السبت 23 نوفمبر 2024

فن

استيفان روستي.. الشرير الذي نحبه

  • 9-3-2023 | 20:07

استيفان روستي

طباعة
  • ماجدة موريس

الشرير الذي نحبه

• محبة الممثل ونجوميته لا تعني محبة الدور، وإنما هى اتفاق ضمني بين الممثل والجمهور على قدرة الممثل على التعبير عن الشخصية، أو تقديمها بأسلوب أخاذ
• في أدواره، كان استيفان روستي دائما في جانب الشر فقدم كل ما عنده من مقدرة علي تلوين الاداء واختلاف الحركة الجسمانية، مع استخدام بارع لملامح الوجه
كان غالبا شريرا في أفلام الأبيض والأسود، والتي قد تكون المرحلة الذهبية للسينما المصرية كما يعتقد البعض منا، أو تكون الفترة الذهبية لنجوم التمثيل، مهما كانت نوعية أدوارهم، ومساحتها، فكلهم استطاع التألق في سينما الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، مهما كانت أدوارهم، أحببنا الأشرار فيهم، وفيهن، كما أحببنا الطيبون، هل كانت هذه الأدوار أكثر تعبيرا عن طبيعتنا وقتها؟ أم أننا شغفنا بها وبالسينما كفن جديد صاعد اختطف اهتمامنا ومشاعرنا ؟أم أن جزء من نجاحهم معنا يعود لموهبتهم ولقدراتهم على تقديم أدوار تعبر عن الشرائح الاجتماعية السائدة، بكل اختلافاتها العرقية والدينية والشكلية والثقافية،  وربما لهذا السبب تحديدا تقبلنا ببساطة فكرة أن نرى أفلاما شارك في صنعها وإبداعها مصريون من خلفيات مختلفة، طلاينة ويونانيون وشوام كانوا ضمن النسيج المصري، ومن هنا كان أمرا طبيعيا أيضا أن يتألق ممثل مثل استيفان روستي في السينما المصرية، وأن يحتاج إليه صناع الأفلام ومنتجيها لفترة طويلة تصل إلى أربعة عقود (٤٠عاما)مثل فيها ٣٨٠فيلما، وهو عدد مهول بالنسبة  لرفاق زمنه من ممثلي السينما، بدأه عام١٩٢٧، وأنهاه على مشارف الستينيات، ،ولم يكن خلاله ممثل فقط، وإنما كتب وشارك في الكتابة لأفلام عديدة، وأيضا مارس الإخراج لأفلام أخرى.
أن تتوقعه، وتستمر
من المدهش هنا أن (استيفان روستي ) أصبح ضمن الكتيبة الأكثر ظهورا في الأفلام، برغم اختلاف موضوعاتها، ولكنه حافظ على دوره الغالب، والخالد، الذي من المنطقي أن نرفضه كمشاهدين، لكننا نقبل عليه، ونحب إطلالته بملامحه المميزة، وجهه الطويل، وشنب رفيع غالبا، وعينان محذرتان، وبذلة أنيقة، وكلمات قليلة نتوقعها، لكننا (وهذا هو العجيب )ننتظرها وكأنها حكم، أو قرار على صاحب أو صاحبة القضية أو الأزمة في الفيلم(وهو ليس وحده في هذه العملية بين الممثل والمتلقي، فالكثيرين من ممثلي جيله كنا نعرف ملامح أدائهم قبل ظهورهم، أسماء مثل يوسف وهبي وسعيد أبو بكر وعبد المنعم إبراهيم ومحمود المليجي وعبد الفتاح القصري وإسماعيل يس وغيرهم، ومن الممثلات  أمينة رزق وميمي وزوزو شكيب، وفردوس محمد، وماري منيب التي تعتبر نموذجا مماثلا، أو مقابلا له، والتي كنا نعرف  مقدما كل حركة تقوم بها عند أي موقف في الفيلم، وكيف تؤدي أدوار الأم، والجدة والعمة، بل والمرأة التي تسعى للزواج من شاب برغم عمرها، كنا نسعد لمتابعتها برغم أدوارها المعبرة غالبا عن الشر والرغبة في فرض سيطرتها على الآخرين ) وهكذا صنع كل ممثل وممثلة من هؤلاء لنفسه صورة ذهنية لدى الجمهور، تسبق ظهوره، وتؤكد وجوده حين الظهور، وتسعدنا، ولكن، مع وعينا كمشاهدين بما تقدمه هذه الشخصيات المحبوبة من أفعال من خلال الدور والسيناريو، وبالتالي فإن محبة الممثل ونجوميته لا تعني محبة الدور، والقناعة به، وإنما هو اتفاق ضمني بين الممثل والجمهور على ملامح الدور في إطار قصة وسيناريو الفيلم، وقدرة الممثل على التعبير عن الشخصية، أو تقديمها بأسلوب أخاذ، مهما كانت شريرة أو طيبة، أو متهورة، (لنتذكر دور حسين رياض في فيلم شارع الحب، وكيف قدمه بأسلوب فاجئنا بكثرة تحولاته من صعلوك إلى عازف إلى مجرم الخ ) في أدواره، كان استيفان روستي دائما في جانب الشر، وربما لهذا السبب قرر أن يقدم كل ما عنده من مقدرة على تلوين الأداء واختلاف الحركة الجسمانية، مع استخدام بارع لملامح وجهه في التعبير عن كل أنواع الشر، من مواجهات مع الآخرين (فيلم غزل البنات نموذجا ومشهد الكباريه قبل النهاية وحيث يدير هو المعركة بين المليجي المحتال والريحاني من أجل ليلى مراد التي ذهبت إلى هذا المكان بسبب إغراءات المليجي )، وفي أفلام مثل (سي عمر ) و(عفريتة هانم ) و(بشرة خير )يقوم بدور مندوب الشيطان. الذي يسعي ظاهريا لعمل الخير بينما ينوي شرا،  والسؤال المنطقي والملح هنا هو، هل اختار استيفان روستي نموذج الشرير، أم أنها اختيارات المخرجون لأفلامه؟
من ڤيينا إلى شبرا 
في الحكايات عنه على جوجل ومواقع أخرى أنه ولد لأب نمساوي، وأم إيطالية، وعاش في ڤيينا أولا قبل أن يأتي إلى مصر مع أمه، ويعيش في  حي شبرا، ويتخرج فى المدرسة الخديوية، وفي حكاية أخرى أن والده كان سفيرا للنمسا في مصر، وحين انفصل عن أمه الإيطالية  عاش هو معها بالإسكندرية وذهب إلى مدرسة رأس التين، وأيا كانت البداية، فإن كل المصادر تؤكد سفره لأوروبا غالبا  للدراسة، وبالطبع  يضطر للعمل في مهن عديدة من أجل العيش، وهناك يتعرف على مصري آخر محب للفن، وهو محمد كريم الذي  دفعه طموحه للسفر إلى ألمانيا، والذي أقنعه بالعودة مرة أخرى إلى مصر والعمل في إحدى فرق المسرح التي تعددت، وازدهرت في بداية العشرينيات، وعاد لينضم إلى فرقة (مسرح رمسيس ) بقيادة يوسف وهبي، ومنها إلى فرقة عزيز عيد المسرحية، ويتركها أيضا لينضم إلى فرقة الريحاني، ويقدم مع فرقة رابعة أوبريت (العشرة الطيبة ) قبل أن يتعرف على عزيزة أمير، الممثلة والمنتجة والتي كانت تبدأ عملها في السينما بفيلم (ليلى) إخراج وداد عرفي (وهو مخرج مصري من أصل تركي ) لكنها تختلف معه وتدعوه لإخراج الفيلم واثقة من تعلمه صناعة الفن في أوروبا، وهو ما حدث بالفعل حيث بدأ استيفان روستي علاقته بالسينما بتمثيل وإخراج الفيلم عام ١٩٢٧، وبعدها كتب القصة والسيناريو وأخرج فيلم (صاحب السعادة كشكش بيه) عام ١٩٣١، وكان فيلمه الثالث بعدما اكتفي بالتمثيل عام١٩٢٨ في فيلم (البحر بيضحك ) وهكذا استمر روستي في طريقه الجديد يقدم ما يستطيعه بقدر العروض التي يتلقاها، وبالطبع كانت عروض التمثيل هي الغالبة، والتي  زادها نجاحه الكبير في تقديم أدوار الشر، وتحديدا الشر من خلال رجل صاحب قصة أو ثري او ذو نفوذ، ودائما له علاقة بالقصة المحورية للفيلم، وله صلات بالبطل والبطلة، ويتمتع برغم شروره بخفة ظل تجعله كوميديانا مرموقا لدى جمهور عريض ينتظره، ولا عجب في هذا، فقد كان أكثر الكوميديانات  شرا على الشاشة، وأخف الأشرار ظلا على قلوب الناس حتى رحل في ٢٢مايو عام١٩٦٤، ، لكنه لا زال باقيا طالما استمرت قنوات التليفزيون في إعادة أفلامه، بل أن القناة الأولى للتليفزيون المصري بدأت منذ شهر في إعادة أفلام(الأبيض والأسود )على شاشتها يوميا في الحادية عشرة صباحا. وهو ما يعني فرصة متاحة لكل محبي سينما الأبيض والأسود ونجومها اللامعين، وبينهم استيفان روستي.