الثلاثاء 14 مايو 2024

كُتَّاب التلوث العقلي .. "بهت الذي كفر"

20-8-2017 | 14:30

زياد إبراهيم - كاتب مصرى

تخلت الدولة عن دعم النشر منذ عقود كثيرة، والآن أصبحت صناعة النشر تعاني من ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الأوراق والأحبار وكذلك مصنعية الطباعة ذات نفسها..

وهذا تسبب في خسائر كبيرة داخل قطاع صناعة النشر ولا أخفيكم سرًا أن هذا القطاع يشمل أكثر من 540 دار نشر طبقًا لقائمة اتحاد الناشرين المصريين، وهناك أكثر من 200 دار نشر غير مقيدة في الاتحاد.

ويصبح المجموع  أكثر من 740 دار نشر بأسرهم والعاملون بهم تضرروا من ارتفاع الأسعار و تعويم الجنيه.. وأصبحت صناعة النشر في مهب الريح وتسبب في غلق العديد من دور النشر والأمثلة كثيرة منها على سبيل المثال وليس الحصر دار كلمة في الإسكندرية..

والنتيجة تقول إن هناك خيارين لا ثالث لهما الأول هو اختيار الكتاب بعناية لأن تكلفة طباعة الكتاب تجاوزت 10 آلاف جنيه وهذه التكلفة لكتاب صغير لا تتجاوز صفحاته 100 صفحة، ويلعب  هنا الناشر دور المنتج الفني الذي يصنع مادة فيلمية أو شريط الكاسيت أو الفيديو كليب، فلا يدفع إلا في الكتاب الجيد.

أو النشر على حساب المؤلف وهذا موجود ومتعارف عليه في كل العالم وهو ليس ظاهرة كونية تنفرد بها مصر وفي هذه الحالة يكون الناشر والمؤلف شريكان في العمل المنتج.

ولكن لكل طريق مخاطره..

فالطريق الأول يتطلب عناية كبيرة من فريق النشر واختيار قوي وتعيين مستشار نشر فاهم لأصول المهنة واجتماع فريق النشر والأخذ بآراء الفريق بالكامل، بمعني أن يجتمع المحرر الأدبي وفريق التوزيع ومسئول الإنتاج وفريق التسويق، ويبدأ فريق الإنتاج بطرح الكتاب الأدبي على باقي الفريق ويكون لكل فريق نسبة مئوية فإذا وافق فريق التسويق والتوزيع على الكتاب يكون له نسبة 50% مع العلم أن فريق التوزيع له نسبة 15% من النسبة الكلية.

وإذا وافق المحرر الأدبي على النص يزيد النسبة 20% فيكون الإجمالي 70%، وهنا تتم صناعة النص وطرحها في كتاب..

تلاحظ هنا أن فريق التسويق هو صاحب الكلمة العليا في الموافقة أو الرفض بنسبة حوالي 35%، ولهذا أسباب يطول شرحها من الممكن أن نكتب فيها عدة مقالات تتعلق بالذائقة العامة والفئات العمرية التي تستهدفها دور النشر.

كل هذه الإجراءات تتطلب الصبر من المؤلف،ولكن في طريق الصبر تتعرض العديد من دور النشر المحترمة التى تعمل على صناعة الكتاب بجد وتعب، إلى وابل من السباب والتشهير على صفحات التواصل الاجتماعي.

وفي الطريق الثاني وهو النشر على حساب المؤلف تكون دار النشر والمؤلف شريكان في العمل وهو الأسهل والأوفر ولكنه الأكثر ضررًا للذائقة العامة، وتتبناه دور نشر "بير السلم"، وغالبًا ما تزاول المهنة بعيدًا عن كيانها القانوني – اتحاد الناشرين المصريين – والتي تنشر أي عمل يعرض عليها حتى إن كان العمل غير جدير بالنشر المهم هنا الربح المادي السريع  بلغة رجال الأعمال يطلق عليه لقب Easy Money وهو المال السريع، وهنا لا يفكر الناشر في كتاب أو غيره المهم المكسب ضاربًا بأصول المهنة في عرض الحائط متجاوزًا كل الطرق التي تسبق صناعة الكتاب لأن الرفض غير مقبول، فالرفض هنا يعني ضياع المال الذي سوف يسدد منه إيجار المقر إذا كان هناك مقر أو أجور العاملين إذا كان هناك عاملين أو يقتات منه هو وأسرته.

وغالبًا لا تنظر دور النشر -والمقصود هنا دور نشر بير السلم-، إلى هدفها الحقيقي من المهنة فنحن أصحاب دور النشر والقائمين عليها نعمل في مهنة الأنبياء، نقدم الرسائل إلى القراء ونحاول أن نكون عند حسن الظن، نعمل على تنوير العقول ونأخذ بيد القراء لنخرجهم من الظلمات إلى النور.

ولكن دور نشر بير السلم تنشر النص بمقابل مادي فتأخذ العمل كما هو من المؤلف وتنشره بأخطاءه اللغوية متناسين كل أصول المهنة من تصحيح وتصميم وتحرير أدبي فيخرج النص في كتاب وينزل إلى الأسواق ومن ثم بدل من أن يقوم بتنوير العقول يظلمها تماما.

وأنا كناشر تأتيني الرسائل اليومية فأجد شباباً لا تتجاوز العشرين من العمر، أقسم لكم أنه يحدث وبشكل يومي يرسل إلىَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ النصوص وأجد في سيرته الذاتية أنه قام بنشر أكثر من 5 روايات.

فأتذكر كلمة ماركيز الشهيرة "عشت لأروي" وأقول في سري ماذا عاش هذا الفتى ليروي لنا.

وأكذب حدسي وأفتح الملف المُرسل لعلي أجد نصاً مهماً أو معلومة تستحق النشر ولكني أجد النصوص المرسلة لا تتجاوز الخواطر ولا ترقى إلى النشر أو حتى إلى ......

وتمر الأيام، وأقصد هنا أيام فعلا، فأجد النص منشوراً في كتاب يتزين على غلافه لوجو  للدار فلان أو دار علان، ويقابلني الشاب المؤلف متشفيًا ويقدم ليَّ الكتاب عليه الإهداء أفتح صفحات الكتاب فيقابلني في سطوره الأولى أخطاء لغوية فادحة أغلق دفتي الكتاب وأشكره على إهدائه الرقيق وأسأله سؤالين.

 كيف صدر هذا الكتاب بهذه السرعة، فأنت أرسلت لي النص منذ شهر تقريبًا واعتذرت لك عن النشر؟

فتكون الإجابة عن وصلة مدح تخفي في ظلها سب ولعان في داري التي رفضت النص.

ألحقه بالسؤال الثاني مباشرة

 كم دفعت لنشر هذا الكتاب؟

 "فبهت الذي كفر".

أبارك له وأحتفظ بكتابه معي حتى لا أحرجه وأنصرف بهدوء.

ولكن في كل هذا لا أقلق بشأن الكاتب ولكن كل ما يقلقني هو المُستقبل، الأجيال الجديدة التى تدخر من مصروفها على أمل أن يشتروا كتاباً يليق بهم، وينير عقولهم ويساعدهم ويأخذ بأيديهم في الحياة.

خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي سواء اتفقنا أو اختلفنا خلقت حالة رواج للقراءة، هناك أجيال جديدة تهتم فعلا بالقراءة فهذه الأجيال تقرأ لتعيش، فلا تلوثوا عقولهم.

    Dr.Radwa
    Egypt Air