الإثنين 1 يوليو 2024

بالصور: عمال «الأرزقية».. الصحة وحدها لا تكفي

25-8-2017 | 20:57

كتبت- أماني محمد

 

«الأرزقية».. كلمة تصف أحوال المواطنين الذين لا يعملون لدى مؤسسات حكومية أو خاصة ولا يستظلون بأي مظلة حمائية يلجأون إليها في حالة تعرضهم للمخاطر والأزمات، يتواجدون في مختلف بقاع الجمهورية ويمتهنون مهن وحرف مختلفة، منها ما تحتاج إلى القوة الجسمانية ومنها ما يحتاج إلى عصف ذهني ومنها ما يتطلب صنعة فنية.

 

تختلف تفاصيل كل مهنة ومعاناتها عن الأخرى، ولكن تتوحد تلك المهن في الهموم والأزمات، ورأس مال هؤلاء هي الصحة، فإن فقدوها توقف معها كل سبل العيش، ولن يجدوا ما يسد حاجتهم، فجميعهم يكسبون رزق اليوم بيومه دون تأمين صحي أو اجتماعي، فضلا عن تعرضهم لمشكل ومضايقات بالشارع بشكل شبه يومي إلا أنهم تأقلموا على الوضع.

 

لا يوجد حتى الآن حصر للعمالة غير المنتظمة في مصر، ولا إحصائية دقيقة ولكن يقدرون ببضع ملايين، يعملون في مهن مختلفة في القرى والنجوع والمدن.

 

«الهلال اليوم» حاول العرف على أزمات ومشاكل بعض العاملين في هذه المهن الغير مؤمنة في ظل المرحلة الاقتصادية الصعبة التي تسعى الدولة للخروج منها بشتى السبل، ففئة "الأرزقية" يعملون في ظروف شاقة وقاسية دون أي مظلة تأمينية اجتماعيًا وصحيًا.

 

 

تجارة السمك تعول الأسرة

داخل أحد شوارع شبرا، اعتادت ليلى عبد الصمد، أن تفترش الأرض لتبيع نوعين من السمك "ماكريل" و"مكرونة" تعمل ببيعه منذ 30 عامًا حين كانت طفلة صغيرة حتى وصلت إلى سن الخمسين.

 

توضح "ليلى" السيدة الخمسينية، أنها اعتادت التواجد في السوق لمعاونة زوجها في مصاريف البيت، لكنه منذ أن مرض قبل أكثر من 12 عامًا أصبحت هي العائل الوحيد لأسرتها وأولادها الستة، متابعة:"كارتونتين فاتحين البيت لو ما اتباعوش هصرف عليهم إزاي ومنين؟"، قائلة "هما ما يعينونني على مصاريف البيت وعلاج زوجي".

 

وتابعت:"أن أكثر أزمة تواجهها هي الغلاء وحالة الركود التي تضرب الأسواق، رغم أن السمك كان ملاذ البسطاء بعد غلاء أسعار اللحوم والدواجن لكن مع ارتفاع أسعاره مؤخرا".

 

أما عن تدبيرها شئونها، فتوضح أنها مطالبة بتوفير مصاريف تجهيز ابنتها التي أتمت أربعة سنوات من الخطبة ولم تتزوج بعد بسبب التعثر في إكمال جهازها، متابعة" أسعار جهاز العرائس تضاعف والمعيشة أصبحت أصعب، والأولاد لا يساعدونني فكل يتولى أمره حسبما يقدر وأحيانا أساعد أبني المتزوج لأنه أيضا "على باب الله" وعنده أولاد يجب أن أعينه".

 

وتابعت:" الشكوى لغير الله مذلة، أنا عندي ولدين كانا يعملان معها في بيع الأسماك فهي المهنة التي تعرفوا عليها وأتقنوها لكن البيع انخفض وقل حجم المعروضات".

 

 

الغلاء يحرق أرزقية الوقود

القرارات الأخيرة برفع سعر الوقود، وضعت عمال محطات البنزين والوقود في مواجهة دائمة مع الجمهور، الذي يواجه تلك الزيادات بموجة من الضجر، حسبما يؤكد طارق محمد، صاحب الخمس والخمسين عاما، والذي يعمل في إحدى محطات الوقود بالمرج بعد أن قرر الاستقرار في مصر بعد رحلة عمل في إحدى الدول العربية.

 

ويقول "طارق محمد" إن هناك عمال كثيرون بمحطات الوقود غير مؤمن عليهم، والمؤمنون أيضًا لا يتقاضون راتبًا ثابتًا فيعملون بنظام البقشيش وهي نقود "الإكرامية" التي يمن بها عليها أصحاب السيارات، مضيفا "بعد رفع الأسعار قل "التيبس" الذي نحصل عليه بعد تمويل السيارات فما كان يترك مبلغ ما أصبح يترك أقل من جنيهين، وفي النهاية يتم اقتسام المبلغ بين العاملين في المحطة وكل يوم حسب وظيفته.

 

ويوضح أن مشكلة التأمين الاجتماعي هي أزمة أخرى، فمنْ يتعرض لحادث أو إصابة لن يجد مصدر رزق له، مضيفا:" أنه يوجد أزمة أخرى تكمن في التعامل مع المواطنين لكنه تعود على التحكم فيها بحكم الخبرة ممكن شخص يجادل في السعر أو الكمية المطلوبة أو يتهمنا بالغش".

 

وأشار إلى أن "البقشيش" انخفض كثيرًا بعد رفع أسعار الوقود، مما يهدد الوضع المالي للأسرة وعدم ضمان مبلغ ثابت يأتيه كل شهر كأي موظف، قائلاً:" رغم ما حدث لا استطيع أن ترك هذه المهنة التي أعمل بها منذ خمس سنوات".

 

الفواعلية

في شمس الصيف الحارقة يقضي باسم عبد الرحمن يومه بحثا عن صاحب عمل أو أي مواطن يطلب منه تأدية أي مهمة وتنفيذ أي خدمة فهو يعمل بـ"الفاعل" مهنة الأحمال الثقيلة والأشغال الشاقة، قائلا "جئت من المنيا إلى القاهرة بحثا عن عمل، وبشتغل يوم بيوم، وقد نجد عمل في يوم وأسبوع بعدها لا، وأغلبنا هنا لديه أسر يعولها لكن لا يجد ما يكفيهم من مال".

 

يشكو باسم، صاحب الخمس والثلاثين عاما، من قلة العمل وعدم تقدير المواطنين لهم ولأشغالهم، يقول "كل فرد مننا عنده أسرة مكون من أربعة أو خمسة أفراد، لكل منهم احتياجاتهم ومصاريف بيته، حاولنا هنا أن نجد مهنة نعملها أو أية شغل باليومية فلم نجد ليس أمامنا سوى العمل كـ"فواعلية" لكن هناك من لا يعطينا حقنا كاملا".

 

وأضاف:" سعيت للحصول على معاش تكافل وكرامة في محافظته المنيا، لكن طلبي قوبل بالرفض، رغم أن أحد جيرانه يمتلك حيازة زراعية نحو 6 أفدنة يتقاضاه.

 

 

الباعة الجائلين

أكثر من 18 عامًا قضاها محمود عبد العال، البائع الأربعيني، في الشارع متجولا بقطع لملابس الأطفال من البنات والأولاد حسب الموسم السائد شتوي، أو صيفي، أو في الأعياد، ويلقبوننا بـ"الفتلة" وهو الاسم الدارج لبائعي الملابس، يحصل عليها إما من حارة اليهود والموسكي ليبيعها حسبما تيسر له إما في شارع الأزهر أو الغورية.

 

يقول عبد العال:"عملي باليومية والأرزاق بيد الله فكل يوم بحال"، مضيفا" الجمعة الماضية مر دون أن أبيع شيئا وقبله بعت قطعة واحدة فقط فكل يوم وله رزقه ورغم أن السوق مزدحم لكن البيع قليل، ورغم دخول موسم العيد لكن الأمر لم يختلف، والحال صعب".

 

وقال إنه لا يمانع أبدا من إيجار مكان يعرض فيه مبيعاته بل طالب بهذا من قبل لكن لم يستجب له أحد، مضيفا "قلنا لهم مئات المرات وفروا لنا أكشاك نبيع بها وندفع إيجارها كل شهر وحينها سنقف دون خوف ومنذ عام 2004 قالوا لنا سنجمع بياناتكم ونوفر لكم سوق بديل لكن لم يحدث شيء وكل اقتراحاتهم بالأماكن تكون بعيدة عن خط سير الناس".

 

سوق «الكماليات» معطل

محمد عبد الصمد، يعمل في سوق الكماليات بالغورية منذ خمسين عامًا، عقب وصوله من صعيد مصر، يقول" أنا في شارع الغورية أعمل منذ 40 عاما، الغلاء وقف حركة البيع، ولم يعد المواطن قادرا على تلبية احتياجاته ما جعله يعزف عن شراء الكماليات التي أبيعها".

 

 

وتابع:" لدي خمس أولاد أحدهم في الصف الثالث الإعدادي والثاني في الصف الرابع ابتدائي، والبنات في البيت بعدما حصلوا على الابتدائية".

 

وقال إن المواطنين كلهم عبارة عن حلقات تكمل بعضها البعض لكن الغلاء جعل الناس غير قادرة على الشراء فالجنيه موجود لكنه لم يعد قادرا على جلب شيء، "لا أستطيع أن أترك عملي في الشارع كبائع لأعمل في أي وظيفة أو مهنة أخرى فمن شب على شيء شاب عليه ولا أطلب سوى أن يتم التأمين علينا وأن يتركنا الحي أو البلدية للاسترزاق دون مطاردتنا من حين لآخر".

 

فيما يجاوره مجموعة من الصغار، منهم حمادة صاحب 12 عاما والذي اعتاد المجيء إلى القاهرة سنويا للعمل مع إخوته، خلال أجازته الصيفية ويعمل في بيع التين الشوكي يقول "أدرس في بلدي بالصعيد وفي موسم التين الشوكي أعمل في القاهرة".

 

 

آلية برلمانية

عبد الفتاح محمد، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، قال إن قانون العمل الجديد عمل على تنظيم أوضاع العمالة غير المنتظمة وحدد لهم عدد ساعات عمل وقواعد السلامة والصحة المهنية وحاول توفير المزايا التي تسري على فئات العمالة المنتظمة لهم.

 

وأضاف:" أن غير المنتظمين أنواع بعضهم يعمل باليومية والبعض بعقود مؤقتة وكل فئة لها مواد تحكم أوضاعها".

 

وأشار إلى أن لجنة القوى العاملة تحاول أن توفر لهم تأمين اجتماعي وصحي وتربطهم بالفئات الأخرى في التأمينات والمعاشات.

 

وأكد أن صدور قانون العمل الجديد سينظم أوضاعهم بشكل كبير، مضيفا أن فئات مثل "الفواعلية" وعمال المعمار والمقاولات لهم جهات ونقابات يتعاملون معها ويحصلون منها على تصاريح وأختام لأوراقهم.

 

واعتبر أن القانون سيحاول لملمة كل أشلاء العمالة غير المنتظمة وسيحدد لها ضوابط ويوفر حصر لهم داخل الدولة، مضيفا أن اللجنة جمعت رجال أعمال ونقابيين وعمال ومهتمين بالحركة العمالية وأجرت مناقشات وانتهت من وضع القانون وينتظر دور الانعقاد القادم ليعرض على الجلسة العامة لإقراره.