حوار: صلاح البيلي
الشيخ محمد رفعت أفضل قارئ عرفته مصر
القراء الجدد يقلدون ويزعقون
قرأت القرآن في جوف الكعبة وتم تكريمي في السعودية والإمارات ولم يتم تكريمي في مصر
الشيخ عبد الباسط احتضنني عندما ظهرت وأحب صوته
اضطررت لرفع أجري حتى لا يطلبني كل من هب ودب
عندما انطلق صوته عبر شرائط الكاسيت في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشري، وهو ظاهرة في دنيا تلاوة القرآن الكريم.
إنه القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي نقيب القراء حاليًا، وآخر جيل القراء الكبار الموهوبين، الذي يبدأ عامه الـ84 هذه الأيام ويقف الآن شاهدًا على عصر من تلاوة القرآن الكريم.
يصف الطبلاوي ظهوره بالقنبلة التي فرقعت وحاليا اعتزل القراءة احتراما لتاريخه، كما يقول، لكنه يعيش راضيا فقد سجل القرآن المجود والمرتل والمعلم، وزار بلاد الدنيا وقرأ في جوف الكعبة وحقق الشهرة والمكانة، لكنه كنقيب للقراء غاضب من وزير الأوقاف الذي لا يدعم النقابة إلا بخمسين ألف جنيه سنويا وهو مبلغ هزيل لا يكفي معاشات نحو ثمانية آلاف عضو يأخذ أحدهم شهريا أربعين جنيها فقط.. فإلى تفاصيل الحوار.
الآن وقد شارفت على الرابعة والثمانين.. كيف تقضي وقتك وكيف تباشر نقابة القراء والحياة عموما؟
أباشر مصالحي العادية حيث أخرج من بيتي هنا في ميت عقبة لأذهب إلى مسجدي في الهرم حيث رفضت ضمه للأوقاف وأتولى أنا الإنفاق الكامل عليه وأباشر بنفسي الإنفاق على الفقراء والمحتاجين على قدر المستطاع، وقد رفضت السفر والليالي لأني شبعت من الدنيا والسفر والشهرة وكل شيء.
معنى ذلك أنك كقارئ رسمي للأزهر لا تذهب إليه؟
أذهب مرة في الشهر، لكنني لا أقرأ بل أطلب من الشيخ محمد ناصر أن يقرأ بدلا مني أو ابني محمد، وكذلك في السهرات والليالي لا أذهب إلا مجاملة أو قد أدفع بابني محمد ليقرأ مجاملة وأصنع هذا مع الأصدقاء.
بذلك فأنت لم تعد تقرأ مطلقا أليس كذلك؟
من الأفضل لي في هذه السن أن أعتزل احترامًا لنفسي وقيمتي وحتى لا أهين نفسي، وبارك الله فيما رزق، لقد أكملت الـ 83 سنة وأديت رسالتي.
هل تشعر بالرضا عن نفسك ومشوارك؟
الحمد لله وبالقناعة والاكتفاء الذاتي وعدم احتياجي لأحد حتى أولادي أكون سلطان زماني فأبنائي أقرب الناس إلي لست محتاجا إليهم فماذا أريد أكثر من ذلك.
كم عدد أولادك؟
لي 13 ابنًا وابنة من ثلاث زيجات وكلهن على ذمتي.. الأولى أنجبت منها عشرة والثانية أنجبت منها اثنين والثالثة أنجبت منها آخر العنقود ابني عمر وواحدة من بناتي ناظرة مدرسة وهيام ابنتي محفظة للقرآن ومنشدة وكلهم يحفظون أجزاء من القرآن الكريم وقد حفظتهم بنفسي.
من يتولى مسؤلية (دار الطبلاوي لتحفيظ القرآن) الموجودة أسفل بيتك في ميت عقبة؟
ابنتي هيام فهي، محفظة ومنشدة وكل من حفظ القرآن كاملا أختبره وأمنحه شهادة بذلك.
من أكثر أولادك الذكور قربًا من صوتك وموهبتك؟
محمد ابني خليفتي وقارئ جيد رغم أنه تخرج في كلية التجارة وعنده نفسي الطويل وبصمة صوتي، وكلما كان نفَس القارئ طويلًا، كانت شعبيته أكبر، وهو عضو معي في نقابة القراء وأرى فيه شبابي.
هل تتذكر يوم ظهرت فجأة؟
نعم كان ذلك في منتصف السبعينيات وكنت أقرأ في صلاة الجمعة بالمحلة الكبرى وكانت القراءة منقولة على الهواء مباشرة إذاعة وتليفزيونًا، وربنا أتى بالفتوح وكنت كمثل (قنبلة وفرقعت) وطارت شهرتي في كل مكان، وبدأت شركات الكاسيت تطلبني فسجلت عشرات الشرائط لشركة (عايدة فون) وكان المنتج اسمه رمضان وابنته اسمها عايدة، وبدأت الناس تطلبني في كل مكان لدرجة اضطررت معها لرفع أجري حتى لا يطلبني كل من هب ودب، ولا أجهد صوتي وأتعب نفسي، ومع ذلك كانت الأجور تتفاوت وأنا لا أبيع البطيخ بل حامل للقرآن، وكنت أعمل بالمثل القائل: (كل برغوت على قد دمه).
عندما ظهرت كان جيل العمالقة موجودًا ويقرؤون.. فمن احتضنك منهم؟
أذكر بالخير الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أخي الأكبر وصديقي فيما بعد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، وشرفت بالقراءة معهما وأحب صوتهما.
ألم تكن مسألة أجرك الكبير سببا في رفع أجور كل القراء العظام الذين كانوا كلهم بلا استثناء تحت الـ500 جنيه ورفعوها؟
أنا لم أطرق باب أحد وكانت الناس هي التي تطلبني، وكنت أطلب ما أريد فيلبون طلبي، وكان مبدئي ليلتين ثلاثة في الشهر أبرك من القراءة كل ليلة
كم كان أجرك آنذاك؟
لا أذكر
هل تسمع نفسك حاليا؟
لا وأحيانا يقولون لي إنني أقرأ في الراديو فلا أهتم.
من أفضل قارئ في مصر؟
الشيخ محمد رفعت أفضل صوت عرفته مصر في القرآن لتقواه وخشوعه وخوفه من الله واتصاله به، وما خرج من القلب وصل للقلب بعكس من "يزعقون" حاليًا وهم كثير ولا بصمة لهم.
من نائبك في نقابة القراء؟
كان الشيخ د. فرج الله الشاذلي وهو قارئ محترم، ثم صار الشيخ حلمي الجمل.
فما وضع نقابة القراء حاليا؟
في حالة بؤس فلدينا نحو ثمانية آلاف قارئ ومُحفِّظ والمعاش فقط أربعون جنيهًا في الشهر، وهو مبلغ لا يليق بحامل كتاب الله، والدعم الذي نتحصل عليه من وزارة الأوقاف سنويا لا يتعدى خمسين ألف جنيه، وعلى رأي المثل: (إللي في الدست تجيبه المغرفة) أي نجود بالموجود والدست عندنا فاضي، وتكلمت كثيرا مع المسئولين دون جدوى، فغالبية القراء غلابة ونحاول علاجهم في مستشفى الدعاة، والمقر إيجاره الشهري ثلاثة آلاف جنيه وأحاول المساعدة من جيبي وكذلك الشيخ فرج الله الشاذلي وحلمي الجمل ، أما وزير الأوقاف مختار جمعة فكأنه ضد النقابة ولا يهتم بنا وللأسف لمحدودية الميزانية لا نستطيع القيام بأي نشاط اجتماعي أو صحي أو تنظيم رحلات حج وعمرة !
من تسمع من الأصوات القديمة والمعاصرة؟
أسمع محمد صديق المنشاوي ومنصور الشامي الدمنهوري ومحمود الخشت وحلمي الجمل.
لماذا برأيك كَثُر القُرّاء وقل الموهوبون؟
لأنهم يقلدون بعضهم البعض ويقلدون الكبار ولا أعرف أحدهم إذا قرأ في الإذاعة إلا بعد أن يختم ويذكر المذيع اسمه، وللأسف كلهم (بيزعقوا) والناس يحبون ذلك ومحمود السعدني قال عني يوم ظهرت إني آخر حبة في سبحة القراء القدامى لأنني لم أقلد أحدا.
قراءة القرآن هل هي من القلب أم من الرأس؟
الأصل أن قراءة القرآن من القلب ولذلك الناس يحبون صوت الشيخ رفعت.
لماذا غابت المواهب بين قراء القرآن الكريم؟
كما غابت في كل المجالات، هل ظهرت موهبة مثل أم كلثوم أو عبد الوهاب؟
معنى ذلك أن مدرسة التلاوة المصرية انتهت بكم؟
لا فقد تظهر موهبة جديدة (ويخلق ما لا تعلمون).
ما أهم الأماكن التي قرأت فيه؟
في جوف الكعبة عندما حضرت غسيلها في ثمانينات القرن العشرين، بدعوة من الملك خالد، وكان المفتاح مع رجل من (آل شيبة) وأدخلني لأقرأ (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)
كم مرة أديت فريضة الحج؟
21 مرة واعتمرت كثيرا
هل كُرمت بجوائز؟
الملك خالد كرمني والشيخ زايد في الإمارات ورفيق الحريري في لبنان وزرت العالم كله وكرمتني الجاليات الإسلامية في الدول الغربية، أما في مصر فقد زرت كل المدن ولم يتم تكريمي من الدولة.
هل لك ذكريات مع الأزهر وما رأيك في الهجوم عليه؟
التقيت الشيخ صالح الجعفري زمان، وهو من الأولياء وبشرني بأني سأصبح القارئ الرسمي للأزهر، وهو قلعة الإسلام في العالم كله وهو معروف بأنه ضد الإرهاب والتطرف، ولذلك لا يصح الطعن فيه والحلال بيِّن والحرام بيِّن، وكل واحد عليه نفسه يحاسبها قبل أن يحاسب غيره (يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم).
من صاحب الفضل الأول عليك؟
بعد المولى سبحانه وتعالى، والدي الذي ذهب بي لكتاب الشيخ غنيم عبيد الزهوي في ميت عقبة، فقرأت وحفظت القرآن على يديه والحفظ ليس بالدلع والطبطبة، بل بالشدة والقسوة والمتابعة وكان والدي يصنع ذلك معي وهذا ما صنعته مع أولادي لأن الطفل الصغير تكون دماغه في اللعب وإن لم يؤخذ بالشدة فسد.