السبت 23 نوفمبر 2024

إيران فى تجارب صاروخية جديدة تدخل مع إدارة ترامب «اختباراً للحزم»

  • 16-2-2017 | 10:16

طباعة

بقلم –  العميد:خالد عكاشة

شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية ذكرت الأسبوع الماضي، أن إيران اختبرت أول صاروخ باليستي في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في انتهاك واضح آخر لقرار الأمم المتحدة، جاء ذلك نقلا عن مسئولين أمريكيين كشفوا أن الصاروخ الباليستي متوسط المدى «خورامشهر»، انطلق لمسافة ٦٠٠ ميل قبل أن ينفجر في تجربة فاشلة، ووفقا لمعلومات الشبكة الاستخبارية في البنتاجون القريبة من دونالد ترامب، فإن الصاروخ جرى إطلاقه من موقع معروف جيدا لإجراء الاختبارات خارج «سمنان»، على بعد نحو ١٤٠ ميلا شرق العاصمة الإيرانية طهران.

يعد هذا الاختبار هو ثانى اختبار لـ «صاروخ باليستي» منذ شهر يوليو الماضي، الذي وقع فيه الاتفاق النووي بين إيران وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا. حيث كان )قرار الأمم المتحدة (٢٢٣١ قد دعا الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى عدم إجراء مثل هذه الاختبارات، لكن كعادة الدولة الإيرانية خرج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ليؤكد في مؤتمر صحفي أن النشاط الصاروخي الإيراني ليس جزءا من الاتفاق بشأن برنامجها النووي ولا يرتبط به، ولمح ظريف إلى أن الصواريخ الإيرانية غير قادرة على حمل رءوس نووية وأنها مصممة للأغراض الدفاعية المشروعة. لكن هذا ليس متفقا تماما مع التقييم الأمريكي لتلك التجربة، فهذه أول تجربة لإيران منذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الحكم في أمريكا، ووصف البيت الأبيض عبر متحدثه إطلاق الصاروخ على أنه «خرق لقرار الأمم المتحدة بهذا الشأن».

نذر الخ طر تتمثل في أن الرئيس ترامب يعد من أشد المعارضين للاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران، وتعهد سابقا أثناء حملته الانتخابية بتمزيق الاتفاق النووي عند دخوله للبيت الأبيض واصفا إياه بأنه «أسوأ اتفاق على الإطلاق»، وسبق أن اقترح مقربون من ترامب فرض عقوبات جديدة على إيران، بينهم رئيس لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية «بوب كوكير»، الذي عرض مشروع قانون لفرض عقوبات على شخصيات إيرانية لها علاقة ببرنامج إيران الصاروخي وبالحرس الثوري الإيراني. كما اقترح السيناتور «ليندسي جراهام» الجمهوري، فرض عقوبات إضافية على قطاعات معينة في الاقتصاد الإيراني والتي من شأنها أن تقوض صناعة الصواريخ الإيرانية، حيث جاء إبرام إيران عام ٢٠١٥م الاتفاق مع الدول الكبرى ليؤدي إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، مقابل خفض نشاطها النووي إلى الحد الآمن والذي لا يسمح بتطوير استخدامه في المجال العسكري. ولم ينسَ السياسيون الأمريكيون والإيرانيون على السواء وصف ترامب الاتفاق أثناء حملته الانتخابية بأنه «كارثي»، وتأكيده مرارا أن إلغاءه «سيكون أولويتي الأولى».

التجاوب مع أخطار عودة مشهد علاقات إيران بالولايات المتحدة إلى نقطة الصفر جاء سريعا، حيث يبدو أن النظام الإيراني لم يستغرق الكثير من الوقت لإرسال أول إشارة اختبار للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فانتقل بسرعة من مرحلة التصريحات والتصريحات المضادة إلى مرحلة استعراض القوة. فتجربة إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى بعد أيام من وضع المواطنين الإيرانيين على قائمة المنع من دخول الأراضي الأميركية تحمل أكثر من دلالة، إيران تختبر مع الصاروخ جدية الإدارة الأمريكية الجديدة، وحزمها في تنفيذ سياساتها في المنطقة، وهي السياسة التي أطرتها خطابات ترامب في حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض. مع هذا التسارع في الأحداث تسعى طهران إلى البقاء في وضع الهجوم دوما، للخروج بأكبر قدر ممكن من المكتسبات في تفاوض غير مستبعد في دهاليز السياسة وعوالمها المتغيرة، وفي أسوأ الأحوال عدم خسارة أي مكتسبات حققتها إيران خلال فترة الضباب في السياسة الأمريكية إبان حقبة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ففي وقت تكثف طهران من دعايتها المضللة للظهور بمظهر الدولة الراغبة في إرساء السلام في المنطقة، تتواتر الأنباء ومن نفس العاصمة عن زيادة ميزانية «الحرس الثوري»، والذي يمثل رمزا لآلة نشر النفوذ العسكري في المنطقة بنسبة ٥٣٪ مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى ما يقارب الـ (٧ مليارات دولار)، وهو إعلان لا يمكن قراءته، إلا أنه إيذان بتوسيع مهام العمل المسلح الذي يأخذ طابعا داعما للعمل الميليشياتي في المنطقة.

المسارعة في عملية التصعيد المتبادل جاء أمريكيا متجاوبا مع أطروحات الإدارة الجديدة، حيث تقدم الأسبوع الماضي أعضاء في الكونجرس الأمريكي بمشروع قرار لفرض عقوبات جديدة ضد إيران، على خلفية برنامج الصواريخ البالستية وزعمهم أن طهران تدعم الإرهاب وتنتهك حقوق الإنسان. وتقدم بمشروع القرار ٤ أعضاء من «الحزب الجمهوري» هم :»لي زيلدين، وبيتر روسكيم، وليونارد لانس، وداج ليمبرون»، وقد كتب روسكيم على صفحته الالكترونية: «إن إيران تسخر من المجتمع الدولي، تواصل برنامجها الصاروخي، تدعم الإرهاب، وتنتهك حقوق الإنسان، الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة الأيدي». يدعو نص مشروع القرار إلى فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، وشركة الطيران الإيرانية، بسبب ما وصفه بمساعدة الحرس الثوري الإيراني في نشر الإرهاب والاقتتال، بالإضافة إلى ذلك دعا المشروع إلى فرض عقوبات جديدة ضد شخصيات تعمل على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وبالتوازي مع ذلك سارعت إدارة ترامب إلى الرد على محاولة إيران اختبار نواياها باتخاذ خطوتين تصعيديتين، تتمثل أولاهما في فرض عقوبات جديدة على ١٣ فردا و١٢ كيانا يشتبه في تقديمهم دعما لوجيستيا لبرنامج الصواريخ الباليستية، وتجميد أصول أفراد وكيانات من إيران وحظر إجرائهم صفقات في الولايات المتحدة أو مع أمريكيين. وتنصرف الثانية إلى التلويح بأن كل الخيارات أصبحت متاحة، في التعامل مع ما تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية تهديدا من جانب إيران، في إشارة إلى الخيار العسكري تحديدا.

الولايات المتحدة لم تتأخر في استدعاء المجتمع الدولي لوضعه في صورة ما يحدث وما تنتوي الولايات المتحدة سلوكه مستقبلا، حيث كانت واشنطن قد انتقدت على لسان سفيرتها لدى الأمم المتحدة «نيكي هايلي» اختبار إيران لصاروخ باليستي أطلقته واعتبرت ذلك «مرفوضا تماما»، عندما ذكرت هايلي للصحفيين إثر جلسة مغلقة لمجلس الأمن الأسبوع الماضي: «لقد أكدنا أن إيران اختبرت صاروخا متوسط المدى، وأن الولايات المتحدة ليست ساذجة. لن نبقى مكتوفي اليدين. سنطلب محاسبتهم. نحن عازمون على إفهامهم أننا لن نقبل البتة بهذا الأمر». وربما لخص هذا المشهد الذي يكون نفسه أخيرا ما بين الدولتين ما جاء على لسان «نائب الرئيس، مايك بنس»، الذي وجه تحذيرات لإيران في ٥ فبراير من «اختبار حزم» إدارة الرئيس ترامب، مضيفا: «سيكون من الأفضل لإيران، أن تدرك أن هناك رئيسا جديدا للولايات المتحدة، ومن الأفضل ألا تختبر حزم هذا الرئيس». وفي هذا إشارة إلى أن سياسة الإدارة الجديدة تجاه إيران تختلف عن سياسة الإدارة السابقة في محورين رئيسيين: الأول هو أن الإدارة الجديدة باتت ترى أن الخطوات الإيرانية تمثل «تهديدا مباشرا للأمريكيين»، وهو توجه لم يكن ضمن أولويات إدارة أوباما، التي كانت تعول في المقام الأول على الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي وعدم منح الفرصة للبعض من أجل عرقلته، والثاني هو عدم حصر محاور الخلاف مع إيران في الاتفاق النووي رغم أهميته بالنسبة للإدارة الأمريكية، حيث يبدو أن الأخيرة باتت تبدي أهمية خاصة بالتأثيرات السلبية للسياسة الإيرانية على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بشكل قد يوحي بأن الضغوط التي سوف تفرضها على إيران لن تنحصر فقط في الاتفاق النووي، وإنما سوف تشتمل أيضا على الاتهامات الموجهة لإيران بدعم الإرهاب. وهنا كان لافتا أن الإدارة الجديدة بدأت في إلقاء الضوء على التدخلات الإيرانية في دول الأزمات، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، فقد أشار ترامب إلى النفوذ الإيراني الكبير في العراق، في الوقت الذي استنزفت فيه موارد مالية أمريكية كبيرة من أجل تحقيق الاستقرار هناك قدرها ترامب في إحدى تغريداته بنحو ٣ تريليونات دولار.

وبالنظر الأمريكي لما أسمته بدول الأزمات وضرورة التضييق العاجل ومحاصرة التدخل الإيراني على أرض تلك الدول قامت سريعا بخطوتين، عندما بدأت إدارة ترامب تروج مؤخرا لرؤية مناوئة للوجود الإيراني في سوريا، رغم أنها لا تبدي اهتماما ملحوظًا بمسألة خروج الأسد من السلطة كإحدى آليات الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، وربما تتجه في هذا السياق إلى الوصول لتفاهمات ما مع روسيا تقضي بتقليص دور الميليشيات الحليفة لإيران داخل سوريا، خاصة في ضوء بروز مؤشرات عديدة تكشف امتعاض روسيا من الأدوار التي تقوم بها تلك الميليشيات على الأرض، وحرصها على استمرار التنسيق مع تركيا من أجل دعم فرص الوصول إلى مثل تلك التسوية خلال الفترة المقبلة. وبالتوازي مع ذلك، لا يبدو أن نشر الولايات المتحدة الأمريكية المدمرة البحرية «يو إس إس كول» أمام السواحل اليمنية بهدف حماية الملاحة الدولية في باب المندب، منفصلا عن التصعيد مع إيران وعن اتجاه الإدارة الأمريكية إلى التركيز على تدخلات إيران السلبية في الأزمات الإقليمية المختلفة، وإلقاء مزيد من الضوء على الأدوار السلبية التي يقوم بها «الحرس الثوري» في تلك الأزمات عندما وجهت له في ذلك اتهامات بالاسم، وهنا نحن أمام مشهد يفتح أبعاد صراعات المنطقة أمام معطيات جديدة تماما وبدأ طرح ما كان مسكوتا عنه طوال عهد الإدارة الأمريكية السابقة، لكن يظل التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك المعطيات، فهل يمكن بالفعل للإدارة الجديدة أن تنسف الاتفاق النووي بعد اعتماده دوليا ويعود الموقف مع طهران لنقطة الصفر، ولأي مدى يمكن حصار وتقويض مشروع «الحرس الثوري»، وهو قد مثل مؤخرا رأس الحربة الفاعلة في التأثير الإيراني داخل ملفات دول الأزمات، فلا يتصور أن تتخلى عنه طهران أو تسمح بنزع أنيابه ومخالبه وميزانياته وتسليحه فيما يماثل اليوم ما هو أقوى من دول عديدة بالمنطقة، أم أن كل ما سبق لا يغدو كونه اختبارا مبدئيا للنوايا من كلا الطرفين، سرعان ما سيصلون به إلى نقطة منتصف تمكنهم من البدء في صياغة شكل جديد للعلاقة من دون الدخول في تصعيد حقيقي، الأسئلة مفتوحة ومشروعة والإقليم يغلي بحثا عن تسويات هنا وهناك، والضلوع الإيراني يحتاج بالفعل لما هو جديد في حال الرهان للوصول إلى نقطة استقرار .. فهل تأتى؟

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة