أكد علماء الأزهر والأوقاف المشاركون في القوافل المشتركة بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، أن من أعظم ما اختص الله (عز وجل) به الأمة المحمدية ليلة القدر، فهي تاج الليالي، ودُرَّة الأزمان، تغمر الكون بضيائها، وتعمر القلوب بحبها، وتتفرد بالأجر العظيم والخير العميم، حيث جعلها الحق سبحانه أفضل من ألف شهر، عبادةً وقُربًا، وثوابًا وأجرًا.
جاء ذلك خلال القوافل الدعوية المشتركة التي تم إطلاقها اليوم في إطار التعاون المشترك والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، ورعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، حيث تم إطلاق سبع قوافل إلى محافظات (الأقصر – قنا – الإسكندرية – السويس – بورسعيد – القليوبية - الفيوم)، وتضم كل قافلة (عشرة علماء) خمسة من علماء الأزهر الشريف، وخمسة من علماء وزارة الأوقاف، ليتحدثوا جميعًا بصوت واحد حول موضوع "كيف نستقبل ليلة القدر".
وأضاف العلماء أن ليلة القدر هي ليلة الشرف والعز والكرامة، فقد أنزل الله تعالى فيها خير كتبه على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلوات ربي وسلامه عليه)، كما أوضحوا أن ليلة القدر هي الليلة المباركة، التي يقدِّر الله تعالى فيها أعمال العباد وآجالهم وأرزاقهم، ومن مظاهر بركتها أن الله (عز وجل) يغفر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، لذلك فإن المحروم هو من حُرم بركتها وفضلها.
وأشار المشاركون إلى أن من بركات ليلة القدر نزول الملائكة فيها وفي مقدمتهم الأمين جبريل (عليه السلام)، لتمتلئ الأرض نورًا وسكينة، وهي ليلة السلام والأمان من بدايتها حتى مطلع الفجر، وفي ذلك دعوة لنشر السلام في الأرض في هذه الليلة المباركة وغيرها من الليالي، حتى يعم الخير، ويتحقق الاستقرار، والإخاء بين بني الإنسان، مؤكدين أن ليلة القدر هي ليلة العفو الإلهي.
وشدد المشاركون على أهمية الاستعداد لهذه الليلة فهي ليلة العفو الإلهي، وعلينا أن نُعدَّ - أنفسنا لها بالحرص على قيام الليل، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وأن نستقبلها بالعفو والصفح والتسامح، وتجاوز الخلافات؛ فالشقاق يجلب الشرور ويمحق البركات، فقد خرج نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ (اختلفا وتنازعا)، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): "إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "ألا أخبرُكُم بأفضلَ من دَرجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقةِ؟ قالوا: بلَى، قال: صلاحُ ذاتِ البينِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البينِ هيَ الحالِقةُ"، ويقول (عليه الصلاة والسلام): "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشِّعرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنبِّئكُمْ بِمَا يُثبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ".
كما أكدوا أنه مما لا شك فيه أن الجزاء من جنس العمل، فإذا كنا نتعرض لرحمة الله تعالى في هذه الليالي المباركة، فعلينا أن نتراحم فيما بيننا، فمن لا يَرحم لا يُرحَم، والراحمون يرحمهم الرحمن، والتراحم سلوك وعمل؛ يستوجب التعاون والتكافل، وأن يأخذ قوينا بيد ضعيفنا، وغنينا بيد فقيرنا، موقنين بأن ما أنفق من خير فإن الله (عز وجل) سيخلفه ويضاعفه، حيث يقول الحق سبحانه: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".
ودعا المشاركون إلى اغتنام ما بقي من شهر رمضان عبادة واجتهادًا ونفعًا للناس؛ التماسًا لليلة القدر، وطمعًا في ثوابها؛ فإنها تُكسب من أحياها قدرًا عظيمًا، وتزيده شرفًا عند الله تعالى، وما أجمل أن نتخذ من تلك الليلة المباركة عهدًا جديدًا لتجديد التوبة ولزوم الاستغفار، وتقويم النفس، وحملها على فعل الخيرات، وترك المنكرات، حيث يقول الحق سبحانه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، ويقول سبحانه: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".