الخميس 20 يونيو 2024

دقات المسرح .. نجوم وعروض الموسم المسرحي (1)

26-8-2017 | 11:39

بقلم: د.عمرو دوارة

تتميز أسرة "مسرح الغد" - ولا أقول فرقة - بأنها ربما الفرقة الوحيدة بفرق مسارح الدولة التي نجحت في أن يصبح لها طابع خاص وشخصية مميزة، وبالتالي فقد أصبح للفرقة نجومها بمختلف مفردات العرض المسرحي، والعجيب أن هذه الفرقة التي يرجع فضل تأسيسها إلى الراحل القدير عبد الغفار عودة عام 1993 قد مرت بظروف إدارية صعبة كثيرة، خاصة بعدما تم تحويل تبعيتها من "قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية" إلى "البيت الفني للمسرح" عام 1997، ومع ذلك ظلت الفرقة متماسكة وقادرة على صهر كل الأعضاء والمواهب الجديدة في بوتقتها. قدمت لنا الفرقة عدة نجوم في مقدمتهم: وفاء الحكيم، عبد الرحيم حسن، شريف صبحي، عبير عادل، معتز السويفي، محمد قنديل، شريف عواد، طارق شرف، ومن الأجيال التالية: سامية عاطف، نائل علي، محمود الزيات، باسم شكري، وكذلك في الإخراج قدمت لنا: سعيد سليمان، إسماعيل مختار، سامح مجاهد، ومن الأجيال التالية: محمد سليم وعمر الشحات. ويحسب للفرقة هذا العام تقديمها لأكثر من عرض متميز من بينها: قمر العميان، شامان، لعبة العراف.

قدم الفنان المتميز أحمد السيد استقالته من إدارة فرقة مسرح "أوبرا ملك"، وذلك بعدما تفانى في إدارته بكل إخلاص لمدة ثلاث سنوات كاملة (15 يونيه 2014 - 15 يونيه 2017)، وقد تحمل منذ بداياتها مسئولية استكمال جميع مراحل استخراج الترخيص والتصاريح والإعداد والتجهيزات الفنية حتى تاريخ افتتاحه، كما استطاع خلالها تحويل "مسرح ملك" إلى مركز ثقافي يقدم بجانب مجموعة العروض المسرحية المتنوعة مجموعة ندوات ومحاضرات وكذلك مجموعة من الورش الفنية المتميزة في مختلف المفردات المسرحية، وذلك أيضا بخلاف تنظيم بعض المهرجانات المسرحية الناجحة. حقا لقد وضع "أحمد السيد" بحماسه ودأبه وقدراته الإدارية ومهاراته الفنية ونجاح أنشطته المتتالية المدير الذي يخلفه في ورطة كبيرة، حيث لا جدال سيتم عقد المقارنات بصورة مستمرة بعد ذلك. وبعيدا عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى استقالته أطالب كبار المسئولين بوزارة الثقافة بمراعاة ضمائرهم وتذليل كافة المعوقات أمام القيادات الشابة الناجحة حتى لا تصاب بالاحباط وتضطر لتقديم استقالتها وبالتالي تخسرها الحركة المسرحية كما خسرت هذا الفنان المخلص الجاد بمهاراته القيادية.

الفنانة القديرة عايدة فهمي سيدة مسرح من الطراز الأول، وبالرغم من مشاركتها بأداء بعض الأدوار المتميزة في كل من السينما والدراما التليفزيونية يبقى للمسرح ثم ميكروفون الإذاعة مكانة خاصة في مسيرتها الفنية، حيث يعد كل منهما ملعبها الأساسي ومجال تميزها الحقيقي، والمتابع للحركة المسرحية منذ ثمانينيات القرن الماضي لا يمكنه أبدا أن ينسى أداءها العبقري لشخصية "ميديا" بمشروع تخرجها، ثم أدوارها الرائعة بمسرح "الطليعة" (ومن بينها: الواغش، دقة زار، المغنية الصلعاء، المجاذيب)، وأيضا بعروض فرقة "المسرح المتجول" (ومن بينها مسرحيات: راكبو البحر، الحكمة والسيف، أبو خليل القباني، جورج أبيض)، وبعد ذلك تألقها بمسرحيات: خداع البصر، ليلة زفاف الكترا، ديوان البقر، حلأ حوش، الخروج إلى النهار، الخلابيص، أوديب وشفيقة، ثلاثة في واحد. وبعد غياب عدة سنوات - بسبب مسئولياتها عن إدارة فرقة "المسرح الكوميدي" - تعود هذه الأيام لتتألق مرة أخرى بأداء شخصية "الساحرة الشريرة" من خلال مشاركتها ببطولة عرض "سنووايت" الذي تقدمه فرقة "المسرح القومي للأطفال" بنجاح كبير.

الفنانة الشاملة فاطمة محمد علي نموذج مشرف للفنانة المثقفة التي تعشق خشبة المسرح وتمتلك جميع مفرداتها الفنية كممثلة شاملة، فهي تتقن التمثيل والغناء والرقص التعبيري أيضا. كان لي حظ مرافقتها ببعض المهرجانات المسرحية العربية، وكان آخرها مهرجان "الهيئة العربية للمسرح" بمدينة "وهران" الجزائرية، كما تابعت تألقها في ختام فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمهرجان "المسرح العربي" بالقاهرة، ولمست عن قرب ورصدت مدى إعجاب جميع المسرحيين بمختلف الدول العربية الشقيقة بصوتها الجميل وحضورها المحبب ومهاراتها الفنية. لكنني في الحقيقة أشفقت عليها جدا عندما علمت بأنها ستتحمل مغامرة إعادة تقديم رائعة بيرم التونسي وسمير العصفوري "العسل عسل"، خاصة وأن بطلة العرض السابق القديرة الراحلة سهير طه حسين قد حققت من خلاله نجاحا ملحوظا وكانت متألقة جدا بشهادة جميع النقاد، ولكن كم كانت سعادتي حينما استطاعت الفنانة فاطمة محمد على أن تخرج من مجال المقارنة وتقدم جميع اللوحات المشاركة فيها بأسلوبها الخاص معتمدة على صدق مشاعرها وخفة ظلها وقوة أدائها وتوظيفها لصوتها المعبر.

الممثلون المخضرمون: مها أحمد ومحمد الصاوي (في مسرحية "الهرم ده بتاعي")، مفيد عاشور، علا رامي (في مسرحية "العسل عسل")، د.علاء قوقة وياسر صادق (بمسرحية "يوم أن قتلوا الغناء")، عزت زين وبهاء ثروت (بمسرحية "قواعد العشق الأربعين")، وفاء الحكيم وطارق شرف (بمسرحية "قمر العميان")، ومجدي فكري وفتحي سعد (بمسرحية "بيت الفن")، كانوا جميعا رمانة الميزان التي ساهمت في تحقيق فكرة تواصل الأجيال، خاصة بعدما غاب جميع النجوم عن عروض الموسم المسرحي - باستثناء النجم يحيى الفخراني بعرض "ليلة من ألف ليلة" للمسرح القومي - وبالتالي كانت عليهم مهمة تحقيق الانضباط المسرحي ونقل خبراتهم للأجيال التالية وقبل هذا وذاك المساهمة في جذب الجمهور.

الفنان التشكيلي المبدع د.محمد سعد والذي حصد الجائزة الأولي لتصميم " " بالدورة العاشرة "للمهرجان القومي للمسرح المصري" عن مسرحية "يوم أن قتلوا الغناء" نموذج مشرف للفنان المبدع عاشق المسرح، الذي يعمل ويبدع في صمت سواء كأستاذ أكاديمي (بقسم المسرح بكلية الآداب - جامعة حلوان) يحرص على نقل خبراته للأجيال التالية، أو كمبدع مشارك في نشر قيم الجمال بتصميم السينوغرافيا لبعض العروض المتميزة بمسارح الدولة. ويحسب له دائما في تصميماته قدرته على التجديد والابتكار وتقديم عكس المألوف دون افتعال وبما يحقق ويتناسب مع الرؤية الإخراجية، كما يحسب له حرصه على التوظيف الجيد والجديد لبعض الخامات غير التقليدية سواء كانت خامات طبيعية أو صناعية. وتضم قائمة أعماله المتميزة بمسارح الدولة مسرحيات: المحروس والمحروسة (بفرقة المسرح القومي)، كاليجولا، إكليل الغار، أرض لا تنبت الزهور (بفرقة الطليعة)، إللي شالوا الهمزة، أكرهك (بفرقة مسرح الشباب).

عرض "واحدة حلوة" - من إنتاج فرقة "الطليعة" - نموذج لكيفية تكامل المفردات المسرحية لتحقيق رؤية فنية تتسم بالبساطة الشديدة وأيضا العمق في نفس الوقت، فقد وفق الكاتب والمخرج أكرم مصطفى في إعادة كتابة أو تمصير النص الإيطالي بما يتناسب مع واقعنا المصري المعاصر، وحرص على تضمينه كثيراً من التفاصيل الحياتية التي تصل للقلب مباشرة. ويحسب له نجاحه بالدرجة الأولى في المحافظة على الإيقاع العام للعرض، وكذلك تعاونه مع كل من مبدع الرؤية التشكيلية الفنان القدير فادي فوكيه والموسيقي المتميز محمد الشاذلي لتحقيق رؤيته الإخراجية بكل سلاسة ودون أي محاولة لاستعراض المهارات، معتمدا على توفير المناخ العام المناسب للممثلة - خاصة وأنه عرض "مونودراما" - يعتمد في الأساس على المهارات التمثيلية للممثلة الوحيدة وقدراتها الأدائية. والحقيقة أن هذا العرض يعد ميلادا فنيا جديدا للفنانةمروة عيد، وقد تأكد بالفعل هذا الميلاد بنجاحها في الحصول على الجائزة الأولى للتمثيل بالدورة العاشرة "للمهرجان القومي للمسرح المصري".

عرض "الجلسة" الذي قدمه المبدع مناضل عنتر نموذج مهم جدا لكيفية استقطاب جمهور الشباب إلى مسارح الدولة، فقد سبق لهذا الفنان المبدع تقديم بعض العروض المتميزة جدا من خلال فرقة "الرقص المسرحي الحديث" التي يشرف عليها بدار الأوبرا المصرية، ونجح بالفعل في تحقيق الجماهيرية المنشودة لعروضه وخاصة بين جمهور الشباب، وهو عندما ينتقل بإبداعاته وبعض أعضاء فرقته إلى مسرح الطليعة فإنه ينتقل أيضا بجمهوره، وربما يفسر ذلك ظاهرة الإقبال الجماهيري الكبير الذي حظى به العرض. حقا لقد وفق الفنان مناضل عنتر في تقديم عرض متميز شديد الانضباط كما نجح في توظيف مهارات وقدرات نخبة من الفنانين المتميزين جدا وفي مقدمتهم كل من: طه خليفة (إبليس)، إيمان غنيم، مارينا مجدي، مي وعبد القادر (القس) وفهد إبراهيم (الشيخ)، ولذا فإن التحية واجبة للجميع وكذلك للفنان عمرو الأشرف الذي أبدع في تصميم كل من الديكور والإضاءة.