عندما تختلط المشاهد ، وتتناثر الرؤى تتعالى الأصوات ما بين مؤيد لتحمل ما يحدث من مشكلات ناتجة عن الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الوطن الحبيب وما بين معارض لضرورة تحمل هذا الوضع الذي يتعرض له العالم أجمع، فاعلم أن المجتمع قد أصابه خلل كبير، أصابت البعض فيه تلك الأنانية المفرطة وأعني هنا أن القضايا الرئيسية قد تتحول في هذا المناخ السيئ إلى قضايا فرعية، تهتز لها الثوابت ويصعب تحديدها حتى تكاد تهوي مشاعر الانتماء للوطن في تلك الزاوية الضيقة.
أشعر أن مجتمعنا قد أصبح غريبًا عني ، لا آلفه ولايألفني وكأن وجوه الناس قد فقدت هُويتها، وغابت عنها ملامحها المصرية الأصيلة .. وهنا أكرر السؤال لتفسي : هل هؤلاء هم المصريون الذين عاشوا على أرضها أم أنهم قد تغيروا مع عصر جديد عصر المسخ لكل ما هو ثابت وأصيل ، هل انتزعوا قلوبهم من صدورهم عن عمدٍ فاعتنقوا حبًا آخر سلبهم حبهم لمصر ، هل وأدوا أحلامهم بأيديهم وقتلوا الأمل ثم أهالوا عليه التراب، أو أن حبهم لها قد تلاشى، وراح يركض بعيدًا وهو لا ينوي الرجوع.
من ينكر فضل بلده عليه ويتخلى عنها عندما تتعرض للشدائد فلا حاجة لها به ولا حاجة لنا به ، من خلع عنه رداء انتمائه لها ، ووقف مع أعدائها في الداخل والخارج يندد ، ويردد ، ويفعل ما يفعلونه فقد ارتد عن إيمانه بوطنه، من بات ينتقد كل شيء ، يشكو دون وعي لما يحاك ضد وطنه ، فيسير في ركب من يريدون أن يحولوا هذا الوهم الكبير بأن الحياة قد استحالت إلى واقع ملموس يدمر ما تبقى له من أمل في النجاة فقد خسر الكثير.
البعض تناسى أن مصر جزء من هذا العالم الكبير تتأثر بما فيه من ظروف وتقتسم معه المشكلات، وكأنها ليست على تلك الخريطة، وبما أننا اعتدنا النعم فقد غادر الصبر صدور الكثيرين منا إلا ما رحم ربي ، وبدا الحديث عن هذا البلد العظيم بكل المحبة والامتنان شيئًا غريبًا درب من خيال، أو مس من جنون.
المهم والأهم تلك هى القضية وهذا هو السؤال، فالمهم أن نعيش مهما كانت الظروف نتأقلم ، نتحمل ، نتنازل ، والأهم أن يبقى هذا الوطن حائط الصد المنيع أمام كل الحاقدين، ألم ير هؤلاء أن مصر كلما تقدمت كلما ازداد حولها المغرضون، ألم يدرسوا في مناهجهم أن مصر كانت ولا تزال أملًا للطامعين، سأذكركم ونفسي بما أطلق عليه في السابق اسم نكسة سبعة وستين؛ عندما أوشكت مصر أن تسقط لولا أن منّ الله عليها وعلى أهلها، حينما تحول نهارها المشرق بالأمل إلى ليل طويل كاد أن يقضي عليها لولا هذا الشعب العظيم الذي بقي داعمًا، مساندًا، ملازمًا لها، يجمع المال من أجل نُصرتها وإعادة هيبتها يسعى ليضمّد جراحها حتى تقوم وتستعيد مجدها القديم ، شعب أدرك أن بقاء الأوطان المعنى الحقيقي للوجود.
ولكل المحبطين نقول : لا تحاولوا أن تفسدوا علينا إيماننا بوطننا، أوقفوا حربكم الممنهجة لكسر عزيمتنا ، كُفّوا عن محاولاتكم الماكرة لغرس اليأس والإحباط في نفوسنا، نحن أناس رزقنا الله بحب مصر، ولن نتحول عن هذا الحب مهما كلفنا الأمر، فهذا مبدأنا، وتلك عقيدتنا، وستبقى مصر دائمًا نبراسًا يهدي بنوره التائهين، وستبقى مصر كما كانت قِبلة الأمان لكل الخائفين.