السبت 20 ابريل 2024

رمضان أيام زمان..!


د. شريف درويش اللبان

مقالات27-3-2023 | 23:36

د. شريف درويش اللبان

أول ذكرياتي العالقة في ذهني في رمضان عندما كان عمري 8 سنوات في العام 1973، هى لمة الأسرة حول الطبلية ساعة الإفطار، لم يكن لدينا ثلاجة، لذا كان لزامًا على أن أذهب كل يوم إلى بائعة الثلج لأشتري منها قطعة ثلج بخمسة قروش أو بعشرة قروش على حسب إذا كان لدينا عزومة على الفطار أم لا، وذلك لكي يشرب الصائمون الماء المثلج بعد يوم صيام طويل وشاق، ولم يكن لدينا بالطبع تليفزيون، بل كان لدينا مذياعًا نضعه مكانًا عليًا، حيث يوجد رف علوي يوضع عليه، ونقوم بتشغيله ابتداءً من قرآن المغرب، وحتى مدفع الإفطار وآذان المغرب ُثم ابتهال الشيخ النقشبندي ومسلسل رمضان الإذاعي، وفي العاشر من رمضان من ذلك العام الموافق السادس من أكتوبر، وعلى حين غِرة دخل أبي مسرعًا ومتهللاً وهو يصيح افتحوا الراديو بسرعة فيه بيان للقوات المسلحة، الظاهر إن احنا عملناها يا ولاد، ففتحنا الراديو وسمعنا البيان، وهللنا جميعًا وكبرنا على ما أنعم الله به علينا في شهر الفتوحات، الذي شهد معركة بدر الكبرى، وأخذت ألسنتنا تلهج بالدعاء لأبطال القوات المسلحة البواسل، وأن يقيد لهم جنودًا من عنده يحاربون إلى جوارهم، أذكر جيدًا كيف كانت آذاننا متعلقة بالراديو منذ ذلك البيان وعلى مدار الساعة لكي نتابع تطورات الحرب، ولم نكتفي بهذا، بل كنت أذهب كل صباح إلى بائع الجرائد الوحيد في مدينتي بالقليوبية لكي أشتري الجرائد لنقرأ مزيدًا من أخبار الحرب ونشاهد صورها، كانت أيامًا مجيدة أثبتت أن المقاتل المصري ووراءه الشعب المصري لا يرضوْن بالهزيمة، بل يطمعون دائمًا في نصر الله، ويثقون في قدراتهم التي أكد عليها الرسول الكريم من أن المصريين خيرُ أجنادِ الأرض.

 

أذكر كذلك أنني خضت أول امتحانات لي في رمضان في الثانوية العامة في يونيو 1983، حيث وقع آخر امتحانيْن لي في اللغتيْن الإنجليزية والفرنسية في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، وأذكر أنني لم أجد أية مشقة أو معاناة فيهما، لأنني كنت شاطر جدًا في اللغات، وكنت مخطط ألتحق بكلية الألسن مع رفيق عمري، وهو مالم يتحقق، وتلك قصةٌ أخرى، المهم أن الامتحانات الرمضانية لا زمتني بعد ذلك في السنوات الأربع التي درستها في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وكذلك في امتحانات السنة التمهيدية للماجستير، وكانت المذاكرة في رمضان من أصعب ما يكون في ظل ضيق الوقت والخريطة البرامجية الرمضانية بالتليفزيون والعامرة بالفوازير والمسلسلات الدينية والاجتماعية، وفي ظل الالتزام يوميًا بأداء صلاتيْ العشاء والقيام بالمسجد، ولكن كنت أواصل الليل والنهار حتى أداء الامتحان لأعود لأنال قسطًا من الراحة، مع العلم أنني كنت أسافر من بلدتي لجامعة القاهرة لأداء الامتحان. وهكذا، تدور الأيام دورتها، ليخوض أبناءنا امتحانات الثانوية العامة في رمضان.

كان أكثر ما يميز رمضان في التليفزيون المصري قبل تدشين القنوات الفضائية المسلسلات الدينية ذات الإنتاج الضخم من ديكور وتصوير وإخراج وقصة لكاتبٍ كبير ونجوم التمثيل اللامعة الذين كانوا يتبارون فيما بينهم في الأداء، لقد نشأنا وتربيْنا على مسلسلات دينية عظيمة مثل "محمد رسول الله" (صلى الله عليه وسلم) بأجزائه المختلفة و"الكعبة المشرفة" و"على هامش السيرة".. وغيرها من المسلسلات التي كانت تربي فينا العقيدة الدينية، وتضع أمامنا المسلمين الأوائل كقدوةٍ ومثل. وحزنت جدًا الأعوام الماضية، حيث خلت مائدة شهر رمضان من الدراما الدينية سواء على قنوات التليفزيون المصري أو القنوات الفضائية الخاصة، واكتفت القنوات جميعها بمسلسلات تسيطر عليها ظواهر غريبة على مجتمعنا. ولعل مسلسل "رسالة الإمام للرائع خالد النبوي الذي تقدمه "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" في رمضان الحالي هو بمثابة كلمة اعتذار للمصريين من عُشاق الدراما الدينية الذين افتقدوها الأعوام الماضية. والمسلسل يتميز بالإنتاج الضخم وروعة الأداء ويثير إشكاليات مهمة ليست بعيدة عن عصرنا الحالي.. وتلك قصةٌ أخرى.