السبت 29 يونيو 2024

مناقشات معسكر جناح بالواحات كشفت كذب الجماعة الإرهابية الثأر الذى لايمحوه إلا الدم

30-8-2017 | 17:52

بقلم – د. جمال شقرة

لقد أقنعت بعض كوادر الجماعة نفسها، بعد اعتقالات ١٩٥٤ - بأن الاعتقال أمر طبيعى متوقع، حيث كانت الفترة التى سبقته بمثابة معركة بين طرفين، وقد انجلت المعركة - بعد رصاصات المنشية الطائشةـ عن انتصار طرف، وانهزام الطرف الآخر، ليصبح من حق المنتصر أن يأسر المهزومين، ويزهو بانتصاره، وعلى المهزومين أن يجتروا مرارة الهزيمة، وعليهم أيضاً أن يفكروا في أخطائهم وخطاياهم ليعرفوا من أين أتتهم الهزيمة.

لذا شهدت السجون والمعتقلات، الكثير من الجدل حول أخطاء الجماعة، إذ رأى فريق من شباب الإخوان ضرورة تقييم مواقف الجماعة في الفترة التى سبقت اعتقالهم ١٩٥٤ كما أثاروا قضية غيبة البرامج والمناهج المحددة الواضحة المفترض أن تسير الجماعة على هديها، رافضين تمسك الإخوان بالشعارات العامة الفضفاضة، بل وصل الأمر إلى حد إثارة الشكوك حول النظام الخاص وتجاوزاته.

وفى تقديرى أن أخطر القضايا التى طرحها شباب الإخوان على بساط البحث داخل معسكر جناح بالواحات الخارجة القضية التى ناقشت هوية الجماعة، وهل هى “جماعة المسلمين” أم مجرد جماعة من المسلمين.

ومع أن المناقشات قد انتهت إلى أن الجماعة هى “جماعة من المسلمين” وليست “جماعة المسلمين” فإن فريقاً من الشباب قد رتب على هذه المقدمة نتيجة على درجة كبيرة من الخطورة، والأهمية، إذ أعلن هذا الفريق، أنه طالما أن جماعة الإخوان هى مجرد “جماعة من المسلمين” وليست “جماعة المسلمين” فإن هذا معناه أن جماعة المسلمين موجودة فى مكان ما، وربما تكون ممثلة فى شكل الدولة القائمة، وهذا قد يعنى أن جمال عبدالناصر، هو الإمام الذى يسمى فى الفقه الإسلامى بالإمام المتغلب، لأنه جاء إلى الحكم بانقلاب عسكرى.

وإن كان من المحتمل أن يكون الفريق الذى قال بفكرة “الامام المتغلب” هو فريق مدسوس على الجماعة من أعوان “الشيطان” عبدالناصر، كما كان يسميه بعض الإخوان، فإن القضية التى طرحت على بساط البحث داخل “معسكر جناح” بالواحات، جد خطيرة، إذ رتب عليها بعض شباب الجماعة نتيجة أخرى أكثر أهمية وأكثر خطورة، فالمرشد العام، أصبح عندهم مجرد مرشد لجماعة من المسلمين، وليس إماما للمسلمين جميعاً، ومن هنا فمخالفته في وجهات النظر، والخروج عليه أمر ممكن، وهذا الخروج لا يعد خروجا على الجماعة الإسلامية.

معنى هذا أن المجال أصبح مفتوحاً، منذ أن جرت هذه المناقشات سنة ١٩٥٦ أمام من يرغب في البحث عن “جماعة المسلمين” والفرصة أصبحت متاحة أيضاً لمن يرغب في تشكيل “جماعات إسلامية”، تزعم كل منها أنها وحدها “جماعة المسلمين” نواة الدولة الإسلامية الجديدة.

وفي اعتقادي أن ثمة عوامل متداخلة، كانت وراء تأخر بلورة الأفكار السلفية التى اتخذت أشكالا أكثر راديكالية من فكر جماعة الإخوان، وأن الجماعة كانت فى حاجة إلى ظروف اقتصادية - اجتماعية مغايرة لظروف الخمسينات والستينات، وربما إلى تجربة أكثر مرارة من تجربة ١٩٥٤ لتفرخ “الجماعات الدينية السياسية الإسلامية الأكثر راديكالية” وهى الجماعات التى عرفت طريقها إلى الحياة السياسية المصرية فى أعقاب الأزمة بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين سنة ١٩٦٥.

وحتى لا نستبق الأحداث بالإشارة إلى هذه العوامل، فإنه تجدر الإشارة إلى أن النقد الذاتى أو المراجعة التى دارت بين أعضاء الجماعة شبابا وشيوخا والتى وصلت إلى حد الصدام، بل واستخدام العنف فيما بينهم داخل السجون والمعتقلات تمت - حسبما يرى البعض منهم - فى أسوأ مناخ تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، ولقد أفاضت مصادر الإخوان، وكذا مذكرات ومؤلفات بعض أعضاء الحركة الشيوعية المصرية. الذين رافقوا الإخوان رحلة السجون والمعتقلات في وصف هذا المناخ.

ويشترك الإخوان مع عدد غير قليل من المؤرخين والكتاب والباحثين في أن الاضطهاد والتعذيب الذي لحق بهم أيام عبد الناصر كان وراء جنوح فريق منهم إلى التطرف وهو الفريق الذى كفر النظام والمجتمع وكون جماعات وتنظيمات استهدفت الاستيلاء على السلطة والثأر من النظام.

ويرى أصحاب هذا التحليل أن الصدام بين الثورة والإخوان، وما نال الإخوان على يد الضباط الأحرار من السجن والتعذيب والقتل والتشريد، هو ما جعل بين الإخوان والثورة “ثأرا لا يمحوه إلا الدم” يقول عمر التلمسانى: “كان تعذيب زبانية عبد الناصر، وراء ظهور فكرة التكفير، إذ نمت تصرفات رجال السجون والمباحث، معني التكفير في عقول بعض الشباب وذلك الشباب الذى كان يبيت على تعذيب ويصحو على تعذيب، دونه ما رواه التاريخ عن محاكم التفتيش، وكانت قوة ووحشية التعذيب، تدفع بعضا ممن وقع عليهم هذا الهول الشنيع إلى الإيمان بأن ما وقع عليهم لايمكن أن يصدر من مسلم في قلبه ذرة من إيمان”.

إلا أنه يضعف من مقولة “الثأر الذى لا يمحوه إلا الدم” أن التعذيب وقع أيضاً على الشيوعيين، بل وعلى كل القوى والجماعات التى حاربت ثورة يوليو داخلياً وخارجيا: كما أن جماعة الجهاد وهى كغيرها انبثقت من صلب جماعة الإخوان المسلمين - ستغتال فيما بعد أنور السادات على الرغم من أنه هو الذى أخرجهم من السجون والمعتقلات ودللهم كثيراً، وأصبحوا طوال الفترة ما بين ١٩٧٠ - ١٩٧٩ أقرب القوى السياسية إليه.

على أية حال إن كنا نرى أن القول بمسئولية التعذيب فى تفريخ الجماعات السياسية الإسلامية، قول ينطوى على تبسيط وتسطيح شديد للمشكلة، إلا أنه فى تصورنا لايجوز تجاهل أثر ما حدث داخل السجون والمعتقلات في دفع بعض الشباب إلى مراجعة الفكر الذى انضووا تحت لوائه، والحديث بعد ذلك يمكن أن يدور حول الظروف الموضوعية التى ساعدت على إخراج المارد من القمقم مرة ثانية عام