الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

كيف يقتل الابتكار.. وكيف أنت تحييه؟

  • 1-4-2023 | 00:48
طباعة

أ.د. غادة عامر عميد كلية الهندسة والتكنولوجيا جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.. وزميل ومحاضر كلية الدفاع الوطني - أكاديمية ناصر العسكرية

نسمع الآن من مسؤولين ورجال دولة داخل معظم دلونا في الوطن العربي جمل جميلة ومريحة جدا، مثل "نحن بحاجة إلى تشجيع الابتكار"، "يجب على وطنا أن يصبح أكثر ابتكارا"، " هدفنا هو أن نخلق منظومة محلية للابتكار".

وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من إن معظم القيادات السياسية في الوطن العربي مهتمة بشكل قوي بملف الابتكار  الوطني، إلا أنه لا يوجد إلى الآن سياسات أو اجراءات حقيقية (وليست مبادرات للقطة أو لتكملة ملف بصور وفعاليات لا تسمن ولا تغني من جوع) لدعم أو لتأييد هذه الجمل الجميلة، بل بالعكس ما نجده إنه هناك –لن أقول تعمد- قتل ووأد لأي فكرة يمكنها أن تتحول إلى ابتكار في مكان ما داخل المنظومات المعقدة التي تنشئ فيها هذه الأفكار.

إن الابتكار يمكن أن يقتل بطرق عديدة، و للأسف عادة ما تكون هذه الطرق مثل المرض الخبيث، الذي لا يكتشف بسهولة، أو يمكن أن يكتشف بعدما تكون الحالة ميؤوس منها!.

فمثلا لو فتشنا كيف يقتل الابتكار داخل منظومة معينة، سوف نجد أحد أهم الأسباب مثلا أن هناك مجموعة داخل هذه المنظومة تكون الثقة بهم عالية مهما قالوا أو فعلوا (أصحاب الثقة)، وهؤلاء المجموعة مع الوقت تتحول إلى قوة فوق القانون، حتي إنها لا تسمح أن ينتقدها أو يعارضها أحد، بل وتقوم هذه المجموعة بتصنيف أي شخص يقيم أفعالهم أو يقدم أفكار جديدة على إنه يريد هدم المنظومة، أو إنه غبي وليس لديه المعرفة، أو إنه جاهل، أو متحيز أو كلامه تافه وليس له أي أهمية.

وأيضا هم بالنسبة لهم أي شخص داخل المنظومة ينتقد الوضع الراهن، أو يطرح أسئلة على مجموعة أصحاب الثقة، يعتبر غير مخلص ويمكن استبعاده حتي لا يخل بالنظام (من وجهة نظرهم).

وحتى من لديهم معلومات منهم وممكن أن تكون مفيدة  تجدهم يستخدمونها كأسباب لمعارضة أي فكرة جديدة بدلا من تحليلها وتجريبها.

ففي هذه المجموعة تجد أفراد يقومون بدور حراس العقول، ودورهم داخل المنظمة هو سحب وتدمير أي معلومات أو أفكار ممكن أن تكون مخالفة لرأيهم أو لا يعرفونها.

وأيضا من أسباب قتل الابتكار داخل أي منظومة، هو عدم قدرة تلك المنظومة لتقديم حلول وبدائل وأفكار جديدة، لأنها لا تريد أن تدخل في أمور جديدة تعتقد أنها -من وجهة نظرهم- مضيعة للوقت وللمال.

وأيضا فشل هذه المنظومة في تحديد وفحص المخاطر بشكل كاف، وعدم إعادة النظر في البدائل التي تم رفضها سابقا، وضعف البحوث فيها.

ويمكن أن يكون من أسباب قتل الابتكار أنه عندما يحين الوقت لإجراء استثمار كبير في مشروع ابتكاري أو فكرة، وهذا قد يتطلب إما هيكله النظام الموجود أو يهدد بتعطيل نشاط آخر قائم، يختفي الدعم التنفيذي فجأة وبدون مبررات واضحة، وبالتالي يموت الابتكار.

إن الأفراد الذين يحاولون طرح أي افكار جديدة في مثل هذه المنظومات سواء كانوا موظفين عاديين، أو علماء، أو مهندسين، أو مبتكرين، أو رياديين سوف يجدون أنفسهم في ورطة وصراعات ليس لها نهاية.

هذه هي ردود الفعل الدفاعية الطبيعية التي نجدها في معظم المؤسسات والمنظمات والهيئات التي تكون معظم مخرجاتها لقطة في جريدة!

وبالتالي عندما تحاول أن تقدم فكرتك إلى منظمة أو مؤسسة أو هيئة تقليدية، يمكنك أن تتوقع التالي: منع الوصول إلى صانعي القرار الفعليين داخل المنظمة من قبل مجموعة "أهل الثقة"، أو أن يتم إخبارك بأنك لا تتبع طريقة علمية أو منهجية أو معايير العمل، أو السياسات المتبعة (والتي لا يفهمها إلا مجموعة أهل الثقة).

الأمر الاخر سوف تجدهم يجتهدون في تقديم وتقارير تحليل لإثبات المخاطر التي تحملها فكرتك، مما يؤدي إلى رفضها بأنها "محفوفة بالمخاطر".

أو يكون هناك تعمد عدم الرد عليك لفترات كبيرة حتي تمل وتنسي فكرتك، بالإضافة انك سوف تجد مجموعه "أهل الثقة" تجتمع مرارا وتكرارا لتناقش موضوعك (وليس بالطبع ابتكارك أو فكرتك) بدون أي حل واضح، فقط لإعادة صياغة لقراراتهم السابقة بفشلك وعدم مهنيتك وكيف إنك نصاب!! وإذا تجرأت وفكرت ان تتقدم بشكوي إلى الإدراة العليا، سوف يتحول العداء من مجموعة "أهل الثقة" إلى العموم، لأنك سوف تجد الكثير ممن يتطوع لكسب رضى مجموعة "أهل الثقة"، حتي على حساب أي شخص سواء أكنت صديق أو حتى قريب.

وساعتها لن تجد القائد الحقيقي الذي يمكن ان يسمع فكرتك أو ان يتفحص شكواك أو حتى يمنع التنكيل بك.

كمبتكر لن أطلب منك ولا أنصحك حتى بمحاولة التفكير في تغير النظام داخل تلك المنظومات العتيقة، ولكني سوف أقدم إليك بعض الطرق لتجنب قاتل الافكار عند محاولة عرض فكرتك:

1-عدم الانخراط في سلوك المواجهة، طبق نظرية "الاستماع والترك".

2- حدد الأشخاص الذين يمكنهم أن يجعلوا فكرتك تخرج للنور، اعمل معهم وتجنب أولئك الذين شعرت منهم بالرغبة في قتل فكرتك.

3-حدد صانع القرار النهائي وحاول التواصل معه مباشرة، وفكر في كيفية وصول فكرتك له.

4-استمع إلى كل الانتقادات واضبط فكرتك إذا كانت تحتاج إلى ذلك.

5- اعترف بأن فكرتك قد لا تكون جيدة، وحاول جاهدا أن تطورها.

6- التزم بمبدأ النزاهة والصدق، ولا تنسحب إلى الاخلاق السيئة مهما قابلت منها.

7- لا تنضم إلى أي مجموعات أو أحزاب، ولا تمشي مع العقل الجماعي، فكر أنت وحلل واجعل رأيك من عقلك والأهم لوجه الله.

8- ضع في اعتبارك أنك ممكن أن لا تنجح وكن علي استعداد لذلك، فكثير من الافراد والمنظمات ليست مستعدة للأفكار المبتكرة أو الجديدة.

أعمل كل هذا وكن على ثقة إنك طالما حاولت واجتهدت سوف تنجح بشكل ما بأمر الله، فأنت عليك السعي وليس النتيجة.

الاكثر قراءة