الجمعة 24 مايو 2024

اللعبة المكشوفة فى حجب المساعدات

31-8-2017 | 19:47

بقلم – لواء د. نصر سالم

فى ٢٣ أغسطس ٢٠١٧ ذكرت وكالتا أنباء «رويترز « و»أسوشيتد برس»:

أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت حجب مساعدات لمصر تصل إلى ٢٩٠ مليون دولار بدعوى عدم إحراز القاهرة تقدما فى ملف حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وذلك بناء على شكاوى نشطاء وحقوقيين مصريين فى هذا الخصوص.

«وقد عبر البيان الأمريكى عن رغبة واشنطن فى التعاون الأمنى، كما يعكس فى الوقت نفسه الإحباط من موقف القاهرة بخصوص الحريات المدنية وخاصة قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذى ينظر إليه على نطاق واسع على أنه جزء من حملة متزايدة على المعارضة» فعن أى جمعيات أهلية وحريات مدنية يتكلمون، ومن هم النشطاء والحقوقيون الذين يقصدون؟ وهل هناك مغزى لهذا التوقيت؟

الجمعيات الأهلية فى مصر يرجع تاريخها إلى بدايات القرن التاسع عشر. وقد ارتبط تاريخها منذ ثورة ١٩١٩ بأحداث سياسية حتى عام ١٩٥٢ وما بعدها حتى نهاية الحقبة الناصرية ثم مرحلة السادات والانفتاح السياسى والاقتصادى ثم عهد مبارك الذى ترك لهذه الجمعيات الحبل على الغارب لنصل إلى ٢٥ يناير ٢٠١١.. وهذه الجمعيات ما هى إلا كيانات مجتمعية تتأثر بما يدور حولها وما يغلى داخلها من تفاعلات وارتباطات خارجية.

وقد اتسم نشاط هذه الجمعيات عبر سنوات وعقود بالدور الخيرى، إلى أن اختلط العمل الخيرى بالعمل السياسى فى الفترة التى سبقت يناير ٢٠١١ لتتحول علاقتها بالدولة إلى صدامات، تصاعدت وتعددت أطرافها من منظمات حقوقية إلى جمعيات أهلية امتدت إلى مؤسسات خارجية فى مواجهة الدولة، ممثلة فى السلطة التنفيذية والبرلمان، وشاع مناخ من عدم الثقة بين الأطراف، لتتدخل الدولة لحماية أمنها القومى من التهديدات المتخفية خلف هذه الجمعيات والكيانات.

أما أعداد الجمعيات والمؤسسات الأهلية فقد كان فى مطلع العام ٢٠٠٠ «١٦٦٠٠ جمعية» ووصل فى بداية عام ٢٠١١ إلى “ ٣٠٠٠٠ جمعية ومؤسسة أهلية» طبقًا للبيانات الرسمية وأما مجالات عملها فقد بلغت عشرين مجالًا منها: المساعدات الخيرية والطفولة والأمومة والثقافة العلمية والدينية والفئات الخاصة، وتمكين الأسرة، وتنمية مجتمعات محلية، وظل هذا النشاط الخدمى الغالب هو سبب استمرارها طيلة هذه السنين إلى جانب هذه الجمعيات تواجد ما يقرب من “٩٠” مؤسسة أجنبية، تأسس معظمها طبقًا لاتفاقيات حكومية، وكان هناك البعض الآخر لم يصدر لها قرارات، ومع ذلك استمرت فى نشاطها وتدفق منها تمويل ضخم فى اتجاهات عدة!

وهو ما تطلب وقفة جادة من جانب الدولة وخاصة بعد أحداث يناير ٢٠١١ واندلاع فوضى المطالب الفئوية والاحتجاجات، وتصدر المشهد بوجوه جديدة لم يعرف لها مشاركة فى العمل العام من قبل، وركب الغرب مطية ما أسماه «دور المجتمع المدنى فى التحول السياسى والديمقراطى» وتصاعدت التدفقات التمويلية - دون رقيب - على حركات سياسية مثل ٦ إبريل ونشطاء متعددين وأحزاب سياسية، من تلك الأحزاب الكرتونية التى لا وجود لها إلا فى مقر عبارة عن شقة عليها لافتة من الخارج مكتوب عليها اسم الحزب، الأمر الذى أشعل الفتن وتبادل الاتهامات بالخيانة بين بعضها البعض، وغابت الثقة بين الجميع، ووجد الإخوان والتيارات السلفية ضالتهم فى حشد إمكاناتهم فى الشارع المصرى وظهرت الآلاف من الجمعيات الخيرية لهذا التيار الذى سارع فى تسجيل الجمعيات الأهلية - رصد خلال الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣ فقط تسجيل ٦٠٣٣ جمعية ومؤسسة أهلية - التى ظهر فيما بعد استغلال دورها فى اعتصامى رابعة والنهضة المسلحين وكذا حول المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى.

لقد أظهرت هذه الفترة تلك المؤسسات على أنها جزء من الصراع الاجتماعى والسياسى وليست جزءًا من الحل رغم الدور التنموى الذى لعبته منذ نشأتها وارتبط فى السنوات الأخيرة بتراجع الدولة فى تقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وكافة الخدمات الأساسية بسبب السياسات الاقتصادية التى اتبعتها الحكومات المتتابعة فى ترحيل المشاكل والديون إلى الأجيال القادمة حتى بات من المستحيل ترحيلها أكثر مما فات فى عام ٢٠١٦ وأضحى التصدى لها لا مفر منه.

والسؤال المشروع الآن هو لماذا؟

لماذا لم تنجح هذه الجمعيات التى تعمل على ما يقرب من قرنين من الزمان فى تحقيق أهدافها فى مواجهة الفقر والجهل والمرض؟

ولعل الإجابة المنطقية هى.. أن دور الدولة لا بديل له.. وهو مسئوليتها الأساسية تجاه مواطنيها.. أما مساهمة القطاع الأهلى فلابد أن يكون من خلال مؤسسات الدولة لضمان تحسين الأداء وضمان جودة الخدمة وفاعليتها فى إطار من الشفافية والرقابة والمساءلة التى يمكن أن تشارك فيها المؤسسات الأهلية بشكل منظم يكفله القانون.

أما مؤسسات المجتمع المدنى والتمويل الأجنبى الذى تتلقاه وتتصرف فيه طبقًا لهواها ورؤيتها وتعتبر أى تنظيم أو تقنين من جانب الدولة أمرًا غير مقبول حتى ولو كان من باب العلم بالشىء، وأنه يضع العراقيل أمام العمل الأهلى ويحد من قدرة المجتمع المدنى من العمل فى القضايا الحقوقية والتوعوية، وخصوصًا فيما يتعلق بالانتخابات والتحول الديمقراطى والوضع فى السجون، وكأن هذه المؤسسات دولة فوق الدولة لا تخضع لقانون ولا دستور وكأن ما قامت به فى مصر قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ وما بعدها من أحداث ما زالت ممتدة تعبث فيها كما تشاء، ولولا أن السفيرة الأمريكية وقتها «آن باترسون « أعلنت أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ أن ٦٥ منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول على منح أمريكية وأن الولايات المتحدة قد قدمت دعمًا لها بما يقارب ٤٠ مليون دولار خلال خمسة شهور لدعم الديمقراطية فى مصر فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير وأكدت ذلك وزيرة التعاون الدولى آنذاك «فايزة أبوالنجا»، وأوضحت أن هذه المنظمات تم تمويلها خلال ٤ شهور «مارس - يونيو٢٠١١ « بحوالى ١٧٥ مليون دولار، ما كانت قضية التمويل الأجنبى الذى اتهمت فيها النيابة العامة ٤٣ ناشطًا منهم ١٩ أمريكيًا بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بدون ترخيص وتسلم وقبول تمويل أجنبى من الخارج بما يخل بسيادة الدولة المصرية.

وفى ظل هذه الظروف التى يضرب فيها الإرهاب بلادنا بكل خسة ودنائة ويأتيه التمويل من حيث ندرى ولا ندرى، فمن ذا الذى ينكر علينا إحكام قبضتنا لحماية أمننا القومى وتأمين شعبنا وبلادنا، خاصة وهؤلاء المنكرون من داخل بلادنا ممن يدعون بالنشطاء الذين تحوم حولهم شبهات العمالة والإضرار بمصحلة الوطن نظير الدولارات والحسابات البنكية التى تغيرت بها حياتهم من حال إلى حال.

أما عن مغزى هذا التوقيت بالذات فهذا ما سوف تكشفه الأيام من الإعداد من جانب هذه الكومات الممولة، للتدخل فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. من أجل تحقيق ما عجزت عن تحقيقه منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى الآن من تدمير للدولة المصرية أو إيقاف مسيرتها.