اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض أولى حلقات رسالة الإمام، عن الإمام الشافعي، وعادت إلى أذهاننا صورة الإمام التاريخي، باعتباره واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا ليس في التاريخ الإسلامي فقط، بل في التراث العربي والإنساني.
قيل عنه أنه: كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، وهو الإمام الوحيد من الأئمة الأربعة من آل بيت النبي، كان مجدد المئة الثانية، وهو المعني بحديث النبي (عالم قريش يملأ الأرض علمًا)، جاء إلى مصر لكي يجمع علم الإمام الليث ابن سعد، إلى أن صار يُدرِّس في جامع الأزهر وأصبح يجدد في الدين.
الشافعي في سطور
ولد الإمام الشافعي غزة، 150ه، وعاش "ثالث الأئمة" حياةً مليئة بالأحداث، وارتبط مؤسس علم أصول الفقه، وصاحب "المذهب الشافعي" في الفقه الإسلامي بأقاويل كثيرة، وكانت له مؤلفات أثرت المكتبة العربية، والعالمية، كتب أشعارًا عبرت عن مضامين إنسانية بالغة الأثر، وهو الذي جاء إلى مصر محملا بعلم غزير، وكرمها وكرمته بعد أن دفن في ترابها وهو دون ال54 عامًا، سنة 204ه، ويعد ضريح الشافعي الموجود في شارع يحمل اسمه أحد أكبر أضرحة مصر على الإطلاق، فهو يتكون من مساحة مربعة طول ضلعها من الداخل 15متر، وله جدران سميكة جدا مما يؤهلها لحمل قبة ضخمة.
استطاع الإمام الشافعي أن يؤسس "شافعيته الخاصة" في علم التفسير وعلم الحديث، بعد أن مزج في فقهه بين طريقة أهل العراق والحجاز، حتى اقترن اسمه بـ "الإمام"، وتقلَّد "قاضي الشريعة" دون أن يكون على منصة القضاء، وكان الشافعي تلميذًا للإمام مالك وشيخًا للإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة.
حفظ الشافعي القرآن الكريم وهو في السابعة، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي، فحفظ موطأ الإمام مالك، إلى أن قال: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين".
رحلة الشافعي من أجل العلم
اتجه الشافعي إلى البادية ليتعلم اللغة العربية، ولازم قبيلة هزيل لما كانت عليه من فصاحة، إلى أن عرف الكثير، وعاد بما تعلمه إلى ليكمل ما بدأه، وليتعلم فيها على من إيدي الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بالإفتاء، فقد روي عن مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: "أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي"، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل في روايات أخرى أنه كان ابن الثماني عشرة سنة.
طريقة حفظ الإمام الشافعي
كان الإمام يستمع إلى المحدِّثين، فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أو الجلود، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها، والظهور هي الأوراق التي كُتب في باطنها وتُرك ظهرها أبيض.
وكان يقول: "لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب منهم الظهور وأكتب فيها".
وروي عنه أيضاً أنه قال: "كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أمي أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخَيْف، فكنت أنظر إلى العظم فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة، إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة"
موقف الإمام الشافعي من قضية خلق القرآن
اشتهر زمن الإمام بجدل كبير، حيث بدأت الفرق والمذاهب الفقهيه تتشكل، وتختلف وتتفق في الكثير من المسائل الدينية، وكان الخلاف الأبرز في مقولة تتعلق بالقرآن الكريم "القرآن مخلوق أم أزلي"، واتهم البعض الإمام الشافعي أنه أفتى بأنه مخلوق، ونفى الآخر عنه هذا الكلام.
أما عن موقف الإمام الشافعى من فتنة خلق القرآن، وما دار في خلق القرآن أو فتنة خلق القرآن، فرجحت الروايات أنه فكر ابتدعه "الجهم بن صفوان" ونشر فكره فرقة "المُعتزلة" فى عهد الخليفة العباسى المأمون، التى رأت أن القرآن الكريم مخلوق، وأن كلام الله سبحانه وتعالى مخلوق، وكان من بين هؤلاء الذين اقتنعوا بكلامه الخليفة المأمون، الذى طالب بنشر هذا الفكر وعزل أى قاضي لا يؤمن بهِ.
وفى شرح أصول الاعتقاد للالكائى عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعى يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.. والله أعلم".
عالم بالأزهر الشريف: جاء الشافعي إلى مصر كي يتعلم.. وجمع بين التجديد المحافظة
قال الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، إن "الإمام الشافعي من أعظم الأئمة، وهو أول من كتب وأسس علم أصول الفقه، وجعله علمًا؛ حتى قال عنه الإمام أحمد ابن حنبل أن الشافعي لا مثيل له، فهو: (كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس)".
وأوضح في تصريحات ل"دار الهلال" أنه "الإمام الوحيد من الأئمة الأربعة من آل بيت النبي، وهو مجدد المئة الثانية (أي القرن الثاني)، بعد مجدد المئة الأولى عمر بن عبد العزيز، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل أظنه المعني بحديث النبي (عالم قريش يملأ الأرض علمًا)، فالشافعي في العلماء مثل البدر في نجوم السماء.
وأضاف أن "الإمام جاء إلى مصر لكي يجمع علم الإمام الليث ابن سعد، لأنه الليث كان أفقه علماء عصره، ولأن مصر في هذا الوقت كانت قبلة العلم والعلماء، وكان فيها تلامذة الإمام أبو حنيفة، جاء لكي يتعلم إلى أن صار يُدرِّسُ في جامع الأزهر وأصبح يجدد في الدين"
وأكد على أن "الشافعي هو الوحيد الذي له مذهبان، قديم في العراق، وحديث في مصر، والمعتمد في هذا الوقت ما كان في مصر، وهو الإمام الوحيد الذي مزج بين التجديد والمحافظة (أي مذهب العراق ومذهب الحجاز).
وأوضح أن "الشافعي بدأ يتكلم في مسألة خلق القرآن الكريم وهو في العراق، وكان المنتشر مذهب المعتزلة الذي يقول أن القرآن مخلوقًا، لكنه قال إن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق، وأنا أتفق مع ما جاء به العالم "اللالكائي" الذي كان ينفي عن الإمام الشافعي هذا الكلام.
أستاذ الدراسات الأدبية: شعر الشافعي أداة من أدوات الدعوة إلى قيم سامية
قال الدكتور حامد الشيمي، أستاذ الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، أن "الإمام الشافعي اهتم في شعره بما يحمله من رسالة؛ إذ ركز على الجانب الوعظي، والمضمون الذي يعبر عن قيم سامية، وأن شعره كان أداة من أدوات الدعوة"
وأوضح في تصريحات لـ"لبوابة دار الهلال" أنه لم تكن الحياة الأدبية تشغل الشافعي كثيرًا، لأنه ركز جهده على تأسيس أصول الفقه، وعلى ترسيخ أساليب خاصة في تفاسير الأحاديث والشروح القرآنية، فهو ليس شاعرًا فقط، لكنه كان إمامًا يكتب الشعر"
وأضاف "شعر الإمام الشافعي يحتاج إلى تحقيق بصورة أدق، لأن كثيرًا مما نسب إليه شعرًا منحولًا؛ إذ أن كلامه كان ذائع الصيت، يجري مجرى اللسان، وهذا أدى إلي انتساب الكثير من الأبيات له، لكن كل ما نسب إلى الشافعي من شعر، كان يحمل مضامين إنسانية".
من مؤلفات الإمام الشافعي
كتاب الأم
هو آخر الكتب التي ألفها الإمام الشافعي في حياته، بدأ تأليف الكتاب في مصر، وانتهى فيها، وهو كتاب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، مؤلف الكتاب، قام بجمعه يوسف بن يحيى البويطي صاحب الإمام الشافعي، ولم يذكر اسمه، وقد نسب إلى الربيع بن سليمان المرادي، إذ قام بتبويب الكتاب، فنسب إليه دون من صنفه، فإنه لم يذكر نفسه فيه، ولا نسبه إلى نفسه، كما قال الإمام الغزالي في كتاب "إحياء علوم الدين".
الرسالة للشافعي
هو كتاب ألفه الشافعي مرتين، ولذلك يعده العلماء في فهرس مؤلفاته كتابين: "الرسالة القديمة، والرسالة الجديدة".
أما الرسالة القديمة فالراجح أنه ألفها في مكة وهو شاب، إذ كتب إليه عبد الرحمن بن مهدي أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن للشافعي.
وهو أول كتاب ألفه الإمام في علم أصول الفقه، وأراد الشافعي من تأليفه أن يضع الضوابط التي يلتزم بها الفقيه أو المجتهد لبيان الأحكام الشرعية لكل حديث ومستحدث في كل عصر، وهو من الكتب التي روى الربيع عن الشافعي.