٣٥ عاما، لدرجة أن الجرار الواحد يقطع ٣ رحلات يوميا، فضلا عن العربات التى تهالكت وأكلتها البارومة!

منتهى التخلف أن تدار نصف مزلقانات القطارات بعمال بعضهم قد يتغيب أو يذهب لقضاء حاجته تاركا الحابل مختلطا بالنابل، بينما النصف الآخر يعتمد على الأجراس والأنوار.

منتهى التخلف ونحن نشاهد قطارات أوربا والدول المتقدمة تعمل بنظم إلكترونية كاملة دون العامل البشرى ونسب أخطائها تقترب من الصفر، أن تتحرك قطاراتنا بأوامر من عامل التحويلة القابع فى كشك يعلم الله ما يدور بداخله، أو سيمافور قد يعمل أو يتعطل لأى سبب وتتجاهل نظم التحكم الإلكترونية.

صباح الجمعة الماضية استيقظنا على كارثة جديدة من كوارث القطارات، راح ضحيتها حوالى ٤١ وإصابة ١٢٥ مواطنا آخرين سالت دماؤهم وتناثرت أشلاؤهم فوق القضبان نتيجة اصطدام قطار ركاب يحمل رقم ١٣ إكسسبريس القاهرة ـ الإسكندرية بمؤخرة القطار رقم ٥٧١ القادم من بورسعيد متجها إلى الإسكندرية عند محطة خورشيد القريبة جدا من محطة سيدى جابر بمدخل الإسكندرية، وأسفر الحادث عن خروج جرار القطار رقم ١٣ من على القضبان بجانب عربتين من مؤخرة القطار رقم٥٧١ الذى كان متوقفا بالخط الطوالى بمحطة خورشيد على مدخل الإسكندرية بسبب حدوث عطل فنى به أثناء رحلته، قبل أن يأتى القطار الآخر رقم ١٣ ويصطدم به من الخلف بقوة، مما أدى إلى انقلابه من على شريط السكة الحديد.

وتبين من التحقيقات المبدئية أن سائق القطار رقم ١٣ تجاوز السرعة وتجاهل السيمافورات التى كانت تسبق القطار رقم ٥٧١، رغم أنه كان من المفترض أن يتوقف قبل القطار الآخر المتعطل بما لا يقل عن ٦٠٠ متر على الأقل وفقا للائحة التشغيل، لكن تجاوزه للسرعة أدى للتصادم وعدم قدرته على التوقف.

وقيل أيضا إن سائق القطار رقم ١٣ أغلق جهاز الـ «ايى تى سى» المسئول عن التحكم فى مسيرة القطارات! على أية حال سيحدد تحليل بيانات شريط جهاز التحكم بالقطار، أسباب الحادث، بشكل تفصيلى وآخر الأوامر التى اتخذها السائق، وما الذى كان يفعله سائق القطار ولماذا أغلق جهاز التحكم، وأين عامل التحويلة وأين عامل السيمافور؟

أخطاء ساذجة لكن نتائجها كارثية، وفى كل مرة نحملها لهذا العامل أو ذاك، وكأنها اسطوانة مشروخة تأبى أن تتوقف.

هذه الأخطاء الكارثية تحدث وتتكرر مع كوارث القطارات التى لا تنسى ومنها كارثة قطار كفر الدوار التى وقعت فى أواخر تسعينيات القرن الماضي، ذلك القطار الذى طار من فوق القضبان واقتحم السوق وأحد العمارات الكائنة فى ميدان المحطة، فى مشهد لا يصدقه عقل مما أدى إلى مقتل ٥٠ شخصا وإصابة أكثر من ٨٠ مصابا. وأرجعت التحقيقات سبب الحادث إلى عبث أحد الركاب فى فرامل الهواء بالقطار.

وحادث قطار العياط الشهير الذى وقع صبيحة يوم عيد الأضحى عام ٢٠٠٢ وراح ضحيته أكثر من ٣٥٠ مواطنا تفحمت جثامينهم نتيجة اشتعال النيران فى عربتين به.

 وفى أغسطس ٢٠٠٦، اصطدم قطاران أحدهما قادم من المنصورة متجها إلى القاهرة والآخر قادم من بنها على نفس الاتجاه مما أدى إلى وقوع تصادم عنيف بين القطارين، أسفر عن ٨٠ قتيلا وأكثر من ١٦٣ مصابا، وغيرها الكثير من حوادث القطارات.

لقد سمعنا كثيرا من وزراء نقل سابقين عن برامج لتطوير السكك الحديدية ولم نشاهد شيئا على أرض الواقع، قالوا إن لديهم خططا طويلة الأجل وأخرى قصيرة، وأن تنفيذهما جارٍ بالتوازى، القصيرة تتضمن تجديد وصيانة خطوط السكة الحديد، أما الخطة طويلة المدى فتكون على مدار ٥ سنوات، وتشمل تجديد وصيانة المحطات والمزلقانات ونظم التحكم بين الخطوط، وأنه جارٍ حالياً العمل فى خطى «القاهرة – الإسكندرية»، و«بورسعيد- أسيوط».

كلام “حلو” سمعناه وسنظل نسمعه، لكن كل ما أتمناه من القيادة السياسية أن تصدر أوامرها فورا بتطوير خطوط السكك الحديدية فى مصر وأن توفر الميزانية المطلوبة لهذا التطوير الحتمى وأن ترسل بعثات إلى الدول المتقدمة فى صناعة القطارات مثل اليابان والصين على ما أعتقد، فهذه الدول اخترعت قطار الطلقة الفائق السرعة الذى يقطع «٣٥٠ كيلو مترا فى الساعة» دون أن نسمع عن حادث واحد هناك.

وأختم بالقول أن هذا المرفق الخطير الذى يخدم قطاعا عريضا من البشر بحاجة ماسة لثورة تكنولوجية فورية ودون تأخير حتى يظل الملاذ الآمن للناس.