الخميس 23 يناير 2025

مقالات

التنمر إرهاب اجتماعي لابد من اجتثاثه

  • 12-3-2023 | 10:32
طباعة

باتت سلامتنا الاجتماعية على المحك بعدما تزايدت جرائم التنمر في مجتمعاتنا، نعم أراها جريمة بكل المقاييس بحق السلم والأمان الاجتماعي والنفسي للأفراد والجماعات.

فالتنمر أحد أسباب هلاك الإنسان البريء أما بالموت عندما يتعرض لتنمر مستمر لا يقوى دفع شره عن نفسه فيصاب بمتلازمة القلب المكسور ويصاب بالموت المفاجئ، مثلما حدث مع الفتاة الطاهرة البريئة "رودينا" التي تكمل الأربعة عشر ربيعا، عندما تعرضت للتنمر المتوالي من زميلاتها بالمدرسة، وكثرت شكواها لوالديها دونما استطاعتهما وقف العنف الواقع على ابنتهما.

وإذا بـ "رودينا" آخر لقاء لها بالمدرسة تعود لأسرتها وتشتكي كالعادة مشاكلها مع زميلاتها فيغمى عليها وسرعان ما تفقد الحياة إثر أزمة قلبية حادة! فما هذا الثمن الباهظ الذي دفعته هذه الفتاة البريئة لجريمة التنمر المخالفة لكل قيم الأخلاق والأديان؟! وما ذنبها إذا كانت جميلة المظهر أو غير جميلة، فقيرة أو غنية، قوية أو ضعيفة البنيان؟

والمصيبة الكبرى عندما يأتي التنمر من الأب رمز الحماية والأمان، لكنه قد يدفع ابنته للانتحار كما حدث مع فاطمة مرجان التي أنهت حياتها استشعارا منها بكراهية والدها لها عندما علق على أحد منشوراتها بالفيسبوك: "ربنا ياخذك ويريح الدنيا منك".

فلماذا صار القتل في مجتمعاتنا عملة سهلة نحصد به أرواح الأبرياء بكلمة ساخرة أو تنابز بالألقاب أو بطش صاحب قوة أو سلطان أو مدير عمل أو حتى رب أسرة يمارس سلطته ببطش بحق أبنائه؟  أو أم تقهر ابنتها بزعم تربيتها؟ ولماذا تراجعت بوصلة الحب والتراحم فيما بيننا؟ وأي سعادة نشعر بها عندما نتنمر على بعضنا فتكون النتيجة دمار إنسان بالموت أو فقد توازنه وسلامته النفسية والاجتماعية للأبد؟ وأية سعادة يجدها المتنمر عندما يتسبب في قهر من هو أضعف منه وإهلاكه روحيا وقلبيا؟

وأين مؤسسات المجتمع من هذه القضية الخطيرة، وعندما لا تنتبه لخطورتها والتعاون فيما بينها لوضع حلول جذرية لمحاربتها كما تتعاون في محاربة الإرهاب؟ بل أنني أزعم أن التنمر إحدى حلقات الإرهاب الاجتماعي المفزع، الذي يتطلب تعاون كل المؤسسات التربوية والثقافية والدينية والقانونية في ملاحقته والقضاء عليه.

وللأسف الشديد أن ظاهرة التنمر تغطي بعدوانيتها وبطلجتها كل الفئات العمرية بالمجتمع، وكل الفئات الاجتماعية والطبقية أيضا، وتزايدها يمثل ناقوس خطر يدمر قيم الأخلاق الكريمة لأن التنمر في النهاية يهدف للإضرار بالآخرين عمدا جسديا أو نفسيا، ويعكس بداخله كراهية وحقد غير مبررين بحق  شخص بريء.

يشمل التنمر سلوكا عدائيا غير أخلاقي من التنابز بالألقاب أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة أو الاستبعاد من النشاطات أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإساءة النفسية والجسدية، أو الإكراه، والتحرش، وكل هذه المعاني المكروهة حذرت منها الأديان السماوية منها ديننا الإسلامي، وذلك باعتبار أن التنمر انتقاصا من كرامة الإنسان واحترامه، ولذلك جاءت آيات الله المحكمات تنهينا عن السخرية الاستهزاء من الآخرين أو عدم احترامهم حتى لا يفقدوا احترامهم لذاتهم.

وكما قال تعالى في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

والطامة الكبرى أن يكون التنمر من البيت الأم أو الأب أو الأخوات بأن يعايروا الشخص بأنه سمين أو لابس نضارة أو عنده مشكلة بالكلام أو المشي أو أنه غير ذكي أو غير متفوق أو لا يركز وبدلا من معرفة أسباب المشكلة وعلاجها يتم التنمر عليه، وحتى لو المشكلة ليس لها حل فالقصة بحب الشخص وتقبله كما هو.

أما في المدرسة فيتم التنمر على الأطفال فيما بينهم بسبب أن بعض المدارس الدولية منتشر  بها المخدرات والكحول فيتم التنمر على الأولاد الملتزمين، كما يتنمرون على الطفل المتفوق ويدعونه بـ كلمة nerd

وصادف أن قابلت طفل لبناني لأم مصرية وبعمر ١٤ في مصر متفوق ومؤدب لكنه يتعرض للضرب والاعتداء داخل المدرسة، والإدارة لا تحميه لأن أقساط المدرسة باهظة ولا يريدون خسارة هذه المبالغ لو يطردون الأولاد المتنمرين.

والمدارس الفقيرة جدا فبعض الطلاب يحاولون جرف الباقين للعمل في الترويج للمخدرات أو الهرب من التعليم أو الانسياق لعلاقات غير سوية والدخول بعصابات، ومن لم ينساق يتم التنمر عليه والتعدي عليه بالضرب والتعذيب والتهديد والابتزاز.

وهناك التنمر على الشكل والملابس والحالة المادية، وأحيانا يتم الابتزاز بالصور والفيديو للطالبات اللواتي افتقدن التربية والتثقيف الديني والأخلاقي داخل الأسرة ولم يتعلمن كيف يحافظن على أنفسهن وعفتهن وكرامة أجسادهن.

أما في دور الأيتام فالحال أسوأ كثيرا، حيث يتم التنمر على الأطفال من قبل الأمهات والآباء البديلات بل وأحيانا يتقصد أصحاب أمراض نفسية من حب السادية والتعذيب أن يقدم على وظيفة في دار أيتام أو دار مسنين حتى يفرغ شحنات مرضه في هؤلاء لأنهم ضعفاء! وبرأيي يجب إطلاق مبادرة لإجراء الفحص النفسي على من يعمل بالمدارس ودور الأيتام ودور المسنين.

وحتى الأسر المتبنية للأطفال بعضها يرتكب جرائم يشيب لها الرؤوس، مثلما تابعت قصة قتل زوجين لطفلهم المتبني غرقا وتعذيبا في الماء الساخن. فحتى موضوع التبني الذي كنت أعتبره إنقاذ الطفل مِنَ الملاجئ حاليا أصبح خطر للأسف الشديد، فهناك مخاوف من استغلال أطفال التبني  في أعمال غير شرعية أو بيع أعضائهم البشرية أو لجهات وأغراض تخريب أو منظمات إرهابية.

وفي ظني أن الحل الوحيد، أن كل يتيم أو مسن يقعد مع أقاربه أو معارفه المقتدرين أكيد كل عائلة فيها حد مرتاح ابن العم ابن الخال وتحت رعاية مراكز إشرافها القوي.

 فالتنمر لم يقتصر على المدارس والجامعات وفي العمل بل تجده في وسائل التواصل الاجتماعي ايضا في تعليق الناس على الصور أو المواضيع بما يدل على قلة أدب وسوء تربية وليس فقط المراهقين والأطفال وإنما أحيانا تجد تعليقات من رجال ونساء كبار في السن يفترض بهم الوعي والنضج ولكن للأسف تجد العكس وفي الشارع حين تمر فتاة ويتم تعليق النساء على شكلها وملابسها وتسريحتها ومكياجها شيء فعلا مقيت وفي الأعراس بدلا من التمنيات الطيبة للعرسان نجد التعليقات على الملابس والأكل وترتيب الطاولات ولا يسلم من فم المعازيم شيء.

حتى في دور العزاء وبيت الأجر تجد المعزين بدلا من تلاوة آيات كريمة والدعاء للميت يفصلون الناس تفصيل ويعلقون على زوجة المتوفي إذا كانت متماسكة يقولون إنها جاحدة وغير متأثرة بوفاة زوجها أو ابنة المتوفى إذا منهارة يقولون تفتقر للإيمان وأخته يتبلون عليها بأنها تبحث عن الإرث. 

أما في الأسواق فيتم تصنيف الناس حسب ما يستطيعون شرائه بنظرة فوقية عنصرية من قبل الأغنياء اتجاه الفقراء ونعتهم بالفقر والوسط الاجتماعي المنخفض وأيضا تجد نظرة الفقير للغني ووصفه بالحرامي وسارق الأرزاق وأنه يشتري منتجات باهضة الثمن من تعبهم ومن حقهم وهذا كله ليس بالضرورة صحيحا فمن الممكن أن يكون الغني شريفا وتعب في ربح ماله ومن الممكن أيضا أن يكون الفقير متعلما وذي أخلاق رفيعة ومستوى ثقافي محترم فلماذا هذه التصنيفات التي يتبعها تنمر وتصور خاطئ وتصدير الأحكام؟ 

كما أن التنمر لم يسلم منه مغمور أو مشهور فنجد أن الكل تطاله التعليقات اللفظية السيئة خاصة عندما يطلقون ألفاظا نابية على السيدات. 

كما أن استخدام التنمر من قبل بعض الجماعات المتطرفه بشكل مقصود اتجاه بعض القضايا وذلك لزرع الخوف والرهبة والتراجع وخاصة في قضايا المرأة فعلى سبيل المثال أو كان من بين النساء المحتشمات المحترمات المدافعات عن قضايا المرأة بإطار لا يخرج عن الدين والأخلاق العامة امرأة فتتعرض يوميا للاتهام بشرفها والتعليق على أحوالها بالافتراء كنوع من الإرهاب التنمري كي تستسلم وتترك القضية خوفا على سمعتها. 

ولم يقتصر التنمر على المرأة بل طال الرجال في شتى المواضيع حتى تم رسم شكل معين للرجل لا يستطيع الخروج عنه سواء شكلا أو هنداما و فرض على الرجل أن يدخل في إطار التعليب المجتمعي لإصدار مستنسخات من البشر يجب أن تكون جميعًا متشابهة وأي اختلاف مرفوض رغم أن الاختلاف أحيانا كثيرة ليس إلا تمييز محبب بل تفوق عن الآخرين. 

وفي الأمور المادية أيضا يتنمرون على الأطفال في المدارس ملابسهم وطعامهم وصندوق الطعام الخاص بهم ال (lunch box)  وأصبح الأمر تباهي وتباري ومن خالف القاعدة يتعرض للتنمر.

حتى نوع المدرسة وأقساطها والنادي الرياضي بل حتى اسم الحذاء الرياضي أصبح معرضا للفحص والتدقيق وإما يأخذ تصريح الدخول وإما يتعرض للتنمر من أصحاب الأمراض الأخلاقية والتربية غير السوية وعلى الأغلب من حديثين النعمة المتكبرين لأن الأصيل ابن الأصيل لا يمكن أبدا ان يكون بهذه الصفات الشيطانية القبيحة. 

وأخيرا أتوجه للأسرة والأهل آباء وأمهات.. بالعربي العامي (ربوا اولادكم) قبل أن ترسلوهم ينتشروا بيننا بسوء أخلاق وسلوك معيب. 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة