بقلم – غالى محمد
يخطئ من يعتقد أن قيام الرقابة الإدارية، بالقبض على سعاد الخولى نائب محافظ الإسكندرية متلبسة فى قضية رشوة داخل مكتبها فى ديوان المحافظة، مجرد قضية فساد عادية.
ويخطئ من يتجاهل الرسائل الخطيرة لعملية القبض على هذه السيدة التى خانت منصبها، واتخذت منه شعاراً للتربح من المنصب العام والحصول على الرشوة، وإهدار حقوق الدولة فى المال العام.
ما قامت به الرقابة الإدارية فى هذه الواقعة، يؤكد أنه لا حصانة لمنصب أو فاسد فى عصر الرئيس السيسى. فالحرب على الفساد لا تعرف كبيراً أو صغيراً، وتحديدا لحصانة الكبار فى عصر الرئيس السيسى.
بالأمس القريب، تم القبض على وزير الزراعة صلاح هلال، و هو فى السجن الآن بعد محاكمة ومنذ أسابيع ألقت الرقابة الإدارية القبض على رئيس محكمة بالشرقية فى واقعة رشوة ٣٥٠” ألف جنيه” لتخفيف حكم الإعدام عن تاجر مخدرات، ومن قبله القبض على أمين مجلس الدولة فى قضية الرشوة الكبرى.
وهذا الأسبوع، ألقت الرقابة الإدارية القبض على سعاد الخولى نائب محافظ الإسكندرية والتى سبق لها أن قامت بمهام محافظ الإسكندرية عقب أحداث غرق الإسكندرية فى الأمطار والصرف الصحى وإقالة هانى المسيرى.. بل كانت هناك ضغوط لتعيينها محافظا للإسكندرية.
وما بين هذه القضايا الثلاث التى تضم وزيرا وقاضيا ونائب محافظ، هناك عشرات من قضايا الفساد لمستويات وظيفية مختلفة للموظف الكبير والموظف الصغير فى العديد من المواقع، الذين تم القبض عليهم فى الحصول على رشاوى فى قضايا مختلفة، تصب كلها فى خانة ضياع حقوق الدولة وإهدار المال العام.
كل هذا يعنى أن هناك حربا على الفساد لا ترحم، لا حصانة فيها لمنصب أو فاسد، ليس هذا للموظف العام فقط سواء الكبير أو الصغير، وإنما لرجال الأعمال الفاسدين أيضاً، وليس أدل على ذلك من أنه تم ضبط خمسة رجال أعمال فى قضية سعاد الخولى نائب محافظ الإسكندرية، وكذلك بعض رجال الأعمال الذين سبق أن تورطوا فى بعض قضايا الفساد التى سبق أن تصدت لها الرقابة الإدارية.
على كل، فإن قضية رشوة سعاد الخولي، تكشف أنه لا يوجد أى مسئول فى أى موقع بعيد عن أعين الرقابة الإدارية، ليس استنادا لبلاغات فقط، و لن أذيع سرا حين أقول أن كافة القيادات التنفيذية ليست بعيدة عن أعين الرقابة الإدارية، حتى من يعتقد أن الكرسى سوف يحميه أو يحقق له حصانة فهو واهم.
أقول ذلك، لأن هناك من يحاول توجيه انتقادات للرقابة الإدارية، بأن سوء الاختيار منذ البداية وعدم إجراء التحريات الدقيقة هو الذى يؤدى إلى اختيار المسئول الفاسد منذ البداية.
وهذا ليس صحيحا إجمالاً، لأن هناك من المسئولين- أيا كانت مستوياتهم- من يفسدون بعد توليهم المنصب وجلوسهم على الكرسى، وهناك مئات الحالات التى تؤكد ذلك على مدى السنوات الماضية.
ومن ثم تأتى أهمية الرقابة المستمرة للمسئولين بعد توليهم المنصب، وهذا ما تفعله الرقابة الإدارية بصفة عامة سواء فى الماضى أو الآن.
وأهمية هذه الرقابة التى لا يشعر بها المسئولون، أنها تجعل المسئول فى حالة يقظة دائمة والحرص على أداء مهامه بشرف، إلا البعض منهم الذى يعتقد أنه غير مراقب وأنه لا توجد دولة تواجه الفساد بسبب انشغالها بمواجهة الإرهاب أو اعتقاد المسئول بأنه لا قيمة لأية بلاغات، أو شكاوى تذهب للرقابة الإدارية، بل وفقا لقواعد العمل بالرقابة الإدارية، فتلك البلاغات وهذه الشكاوى تساعد أعضاء الرقابة الإدارية، وحتى إن لم تظهر نتائجها فوراً.
وبرغم ذلك، ويقظة الرقابة الإدارية فى إجراء التحريات، فإن هناك إشارات قوية على استمرار اختيار قيادات بالمجاملة والضغوط المختلفة وكذلك هناك اختيارات سياسية دون تحريات .
وفى هذا هناك من يتحدث عن أن اختيار سعاد الخولى لمنصب نائب محافظ الإسكندرية قد تم بضغوط وزير التنمية المحلية وقتها وآخرين لأنه قبل تعيينها فى هذا المنصب كانت هناك بلاغات ضدها عن فساد كبير لها حينما كانت فى الطب البيطرى .
وهذا يجعلنا نسأل: هل هناك تعيينات دون تحريات من الرقابة الإدارية؟
قضية سعاد الخولى تفرض علينا ضرورة الابتعاد عن المجاملات فى التعيينات القيادية، ووضع أية بلاغات محل اعتبار حتى لو تم حفظها والابتعاد عن الاختيارات الشخصية دون تحريات دقيقة.
الأهم أن قضية سعاد الخولى، كشفت العالم الخفى لرجال الأعمال فى الإسكندرية الذين يعملون على اكتساب أوضاع قانونية للمخالفات العقارية برشوة المسئولين بالمحافظات والأحياء، وكما هو معروف فإن ظاهرة البناء المخالف فى الإسكندرية، تصل إلى آلاف الأبراج، سواء مخالفات فى الارتفاعات أو البناء على أراضى الدولة أو البناء دون تراخيص. والمثير أن الدولة أو السلطات فى المحافظة لم تضع أية أطر قانونية شرعية لمواجهة هذه الظاهرة الأمر الذى يفتح الباب لفساد القيادات بالمحافظة والحصول على الرشاوى حتى الوصول لأصغر الموظفين بالأحياء.
القضية كشفت أيضا أن الهدايا الذهبية لاتزال تلعب دورا فى تخليص المصالح لدى كبار المسئولين، باعتبارها رشاوى غير منظورة.
وفيما كانت هدايا المسئولين ظاهرة ضخمة قبل ثورة ٢٥ يناير، مع رموز نظام مبارك فى كافة قطاعات الدولة، فقد اختفت نسبيا بعد ثورة ٢٥ يناير، لكن قضية سعاد الخولى أكدت عودة الهدايا لبعض كبار المسئولين على سبيل الرشوة.
وكان المفروض أن يصدر قانون لتجريم حصول المسئولين على الهدايا، لكن هذا لم يتم تفعيله، وهنا أشير إلى أهمية أن يصدر المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء خطابات دورية لكافة الأجهزة الحكومية لمواجهة هذه الظاهرة أو إصدار تشريع لمواجهة ذلك.
كذلك كشفت قضية سعاد الخولى عن ضعف فاعلية إقرار الذمة فى كشف تضخم ثروات المسئولين، إذ إن التحايل أصبح يمتد إلى كتابة الثروات والعقارات بأسماء بعض أقارب المسئول أو أولاده، وهذه ظاهرة قديمة، لكن قضية سعاد الخولى أعادت الضوء إليها. لذا ينبغى أن يتم مواجهة ذلك تشريعيا حتى لو اقتضى الأمر أن تكون هناك إجراءات قانونية لمعرفة ثروات بعض الأقارب عند تولى المسئول لمنصبه.
ألقت قضية سعاد الخولى الضوء على الدور القذر الذى لايزال يقوم بعض رجال الأعمال فى تقنين فسادهم بأى وسيلة دون مراعاة لحقوق الدولة.
وهذا يستدعى ضرورة أن يمتد دور الرقابة الإدارية، إلى مراقبة مخالفات رجال الأعمال التى ترتبط ارتباطا وثيقا بإهدار المال العالم والمصالح الحكومية.
وبمناسبة هذا الدور الذى كشفته قضية سعاد الخولى لرجال الأعمال الخمسة، فإننا نطالب بفتح جميع مخالفات رجال الأعمال فى الأراضى، وإعادة فتح ملف المخالفات العقارية بالإسكندرية تحديدا وغيرها من المحافظات.
وهذا لا يمنع من حماية موارد الدولة، وضرورة أن يدرس البرلمان مناقشة قانون التصالح فى كافة المخالفات العقارية الآمنة، التى يمكن أن تحقق الدولة من خلالها عشرات المليارات.
وارتباطا بذلك، ينبغى أن تواجه الحكومة ظاهرة بقاء المسئول فى منصبه لفترات طويلة، ولا مانع أن ينتقل المسئول الكبير بين مواقع مختلفة .
هذاما كشفته قضية سعاد الخولى، التى تم ضبطها هذا الأسبوع فى مكتبها، وتم وضع الكلابشات فى يديها عقب القبض عليها.
لكن الكشف الأكبر لتلك القضية المهمة أنها تعطى رسائل لأى مسئول، بأنه لا حصانة لمنصب أو لفاسد، وأن الحرب على الفساد فى عصر السيسى تتصاعد بواسطة جهاز وطنى هو الرقابة الإدارية برئاسة اللواء محمد عرفان، وهو الجهاز الذى يسهر - كعادته - على مواجهة الفساد بكافة صوره لحماية مقدرات الشعب المصرى من اللصوص ومصاصى الدماء.
تلك المواجهة التى لا تهدأ أبداً تلقى كل المساندة من الرئيس السيسى، فى إطار هدف أكبر هو حماية مقدرات الشعب المصرى، وحماية التنمية من اللصوص والأفاعى.
وهذا لا ينفصل عن الدور الذى تقوم به الرقابة الإدارية فى كشف الإهمال والفساد فى العديد من المواقع الحكومية خاصة الخدمية التى تقوم بإدارة خدمات مباشرة للمواطنين كالمستشفيات والمجمعات الاستهلاكية وغيرها.
لقد سقطت سعاد الخولى، متلبسة بالرشوة في أيدى رجال الرقابة الإدارية عندما خانت أمانة الوظيفة واستسهلت الحصول على المال الحرام .
هذا هو الدرس الأكبر لكل من مد يده للمال الحرام على حساب مقدرات وأرزاق الشعب المصرى.
وأيا كانت السلبيات فى اختيار بعض القيادات، فإن الحرب على الفساد لم ولن تتوقف بل وتتصاعد كما نرى الآن.