الثلاثاء 21 مايو 2024

فوزية الفهدي : أعمال ابن رشيق جامعة لأصول البلاغة العربية والنقد الأدبي

غلاف الكتاب

ثقافة18-2-2023 | 15:25

محمد الحمامصي

تشكل أعمال الشاعر واللغوي والبلاغي العربي أبو علي الحسن بن رشيق المعروف بالقيرواني، والذي عاش في القرنين الرابع والخامس الهجريين، كنزًا معرفيا وثقافيا وفلسفيا للدراسين المتخصصين في النقد والبلاغة واللغة العربية قديمًا وحديثًا، ومن أشهر كتبه التي تمثل مراجع مهمة «العمدة في صناعة الشعر ونقده» ، و«قراضة الذهب» في النقد، و«الشذوذ في اللغة» و «أنموذج الزمان في شعراء القيروان»  و«ميزان العمل في تاريخ الدول» و«شرح موطأ مالك» و«الروضة الموشية في شعراء المهدية» و«تاريخ القيروان» و«المساوي» في السرقات الشعرية، وجمع د.عبد الرحمن ياغي، ما ظفر به من شعره في ديوان تم نشره في بيروت.

 

وهذا الكتاب « صائغ الكلام.. بحث في المسيرة الأدبية لابن رشيق» للباحثة العمانية فوزية سيف الفهدي الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة في اللغة العربية وآدابها .. جامعة السلطان قابوس، وفقا للدكتور محمد الهادي الطرابلسي قد حررت بلغة، في الجملة، دقیقة، وأحیانا أنیقة ورشیقة، وأكد أن الأهداف التي حققتها أطروحة الباحثة في الكتاب تلتقي جميعها في اكتشافها أن خيطا رابطا متينا يربط بين مختلف أعمال ابن رشيق، وأن الباحثة كانت تصدر عن مشروع فكري نقدي ـ إن كان متعدد التجليات ـ فهو موحد النواة،  وقال «نشهد بتميز أروحة الدكتورة فوزية الفهدي بإحكام التخطيط، وطرافة محاور الدرس، كما نشهد باستقامة المنهج بفضل انبنائه على ثوابت الديكارتية في التمشي العقلاني، وعلى الخيرة العلمية، والتأليف بين النتائج، تحليلا وتأليفا يدلان على حسن محاورتها النصوص واستنطاقها وثائق البحث، حتى أدركت مجانيها من خلال مبانيها ومعانيها.

 

تقول الفهدي في كتابها الصادر عن دار الرافدين بالتعاون مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أنه يبدو من أعمال ابن رشيق تعددا وتنوعا قد يسمها بالتشتت، لكن دراستنا لها جميعا كشفت عن منطق يوحد بينها، ويجمع تعددها وتنوع مشاغلها، فهي أعمال تنطلق من هم ومنطق ورؤية واحدة، نتبين من خلالها مشروع ابن رشيق النقدي وتصوره للعملية الأدبية، وعبارة « العملية الأدبية»  ليست من مصطلحات أعمال ابن رشيق النقدية ولكن مفهومها هو الموضوع الذي يجمعها، وهو مفهوم «يجمع العملية الإبداعية «كيف يتكون النص؟» والعملية النقدية «كيف يقيم النص؟» والعملية البلاغية «كيف ينجح النص؟»، فهذه عمليات ثلاث مختلفة في الظاهر ولكنها مترابطة تمثل ـ في الاصل ـ عملية موحدة ينطبق عليها مفهوم العملية النقدية في معنى النقد الواسع، الذي ندرس فيه صناعة الكتابة في مستوى التكوين، ومستوى التقييم، ومستوى الانتقاء».

 

وتضيف "بالنظر إلى جملة أعماله ظهر لنا أنها أعمال تلتقي في وحدة الرؤية، ويمايز بينها تعدد زوايا النظر، كمثل العمود والشعبة، إذ ينطلق ابن رشيق من عمود واحد ورؤية فكرية واحدة، يفرعها في شعب تتصل بهذا العمود، تعبر عن زوايا نظر متعددة، لأنه لا يريد أن يكرر الكلام نفسه أو يعيد ما سبق، فقد تعددت مشاغله من الإبداع والتوليد إلى نقد الكلام ثم إلى الكلام على النقد، فتراجم الأعلام،  ولئن كانت إشكالية التصنيف لأعمال ابن رشيق محورا يضع لكل عمل منها زاوية نظر خاصة، ويعزز دورها في التفرد من خلال المنهج وآليات التحليل، فإن وحدة العملية الأدبية في أعماله قد تجلت في الاهتمام بالظواهر البلاغية وجمع بينها وضوح الرؤية في تبين حدود التخصص ومداه في كل عمل منها، وحرص في أعماله على أن يدعمها بتجربته هو في عملية التطبيق؛ ولذلك امتزج عنده التنظير والتطبيق والعمل فكانت أعماله جامعة لأصول البلاغة العربية والنقد الأدبي".

 

 

وتؤكد الفهدي أن ابن رشيق جمع في أعماله كثيرا من أصول البلاغة العربية والنقد الأدبي ووحد هذين الفنين الجماليين، وسعى أن یعیدھما إلى طبیعتھما التي تبتعد عن أسلوب القواعد والتقنین؛ ومزجھما بنصوص من الأدب، وآراء بدا لنا في أكثرھا مصیب، وقد مثلت وحدة المصطلحات، وثبات المفاھیم في أعمالھ وحدة بنائیّة لمناقشة محاسن الكلام، ومعرفة أسرار فنیّات الشعر، وكان لتردّد وتكرار بعض الشواھد من النصوص أثره في تبیّن البنیة التي تمیّز هوية كاتبها، وبدت أعماله منسجمة في الخطاب، وتَكشّف لنا أن مادة ابن رشیق العلمیّة والنقدیّة متولدة من تجربته الشخصیّة في القراءة والإبداع لا من قوانين وضعت قبله. ففي كتاب العمدة نتبیّن مقدار الاجتھاد الذي بذله في جمع المادة العلمیّة التي سلط عليها رؤيته ومنطق تفكيره في الاختيار، فكان ما جمعه من منطق رؤيته «أحسن ما قيل في الأدب»، وسار في بناء عمله بما عّولت علیه نفسه بالسیر في بناء العمل على الاستنباط العلمي المنسجم مع اختیاراته النقدیّة في كل باب، ولئن كانت مصادره في العملیّة الأدبیّة قد خضعت لمنطق رؤيته الخاصة، فإنها بدت مرتبة متسلسلة تقود إلى استنتاج یتوافق مع الاختیارات المطروحة، كما فعل في باب البلاغة الذي استنبط مدار مفهومها في تصور يبعدها عن النظرة الجامدة التي أوقفت مسار تطورها، فالبلاغة في نظره تمثل وجوه العملية الأدبية بلاغة ونقد وإبداع؛ لأنها عبرت بوضوح عن « وضع الكلام موضعه» وهذا ما جعلنا نضع كتاب العمدة في مشغل الكلام على النقد، التي تنقله من مستوى الكلام النظري إلى مستوى التنظیر.

 

وتكشف فصول الكتاب المتنوعة أن رؤية ابن رشيق للعملية الإبداعية ـ وفقل لتحليل الفهدي ـ ترجع إلى فكرة الإنسان وعلاقته بالبیان، لأنه حاول في تقلیبات مختلفة ومصنفات منوعة أن يبين شأن البيان في حياة الإنسان من عدة جهات، وأدرك أن هوية الإنسان في البيان، ومرجع البيان للإنسان، فهو المخلوق الوحيد المعني بالعقل والمختص بالنطق، مسؤول عن الكلام قبل الفعل، وعن القول قبل السلوك.