الجمعة 26 ابريل 2024

إحياء تعليم لغتنا العربية قضية حياة أو موت للأمة

مقالات19-3-2023 | 10:41

(أنني لا أهتم بمن يضعون للناس قوانينهم قط اهتمامي بمن يكتبون لهم أغانيهم) هذه المقولة قالها أحد حكماء الصين، وهي تعكس أهمية استخدام الأغاني في الحفاظ على هوية الأمم وحضارتها، خاصة في مراحل التنشئة الأولى للأطفال.

فالأغاني أحد مرتكزات تعليم اللغة الوطنية للصغار بسهولة لما تتضمنه من وسائل جذب موسيقي أو حركي وصوتي ولوني في زماننا عبر تقنيات الرسوم المتحركة الشيقة.
الجميلة تشكونا وللأسف فأن لغتنا الجميلة اليوم تشكو أهلها بإهمالها، وبتفضيل معظم دولنا العربية استخدام اللغات الأجنبية الأخرى خاصة الإنجليزية المهيمنة في الخليج ومصر ولبنان والأردن، والفرنسية المهيمنة ببلاد المغرب. أنا أكرر أنني لست ضد تعليم وإتقان اللغات الأجنبية كافة، فمعظم الأسر العربية تحرص على تعليم  صغارها اللغات الأجنبية واختيار أفضل المدارس الخاصة لهم وهذا لا بأس به أبدا، لكن الكارثة بأن لا يعرفون لغتهم الأم، فمنهم من دخل مدارس أصلا ليس لها حصة عربي أو مادة العربي ثانوية ومهمشة حيث تعطى المواد كلها بلغات أخرى وإن افترضنا أن هذه الأسر ضحت بالمدرسة مقابل أنها ستعلم أولادها العربية بنفسها بالبيت ربما يكون الحال أفضل قليلا ولكن للأسف الأطفال حاليا في بيوتهم أغلبهم للأسف يقضون معظم الوقت مع العاملة المنزلية أو المربية الأجنبية وبالتالي العربي حتى بالبيت غير موجود. 

وباتت هذه العدوى أكثر انتشارا في طبقات المجتمع الذي يملك مالا ولا ثقافة أو خلفية أسرية. والطامة الكبرى أن الآباء يتعمدون استخدام أطفالهم المفردات الحياتية  يوميا باللغة الإنجليزية مع إهمال تعليمهم اللغة العربية وكأن هذا الأمر ينقلهم من مرحلة مال فقط إلى مال وطبقة اجتماعية بمعنى يعتقدون أن هذا الأمر يعلي من شأنهم! وهو بالواقع أمر سخيف يدل على عدم الثقة بالنفس والاستعلاء على الأصل والشعور بالدونية أمام الغير وأكرر أنني لست ضد تعليم وإتقان كل اللغات واستخدامها في مواضعها الصحيحة وهذا تماشيا مع الثقافة والتواصل والمعلومات والتبادل والتحاور بين الجميع ولكنني أنتقد استخدام اللغات الأخرى طوال الوقت وبين أبناء جلدتنا وعلى أرضنا. 

فبات تحدث الطفل بالإنجليزية أمام الآخرين مصدرا للتباهي والفخر الاجتماعي وهذا أمر سخيف وهناك من يعتقد أن إتقان اللغة الإنجليزية ضرورة تفرضها حاجات المستقبل من وظيفة مرموقة ومكانة اجتماعية وهددت صحيح ولهذا أنا لا أمانع!

بل أن بعض الباحثين المعاصرين يعتقدون بضرورة الازدواجية في اللغات البشرية استنادا إلى تنوع المجتمعات، وكل مجتمع صار اليوم خليطا من البشر ولهجاته ولغته خاصة في المجتمعات التي تستجلب العمالة أو الاستثمارات الخارجية كما في الخليج ولبنان ومصر.

أما في بلاد المغرب العربي، فنجد اختلافا واختلاطا للغات واللهجات بين العامية العربية المغاربية والفرنسية وفي لبنان كلمة عربي وعشرة فرنسي وفي بلاد الشام عامة.

الطامة الكبرى أن  العربية من أثرى وأغنى للغات بالعالم وأكملها وفقا لشهادة الغرب نفسه ومعاجمهم الناطقة بذلك كما في معجم لا روسي ومعجم لاند، ولا غرابة في ذلك فهي لغة القرآن الكريم الذي جاء معجزة تحدى به الله فطاحل العربية بالجزيرة العربية،  فهي لغة العبادة والإبداع معا، ومع ذلك مهمشة في وطنها ومنبت تربتها وفي معظم المؤسسات التعليمية العربية. حتى لافتات الشوارع وقوائم الطعام في المطاعم وروشتات الأدوية والنشرات عند شراء الأجهزة والمعدات والمستحضرات يكتبها العربي للمشتري العربي بالإنجليزية.

 
وتكاد تكون سوريا الدولة العربية الوحيدة التي حافظت على اللغة العربية كوعاء لدراسة العلوم الحديثة من طب وهندسة وصيدلة، وفيما عدا ذلك فإن الشباب والناشئة العرب تم إغراؤهم باللغات الأجنبية صاروا ضحية للتغريب اللغوي والفكري والاجتماعي معا.  

ومع إيماننا بضرورة تعلم اللغات وإتقانها واستخدامها وقت الحاجة، وليس إشباعا لعقدة النقص بالتباهي والتفاخر المجتمعي كما هو حادث اليوم، ولكن كما قيل في الأثر  "من تعلم لغة قوم آمن مكرهم" إلا أن الحفاظ على اللغة العربية قضية حياة أو موت هوية، وإما ذوبان في الأمم الأخرى.

بظني أن الدول العربية لا بد أن تقف وقفة رجل واحد من علماء ومفكرين ومبدعي ومؤسسات وتهب لنجدة لغتنا العربية الجميلة حفاظا على هويتنا العربية من الاندثار وحفظا لكرامة ماء وجهنا أمام الخالق العظيم الذي وهبنا نعمة أكمل وأبدع لغة في العالم.

بل أن المؤسسات الحكومية والخاصة بعالمنا العربي لا بد أن تعمل على تعريب العلوم الحديثة وتعليم الطب والهندسة وغيرها باللغة العربية، فقد كانت العربية وعاء للعلوم كلها زمن إزدهار الحضارة العربية والإسلامية، ولا بد من التوقف عن كتابة أسماء المحال التجارية والفنادق والمدراس والجامعات باللغة الأجنبية واستبداله فورا بأسماء عربية.

ولما كانت اللغة تنشئ لدى الفرد من الطفولة، فيجب إكثار الحديث بين الطفل ومعلمه بالفصحى خاصة السنوات الأولى كما يؤكد المتخصصون بهذا المجال، وتعويد الأطفال على استعمال الفصحى من خلال إسماعهم وتحفيظهمم نصوصا غنائية بسيطة.


ومن الضروري التوسع في إنتاج الرسوم المتحركة الناطقة بالفصحي وإتاحة وقت أكبر للصغار لمشاهدتها وتشجيع الأطفال على القرءاة المبكرة  للنصوص الادبية والمقالات وتعويدهم على الكتابة الأدبية فإحياء لغتنا الجميلة هو إحياء لذواتنا وهويتنا وحضارتنا معا.

Dr.Randa
Dr.Radwa