الإثنين 29 ابريل 2024

جهود بيرم التونسى المسرحية

د. سيد على إسماعيل

فن10-3-2023 | 17:01

د. سيد على إسماعيل

في مسرحية «ليلة من ألف ليلة» طالبت الرقيبة أمينة الصاوى بحذف عبارات خرج فيها بيرم عن المألوف والمقبول من الألفاظ التي تُلقى على خشبة المسرح وأمام الجمهور

لم يكتف بيرم التونسي بتأليف المسرحيات أو وضع حوارها وأزجالها للفرق المسرحية الكبرى، بل كان يؤلف أعمالاً للصالات الغنائية والاستعراضية مثل صالة ببا عز الدين

تفرغ بيرم التونسى في أواخر أيامه لتأليف نصوص مسرحية لمسرح العرائس، عندما بدأ يظهر هذا المسرح في مصر أواخر الخمسينيات

 

موهبة بيرم التونسي الأدبية والفنية في مجال الشعر والزجل جذبت أغلب الأقلام للكتابة عنه .. ولكنها ابتعدت عن أمور أخرى مهمة مثل المسرح!! وما لا يعرفه أحد حتى الآن أن بيرم التونسي بدأت جهوده المسرحية منذ عام 1917، عندما ألّف مسرحية «البربرى في مونت كارلو» لصالح فرقة الأوبريت الشرقى لصاحبها مصطفى أمين، التي مثلتها في «كازينو دي باريز»! وقام ببطولتها «علي الكسار» ومصطفى أمين وجلبي فودة ولينا إديال .. هكذا جاء في إعلانات جريدة «الأهرام».

وفي هذه الفترة – كما قال أحمد حسين حلمى في مجلة «الجامعة» عام 1935 - كان يكتب بيرم في مجلتى «النجاح» و«المسلة» بالإسكندرية، وكان يهاجم «عزيز عيد» ومسرحياته. وعندما أراد عزيز تأليف وإخراج مسرحية «شهرزاد» علمَ من ملحنها الشيخ سيد درويش أن الأزجال سيكتبها بيرم التونسي!! هنا قرر عزيز الانتقام من بيرم وإظهاره بالعاجز عن كتابة الأزجال، حيث وضع عزيز أسماء الشخصيات هكذا: «قرة، آدم أوغلى، قمع الدولة، زعبلة، السنجأ دار، ست الخاتون»! وجعل في النص مشهداً يجمعهم جميعاً وطلب من بيرم وضع زجل يجمع هذه الأسماء في موقف اعتراض على تعيين زعبلة في مركز قيادة جيوش ست الخاتون! وقَبَل بيرم التحدى ووضع جميع الأسماء في ثلاثة أبيات زجلية – فى موقف واحد - هكذا:

لازم إحنا نكون الأَولـــــــــــــــــــــى قرة وآدم أوغلى وقمع الدولة

لسه أنت يا زعبلة صغــــــــــار إزاي ما تصبح سنجــــــــأ دار

فيرد عليهم زعبلة قائلاً:

ست الخاتون حبتنـــــــــــــــــــــــــــي شافتنى عاقل رقتنــــــــــــــــــــــــــــــــــى

ومسرحية «شهرزاد» مثلتها فرقة سيد درويش المسرحية في يونية 1921 بدار الأوبرا وتقع في ثلاثة فصول وأربعة مناظر، وقام بتمثيلها: سيد درويش، حسين رياض، حسن القصبجي، حياة صبري، عمر وصفي. بعد ذلك نُفى بيرم إلى فرنسا، وأثناء نفيه ألّف مسرحية «ليلة من ألف ليلة» لصالح فرقة «فاطمة رشدى» التي مثلتها عام 1931 على مسرح حديقة الأزبكية، ومثلتها فاطمة رشدى، وكذلك عزيز عيد، وحسين رياض، وزينب صدقى، وأخرجها عزيز عيد. وفي عام 1934 مثلها علي الكسار من خلال فرقته بمسرح الماجستيك بشارع عماد الدين، ولكن باسم آخر هو «بنت الشحات»، وقام بتلحينها: سيد مصطفى وعزت الجاهلى وحسن كامل.

وفي عام 1949 مثلت «الفرقة المصرية» المسرحية نفسها وباسمها «ليلة من ألف ليلة» على دار الأوبرا من إخراج زكي طليمات، وألحان أحمد صدقي، ومثلها كل من: أحمد علام، حسن البارودى، فردوس حسن، سعيد خليل، فؤاد شفيق، عبد المجيد شكرى، محمود رضا، ثريا فخري، عبد العزيز خليل، شفيق نور الدين، سامية رشدى، كمال حسين، فؤاد فهميم، علي رشدى، محمد السبع. 

ومن الطريف أننا أطلعنا على التقرير الرقابى الذي كتبته الرقيبة «أمينة الصاوي» لهذه المسرحية، وفيه طالبت بحذف عدة عبارات خرج فيها بيرم التونسي عن المألوف والمقبول من الألفاظ التي تُلقى على خشبة المسرح وأمام الجمهور!! ومنها: "بنات مسطولين ... ساعة نهجم وساعة نسكر الله أكبر ... لا جوامع ولا أذكار ولا دين يا ابن ال؟؟؟ [كلمة سب لا يصح نشرها] ... الخليفة بتاع نسوان قرارى ... يا ابن المرة ... مبسوط يا تيس ... الليلة أشيلك شيل ... الله أنا فوق قلبها ... الليلة تجيب لنا راس الخليفة ... لبس بنت الستين ألف جزمة"!! وطالبت الرقيبة بحذف منظرين، الأول "منظر تمزيق خطاب الخليفة والبصق عليه"، والآخر "حركة لمس الثدى"!! وبسبب هذا التقرير، أشّر مدير الرقابة عليه قائلاً: "يُصرح للسيدة أمينة الصاوي بمشاهدة البروفات في دار الأوبرا". ومعنى هذه التأشيرة أن الرقيبة أمينة الصاوي ستحضر البروفة النهائية لتتأكد من حذف الفرقة للعبارات المنصوص عليها في التقرير، وقد تم ذلك بالفعل، بدليل أن المسرحية عُرضت!!

في عام 1932 ألّف بيرم التونسى مسرحية جديدة لفرقة فاطمة رشدي بعنوان «عقيلة»، وعُرضت على مسرح «حديقة الأزبكية» بطولة: فاطمة رشدى، وعزيز عيد مخرجها، وحسين رياض، وزينب صدقي. والمسرحية نالت نجاحاً كبيراً، فكتب عنها ناقد مجلة «المصور» مقالة مادحة، قال فيها: "إن واضعها نحا فيها نحواً جديداً وألبسها ثوباً من قوة الموضوع فجاءت مسرحيته أمتع ما أخرجت الفرقة في عامها هذا .... وكفى أن أقول إنها كانت محبوكة الأطراف متينة البناء سلسة الأسلوب رائعة البيان. أما أزجالها فوحي الخيال ونتاج الشاعرية الحقة ولم أجد مأخذاً على الأسلوب أو على قوة الزجل وقيامه بخدمة الموضوع أجلّ خدمة، كذلك لم أجد من مأخذ على المسرحية مطلقاً". وفي عام 1937 بدأت حملة للاهتمام بفن الأوبرا، فتذكر النقاد مسرحية «عقيلة» كون بيرم ألفها بوصفها أوبرا ملحنة من بدايتها إلى نهايتها، لكن فاطمة رشدي مثلتها إلقاءً وليست غناءً، لذلك حاول عزيز عيد أن يخرجها على المسرح إخراجاً أوبرالياً، وعهد بتلحينها إلى الموسيقى الشيخ محمود صبح، الذى لحّن نصفها وتوقف المشروع لقلّة المال!! وكل من قرأ النوتات الموسيقية التي كتبها «محمود صبح» يشعر بالحزن لعدم اكتمال المشروع، مثل الأستاذ «أحمد رامى»، الذي قال: "إن هذا التلحين لم يكن إلا إيحاء سامياً .. فحبذا لو استطعنا أن نجد الطرق لإخراج هذه الرواية الغنائية على المسرح، ولو ظهرت لكانت خير باكورة لإيجاد الأوبرا الحقيقية في مصر .. ولكن أين المال؟".

وفي عام 1940 ألف الدكتور صبرى فهمى رواية «يوم القيامة»، فقام بيرم التونسى بكتابة الحوار والأزجال والأغانى وأعدّها بصورة «أوبريت»، وقدمتها الفرقة القومية بالأوبرا الملكية من إخراج عمر جميعي، وتلحين محمود عبد الرحمن، ومن تمثيل: منسى فهمي، نجمة إبراهيم، عباس فارس، أنور وجدى. وفي عام 1943 مُثلت للمرة الثانية من تلحين زكريا أحمد، وقدمتها الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى على مسرح حديقة الأزبكية من تمثيل: منسى فهمي، عباس فارس، فؤاد شفيق، مختار عثمان، محمود رضا، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، فردوس محمد، ثريا فخرى، سعيد خليل، يحيى شاهين، محمود إسماعيل، سرينا إبراهيم، شفيق نور الدين، حسن إسماعيل، سامية عبد العزيز، حسن سالم، المطربة رجاء، عبد الوهاب حلمى، ألحان جديدة من وضع الأستاذ عبد الوهاب حلمي، أوركسترا بقيادة محمود عبد الرحمن، فرقة ألحان برياسة سيد مصطفى. وقُدمت للمرة الثالثة عام 1961 من تلحين زكريا أحمد، وإخراج زكي طليمات، بطولة وغناء إبراهيم حمودة، وحورية حسن.

وفي عام 1944 كتب بيرم التونسي ملحمة عنوانها «محمد علي»، قامت بتمثيل بعض مشاهدها الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى بالأوبرا في حفل تكريم «عبد الحميد عبد الحق» باشا وزير الشئون الاجتماعية. وفي مارس 1945 عرضت الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى على مسرح حديقة الأزبكية مسرحية «عزيزة ويونس» تأليف بيرم التونسي، تلحين زكريا أحمد، إخراج فتوح نشاطي. وكان الاتفاق أن تقوم ببطولتها المطربة «أسمهان»، ولكن القدر لم يشأ ذلك بسبب وفاتها، فقامت بالبطولة «فتحية شريف»، بالاشتراك مع أبطال المسرح المصرى، ومنهم: منسى فهمى، عباس فارس، مختار عثمان، فؤاد شفيق، سراج منير، محمود رضا، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، حسن البارودي، يحيى شاهين، عبد المجيد شكرى، عباس يونس، سرينا إبراهيم، رفيعة البارودي، عبد العزيز الجاهلي. أما الغناء فكان لفتحية شريف، ومحمد البكار. والموسيقى للأستاذ محمد حسن الشجاعي.

وفي عام 1946 كتب بيرم مسرحية «القهوة البلدي»، التي عرضتها مجموعة من طلاب وطالبات المعهد العالي لفن التمثيل العربي في حفلة سمو الأمير شويكار بمناسبة عيد ميلاد الملك فاروق يوم 11/2/1946، وتم التمثيل في قصر الأميرة وفي حضور الملك، "الذي تفضل فشمل الطلبة بعطفه إذ كلف مدير المعهد – زكي طليمات - بأن يحمل إليهم رضاءه السامي وإعجابه. كما أن سمو الأميرة تكرمت فوقفت للمعهد مكافأة سنوية قدرها ثلاثمائة جنيه في العام توزع بين النابهين والنابهات بقسمى المعهد .. التمثيل والنقد" .. هكذا جاء في برنامج الحفل الذي وُزع حينها!

لم يكتف بيرم التونسي بتأليف المسرحيات أو وضع حوارها وأزجالها للفرق المسرحية الكبرى، بل كان يؤلف أعمالاً للصالات الغنائية والاستعراضية، مثل «صالة ببا عز الدين» التي مثلت – من تأليف بيرم التونسي - مسرحية «أنشودة الورد» وإسكتش «من فضلك» عام 1934. كما ألف بيرم مسرحية «أقابلك فين»، وإسكتش «بنات مردين»، واستعراض «غانيات البلاج» لصالة بديعة مصابني عام 1938. وكتب مسرحيتي «مايسة» و«مدام بترفلاي» لفرقة المطربة ملك عام 1940، ثم كتب لها مسرحية «بنت بغداد» وقامت بتلحينها ملك بنفسها وقدمتها عام 1942 على مسرحها. ومن نماذج الأغاني الموجودة في أعمال الصالات من تأليف بيرم، أغنية عن الابتسام هذه بعض سطورها:

الابتسام بقى كده ليـــــــــــــه دون سخيف وتحته غرض مدفون

ابتسمت لي الخدامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة قلت يا واد خير وسلامــــــــــــــــــة

أتاري اللئيمة المنضامـــــــــــــــــــــة نهارها كاسرة ست صحـــــــــــون

وأغنية أخرى مطلعها:

هنـــــــــــــــــــــــــــا وهنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا هنـــــــــــــــــــــــــــا وهنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

معاك فلوس تعا هنـــــــــــــــــــــــــــا ما فيش فلوس خليك هنـــــــا

وأغنية ثالثة مطلعها:

أنا وأنت مظبوطين في كابين واللذة عا البوليس رايحيـــــــــــــــــن

تفرغ بيرم التونسي في أواخر أيامه لتأليف نصوص مسرحية لمسرح العرائس، عندما بدأ يظهر هذا المسرح في مصر أواخر الخمسينيات! وظهرت جهود بيرم في الموسم الثاني لعروض فرقة مسرح القاهرة للعرائس في أواخر أبريل 1960 بعرض مسرحيتين على مسرح معهد الموسيقى العربية: المسرحية الأولى «بنت السلطان» تأليف بيرم التونسي وسيناريو صلاح جاهين، موسيقى وألحان على فراج. والأخرى مسرحية «الديك العجيب» - من الأدب الروماني - تأليف «إيوان كربانجا»، واقتباس «بيرم التونسى» وموسيقاها التصويرية من تأليف «جول أورموزسكو». وقامت الخبيرتان الرومانيتان «أوجيني بوبوفيتش» و«ميوارا بوسكو» بإخراج المسرحيتين والإشراف عليهما. 

كانت المسرحيتان تُعرضان معاً كل ليلة في برنامج واحد، فشاهدهما «جلال فهمي»، وكتب عنهما كلمة – في جريدة «المساء» - أبان فيها أن البرنامج المعروض لا يرقى إلى المستوى الفني للموسم الأول! والأسباب كثيرة، منها: خلو البرامج تماماً من المتنوعات والمشوقات التي تجذب الجماهير إليها. إذ أن تقديم مسرحيتين في برنامج واحد يهدفان إلى تعليم الأغراض النبيلة بصورة خطابية، لا يمكن أن يحتملهما الصغار أو الكبار! كما أن وسائل الاستماع في المسرحيتين لم تكن تساعد على تتبع الحوار، الذي وصل إلى آذان المشاهدين مشوشاً وغير واضح. كما أن الأغاني كانت كثيرة في مسرحية «بنت السلطان»، مقابل عدم وجود أية أغنية في مسرحية «الديك العجيب».

وفي مقابل هذه السلبيات، كانت هناك إيجابيات، ذكرها «جلال فهمي» قائلاً: ".. أما الديكور والإضاءة فهما العنصران الوحيدان اللذان حافظا على مستواهما الفني كما شاهدناهما في الموسم الماضي .. ديكورات رمزية وساحات وألوان تتناسب مع المشاهد والحوادث التي تدور أمامنا .. وكذلك ساعدت الإضاءة على إضفاء الجو المناسب لتلك المشاهد. ومن الأشياء الموفقة التي يجب التنويه عنها .. الموسيقى التي كتبها «علي فراج» لمسرحية «بنت السلطان» .. كانت رقيقة ومناسبة لمقتضيات حوادث المسرحية. ولهذا وجب علينا أن ننبه أبطال مسرح العرائس إلى ضرورة المحافظة على مستواهم الفنى الذي طالعونا به فى الموسم الماضى .. وهم جديرون بهذه الثقة".

ومع استمرار نجاح عروض مسرحيتى «بنت السلطان» و«الديك العجيب»، بدأ الاهتمام بمسرح العرائس والكتابة عنه، مثل «مشكلة التأليف» حيث لاحظ الجميع أن شخصين فقط يؤلفان له، هما «صلاح جاهين» و«بيرم التونسى» مع الإشارة إلى احتمال انضمام «نعمان عاشور» و«عبد الرحمن الخميسى» قريباً إلى كُتّاب مسرح العرائس!

 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa