السبت 1 يونيو 2024

الأزهر: الميراث أحكام لا تقبل الأفكار الجامحة

26-8-2017 | 15:49

 

تقرير يكتبه: طه فرغلى

المؤسسات الدينية فى مصر تعتبر الميراث من القضايا المحسومة فقها وشرعيا، ولا جدال فيها.

الأزهر الشريف يؤكد أن دعوات المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث ظلم للمرأة ولا يحمل إنصافا ومخالف للشريعة الإسلامية.

والرأى الفقهى لدار الإفتاء ثابت وواضح فى فتاوى مفصلة، تؤكد أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، فى مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل”.

بيان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب؛ صدر بعد جدل ليحسم القضية بشكل نهائى وحاسم، ويؤكد على موقف الأزهر الثابت فى القضية.

الطيب قال فى بيانه: “إنَّ النصوصَ الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق فى علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل.

فالنصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة فى القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة، فإنها أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد، وإدراك القطعى والظنى يعرفه العلماء، ولا يُقْبَلُ من العامَّةِ أو غير المتخصِّصين مهما كانت ثقافتهم.

فمثل هذه الأحكام لا تَقْبَلُ الخوضَ فيها بفكرةٍ جامحةٍ، أو أطروحةٍ لا تستندُ إلى قواعد عِلم صحيح وتصادم القطعى من القواعد والنصوص، وتستفزُّ الجماهير المسلمة المُستمسِكةِ بدينها، وتفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات المسلمة. ومما يجبُ أن يعلمه الجميع أن القطعى شرعًا هو منطقى عقلًا باتفاقِ العلماءِ والعقلاء.

وإنما يتأتى الاجتهاد فيما كان من النصوص ظنى الثبوت أو الدّلالة أو كليهما معًا، فهذه متروكة لعقول المجتهدين لإعمال الفكر واستنباط الأحكام فى الجانب الظَّنِّى منها، وكل هذا منوط بمن تحققت فيه شروط الاجتهاد المقررة عند العلماء، وذلك مثل أحكام المعاملات التى ليس فيها نص قاطع ثبوتًا أو دلالةً.

والأزهر الشريفَ إذ يُؤكِّد على هذه الحقائقَ إنما يقوم بدوره الدينى والوطنيِّ، والذى ائتمنه عليه المسلمون عبر القرون. والأزهر وهو يُؤدِّى هذا الواجب لا ينبغى أن يُفْهَمَ منه أنه يتدخَّلُ فى شؤونِ أحدٍ ولا فى سياسةِ بلد.

وفى الوقت ذاته يرفض الأزهر رفضًا قاطِعًا تدخل أى سياسةٍ أو أنظمة تمس –من قريبٍ أو بعيد- عقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو تعبثُ بها، وبخاصةٍ ما ثبت منها ثبوتًا قطعيًّا.

وليعلَم الجميع أن رسالةَ الأزهر الشريف وبخاصةٍ ما يتعلَّق بحراسةِ دين الله هى رسالةٌ عالمية لا تَحدُّها حُدُودٌ جُغرافية، ولا توجهاتٌ سياسية، وهذا ما ينتظرُه المسلمون من أزهرهم الشريف ولا يقبلون به بديلًا».

 

فتوى تفصيلية

بيان الأزهر سبقته فتاوى تفصيلية لدار الإفتاء حسمت ايضا القضية حيث أجابت فيها على سؤال ورد إليها نصه

جاء فى القرآن: ﴿يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ فلماذا يعطى الإسلام المرأة نصف نصيب الرجل، مع أن الحياة تقسو على المرأة أحيانا أكثر من قسوتها على الرجل؟ أن القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين هو من العادات الجاهلية.

دار الإفتاء أجابت على هذا السؤال وفندت كل الأمور التى تتعلق بميراث المرأة وأحكامه فى الشريعة الإسلامية، وقالت أن الميراث فى الإسلام نظام بنى على قواعد ومعايير يحسن أن نقدمها هنا حتى يحيط السائل بقواعد هذا العلم، فأن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى إنما تحكمه ثلاثة معايير:

أولها: درجة القرابة بين الوارث، ذكراً كان أو أنثى وبين الموروث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال، فالأجيال التى تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ وترث البنت أكثر من الأب! حتى لو كانت رضيعة، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن، والتى تنفرد البنت بنصفها! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور.

وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حكم إلهية بالغة، ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين، وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق.

وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله، والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى- من منطلق أن الرجال أكثر تحملا لأعباء النفقة المالية- لكنه مع ذلك لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح! ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة، واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال- مثل أولاد المتوفى، ذكورا وإناثا- يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث، ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: ﴿يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾.

وعند استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الميراث ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم السابقة والمغلوطة فى هذا الموضوع، فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث، يكشف بوضوح:

١ ـ أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.

٢ ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما.

٣ ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.

٤ ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.

أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، فى مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل».

تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الميراث، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث، التى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة، كما يحسب الكثيرون».