الإثنين 29 ابريل 2024

«المصور» ينشر مقالا عمره (٦٧ عاما) يؤكد مصرية تيران وصنافير

16-2-2017 | 11:17

شكلت جزر خليج العقبة (فرعون – تيران – صنافير) خلال العصور الوسطى جزءا مهما من سياسة الدولة البيزنطية الدفاعية عن حدودها على البحر الأحمر، وإن غلبت عليها المصالح الاقتصادية أحيانا، حيث كانت تلك الجزر تمثل محطات مهمة للسفن العابرة بين الشواطىء العربية فى شبه الجزيرة العربية، والشواطىء المصرية التى كانت تشكل جزءا من هذه الإمبراطورية البيزنطية، كما أن الدولة البيزنطية كانت قد أنشأت فى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس أهم الأديرة فى الإمبراطورية قاطبة وهو دير سانت كاترين، فكان لابد من حماية الدير والمناطق المحيطة به.

ومن هنا رأت الدولة البيزنطية أهمية دينية للمنطقة الواقعة جنوب سيناء، وزادت الأهمية حين رأت أهمية اقتصادية للاستفادة من السفن العابرة لجنوب خليج العقبة، فوضعت فى تيران محطة جمركية، فازدهرت المنطقة نتيجة هذا الاهتمام البيزنطى خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين.

ومع الفتح الإسلامي استمرت تلك المنطقة فى أهميتها، وإن زالت عنها النقطة الجمركية، إلا أنها ظلت مهمة لحركة السفن العابرة بين الشواطىء العربية والمصرية، حيث كانت تلجأ إليها السفن نتيجة لكون تلك المنطقة منطقة رياح عاتية، فكانت السفن تعتبر تيران وصنافير مرفأين مهمين لراحة السفن ريثما تنتهى موجات الرياح.

وخلال فترة الحروب الصليبية، كانت تيران وصنافير وفرعون تشكل جزءاً مهماً من استراتيجية صلاح الدين الأيوبي خلال حروبه مع الصليبيين، فأنشأ صلاح الدين قلعة فى جزيرة فرعون لا تزال أطلالها موجودة إلى اليوم، وحافظ صلاح الدين الأيوبي وخلفاؤه على البحر الأحمر أن يظل بحيرة إسلامية نظرا لوقوع الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة على شواطيء هذا البحر، كما أنه كان مجالا لحركة الحجاج المسلمين.

وإذا انتقلنا إلى العصر العثمانى نرى أن أمن البحر الأحمر كان منوطا بقبطان السويس، الذى كانت مهمته الحفاظ على إسلامية البحر الأحمر، وكانت مصر تنفق على أمن وسلامة هذا البحر من خزينتها، واستمر الحال حتى عصر محمد على باشا (١٨٠٥-١٨٤٨) الذى تمكن من السيطرة الكاملة على الحجاز منذ عام ١٨١١، وحين فرضت الدول العظمى معاهدة لندن ١٨٤٠ على محمد على سحب قواته من المناطق التى احتلها فى شبه الجزيرة العربية والشام والأناضول، فانسحب محمد على من هذه المناطق فيما عدا شمال الحجاز فقد أبقى به القوات المصرية نظرا لوقوع هذه المنطقة على طريق الحجاج المصريين إلى مكة والمدينة، فظلت مناطق الوجه وضبا والمويلح والعقبة فى غرب خليج العقبة مناطق مصرية خالصة، أى أن خليج العقبة كله بشواطئه الشرقية والغربية كان خليجا مصريا طوال القرن التاسع عشر، حتى أزمة فرمان تولية عباس حلمى الثاني (١٨٩٢-١٩١٤) والتى أسفرت عن تنازل مصر عن تلك المناطق وأصبحت العقبة هى آخر حدود مصر الشرقية.

وخلال عام ١٩٠٦ كانت الدولة العثمانية تطمع فى سيناء وتيران وصنافير، إلا أن بريطانيا وقفت إلى جانب مصر، حيث كانت ترى فى أى اقتراب عثمانى فى عمق سيناء أو خليج العقبة يشكل تهديدا مباشرا لقناة السويس خاصة وتيران وصنافير تقعان فى مدخل خليج العقبة، وعلى مقربة من مدخل خليج السويس، الذى يشكل شريان الحياة للقناة، وأجبرت الدولة العثمانية على ترسيم الحدود الشرقية، ولم تتخل لا عن سيناء ولا عن تيران وصنافير.

وما أن اندلعت حرب فلسطين عام ١٩٤٨، وأثناء الهدنة التى عقدتها إسرائيل عام ١٩٤٩، خرقت إسرائيل الهدنة واستولت على قرية أم الرشراش (ميناء إيلات حاليا)، وبذلك أصبح لها منفذ على خليج العقبة والبحر الأحمر، ومن هنا استشعرت مصر بالخطر، ومعها الدول المشاركة فى الحرب منها السعودية والأردن اللتان تطلان على خليج العقبة، ومن ثم فكرت مصر فى استخدام جزر خليج العقبة استخداما استراتيجيا فى علاقتها مع إسرائيل.

وزاد من القلق المصري أن جريدة الأهرام القاهرية نشرت فى عددها الصادر فى ١٢ يناير ١٩٥٠ خبرا حول المطامع الإسرائيلية فى جزيرتي تيران وصنافير، حيث أشارت إلى أن نائبا إسرائيليا أعلن فى الكنيست الإسرائيلي أن هناك جزيرتين فى مدخل خليج العقبة لا ترفرف عليها علم أية دولة، وحث حكومته على الاستيلاء عليهما.

وفى اليوم نفسه (١٢ يناير) كتب المستشار وحيد رأفت (المستشار فى مجلس الدولة آنذاك) مذكرة يحدد فيها الخطوات اللازمة لرفع العلم المصري على هاتين الجزيرتين، فحث وزارة الخارجية على خطورة ترك الجزيرتين بدون قوة تحميهما، حيث ستصبح مطمعا لليهود، ورسم الخطوات العملية التى تتركز على إصدار الأوامر إلى البحرية المصرية بالاستيلاء على الجزيرتين وإبلاغ المملكة العربية السعودية بما تم اتخاذه من إجراءات لأنها شريكة لنا فى حرب ١٩٤٨ من ناحية، وأن المستشار رأفت نفسه يرى أن الاحتمال الأكبر أنها جزر مصرية، وبعد رفع العلم عليهما يتم إبلاغ الدول بأن الجزيرتين جزء من الأراضى المصرية، وأن أى اعتداء عليهما هو اعتداء على مصر.

وأخذت الحكومة المصرية مذكرة المستشار وحيد رأفت مأخذ الجد، وبدأت بالفعل فى اتخاذ الخطوات لرفع العلم عليهما، فأرسلت فى ١٧ يناير لجنة عسكرية لاستكشاف الجزيرتين ومعرفة المناطق الصالحة لرسو السفن وإقامة الجنود .. والوسائل الممكنة للدفاع عنهما. وأرسلت وزارة الحربية فى الوقت نفسه تستعلم من الخارجية حول مصرية الجزيرتين من عدمه، وكان رد الخارجية فى يناير أنهما تتبعان الحدود المصرية، وقد استخدمت الوثائق لفظ احتلال للدلالة على التمركز على الجزيرتين، إلا أنه ليس بالاحتلال بالمعنى السياسى، وإنما بمعناه العسكرى الذى يعني احتلال النقطة المراد التمركز فيها حتى ولو كانت داخل الحدود المصرية، حيث ورد نفس اللفظ فى احتلال جزيرة فرعون وهى مصرية قبلها بشهر واحد تقريبا.

وفى الساعة ١١ وعشر دقائق يوم ٢٧ يناير ١٩٥٠ وصلت إشارة لاسلكية من البكباشى خضر يفيد بالاستيلاء على الغرض الأول (تيران) .. وفى الساعة الثانية وعشرين دقيقية تم الاستيلاء على النقطة الثانية (صنافير) ورفع العلم المصرى عليها، وقد برر اللواء مصطفى نصرت سبب رفع العلم على الجزيرتين بقوله «لتوكيد سيادتنا عليها، إذ أنها قبل ذلك لم يكن لها من الأهمية ما يستدعى احتلالها».

وإلى نص المقال الذى نشرته مجلة المصور فى عام ١٩٥٠م.

تيران وسنافر:

الجزيرتان اللتان احتلتهما مصر.. فى العقبة!

أذيع فى الأسبوع الماضى نبأ احتلال جنود الجيش المصرى لجزيرتى «تيران» و»سنافر» فى خليج العقبة، فما الذى يعرفه القارئ عن هاتين الجزيرتين؟..

إن صاحب اللسان الطويل، الذى يتكلم عندما تقتضى الحاجة السكوت، ويبوح بما يجب أن يكتم، ويطلق لثرثرته العنان بدل أن يلجم نفسه ويعمل متسترًا.. إن طويل اللسان هذا كثيرًا ما يضر قومه من حيث يريد أن ينفعهم، وكثيرًا ما يؤدى حمقه إلى عكس الغرض الذى ينشده، وهذا ما حدث لنائب يهودى أراد أن يضيف إلى دولة إسرائيل رقعة جديدة، فسارعت مصر إلى انتزاع اللقمة من فمه!

فقد وقف ذلك النائب فى مجلس نواب تل أبيب، ووجه إلى حكومته سؤالًا هذا معناه: «عند مدخل خليج العقبة جنوبًا، بين الساحلين المصرى والسعودى، توجد جزيرتان مهجورتان، لا يقيم فيهما أحد، ولا تهتم بهما حكومة من الحكومات.. فماذا ننتظر نحن لكى نحتلهما، ما دام لا أحد يريدهما»؟

وانطلق النائب يعدد مزايا الجزيرتين من الناحية الاستراتيجية، والفوائد التى يمكن أن تعود على إسرائيل فى المستقبل من احتلالهما وإقامة حامية يهودية فيهما، وحمل بعض الأسر على الإقامة فيهما، ولكن حكومة تل أبيب رفضت المناقشة فى الموضوع، أو على الأقل رفضت أن تكون المناقشة علنية.. ولا ندرى إذا كان وزراء إسرائيل قد اهتموا بسؤال النائب وبحثوه ودرسوه سرًا! ولكن الذى نعلمه أن ثرثرة هذا النائب جعلت الدوائر المصرية المختصة تهتم بسؤاله وتسارع إلى احتلال الجزيرتين قبل أن تحتلهما إسرائيل..

وكانت هذه العملية ضربة معلم!

فالجزيرتان اللتان لم تكن لهما أية أهمية حتى الآن، قد تصبحان مركزين حربيين جغرافيين عظيمين فى مستقبل قريب أو بعيد، بسبب قيام دولة إسرائيل فى فلسطين، وما ترمى إليه هذه الدولة التى قامت على العنف والعدوان من توسع فى الغد، سيكون بلا شك مشفوعًا بالعنف والعدوان أيضًا!..

هل يعيد التاريخ نفسه؟

عرفت الجزيرتين، ونزلت مرة فى الأولى، فى خلال الحرب العالمية السابقة، ومرة فيهما كلتيهما فى رحلة طويلة فى البحر الأحمر، بعد ذلك ببضعة أعوام.. وقد شاءت العناية الألهية أن تضع الجزيرتين فى موضعهما رحمة بمن تفاجئهم العواصف والأعاصير فى ذلك المكان من البحر، حيث الملاحة معرضة فى كل ساعة لأخطار فجائية كبيرة. والبحارة يحسبون دائمًا حسابًا خاصًا لهيجان البحر الأحمر تجاه «رأس محمد» الذى تنتهى به شبه جزيرة سيناء، والذى تقع الجزيرتان على مسافة نحو عشرة كيلو مترات منه على ما أظن، نحو الشرق، بين الساحلين المصرى والحجازى، فتشرفان على مدخل خليج العقبة وتتحكمان فيه.

وجزيرة «تيران» مكونة فى الواقع من جزيرتين ملتصقتين، تطفو المياه أحيانًا على اللسان الرابط بينهما، وتنحسر عنه أحيانًا أخرى. أما جزيرة «سنافر» التى يسميها البحارة العرب أيضًا «الصنافير» فإنها أصغر من الأولى حجمًا. والجزيرتان صخريتان بركانيتان لا ماء فيهما ولا عشب. وتكثر فيهما الطيور البحرية التى تعشش بين صخورهما وتبيض وتفقس، وكثيرًا ما تدفع الأمواج الهاجمة السمك الصغير إلى شاطئ الجزيرتين فيعلق بالأعشاب البحرية وبالحصى المتراكم على ذلك الشاطئ..

وليست هذه أول مرة تبدو فيها أهمية الجزيرتين من الناحية العسكرية الاستراتيجية. ففى أواخر القرن الثانى عشر، جهز القائد الصليبى «رينو دى شائيون» حملة بحرية وقام على رأس أسطول من العقبة لغزو الحجاز. وبعد أن احتل «جزيرة فرعون» فى شمال خليج العقبة، احتل أيضًا جزيرتى تيران وسنافر، ووضع فيهما حامية عسكرية قبضت على مفتاح الخليج وسيطرت على مدخله. وعندما جهز «الملك العادل» أخو «صلاح الدين» أسطولًا مصريا بقيادة «حسام الدين لؤلؤ» للقضاء على الأسطول الصليبى، كانت الجزيرتان من الأهداف التى هاجمها المصريون، فوقعت فيهما معركة بين جند «لؤلؤ» وجند «رينو دى شائيون»، وذلك فى أواخر سنة ١١٨٢.

وقد يعيد التاريخ نفسه، وتقوم حملة صهيونية مثل الحملة الصليبية، وينازلها أسطول مصرى مثل أسطول حسام الدين.. وقد تقع معركة أخرى فى جزيرتى «تيران» و»سنافر» كتلك المعركة التى وقعت فيهما منذ سبعة أجيال ونصف!

وفى جزيرة «تيران» أماكن تتراكم فيها الصخور بشكل هندسى يحمل على الاعتقاد بأنها بقايا استحكامات أنشأها هناك الصليبيون أو المصريون فى ذلك الوقت..

ذكريات رحلة!

كنا ثمانية من الرفاق عندما قذفت بنا التيارات البحرية من «رأس محمد» إلى جزيرة «تيران»، فى مركبنا الشراعى، ما عدا البحارة أنفسهم. وأقمنا فى الجزيرة خمسة أيام فطفنا فى أرجائها، ولو لم يكن فى المركب ما يكفينا من ماء وزاد، لمتنا من العطش ولما وجدنا فى الجزيرة غير لحوم الطيور نقتات بها والسمك وبيض الحمام البرى. وقد اصطدنا فى تيران اليمام والحجل. أما السمك، فيكفى لصيده أن تلقى الشبكة الشاطئ أو تترك الصنارة فى الماء دقيقة واحدة!

وما كنت أظن، عندما نزلت مع رفاقى مضطرين فى جزيرة تيران، أننى سأعود إليها مختارًا بعد أعوام مع رفاق آخرين فى رحلة للصيد.. وفى هذه الرحلة، انتقلت من «تيران» إلى «سنافر» أو «الصنافير» فى زورق قطع المسافة بين الجزيرتين فى ساعة ونصف. و»سنافر» مثل جارتها الكبرى وعرة جرداء جدباء..

وما كنت أظن أيضًا، وقتئذ، أننى سأعود إلى التحدث عن الجزيرتين، وأن ذكرهما سيطوف مرة أخرى على لسانى، ويطفو على سطح ذاكرتى، بمناسبة نزول الجنود المصريين فيهما لاحتلالهما قبل أن يحتلهما يهود إسرائيل!

فالقوات المصرية تحتل الآن الجزر الثلاث التى قد يكون لها أهمية فى مستقبل الأيام: جزيرة «فرعون» تجاه العقبة. وأمام الحدود المصرية التى تفصلها عن حدود شرق الأردن رقعة من طرف النقب يحتلها اليهود ويتصلون بطريقها بالبحر الأحمر، وجزيرة «تيران» وجارتها جزيرة «سنافر»، وهما اللتان تتحكمان بمدخل الخليج جنوبًا، فضلًا عن أن مصر تمتلك سيناء التى يمتد ساحلها الشرقى على طول خليج العقبة من الشمال إلى الجنوب. وإذا ما شرعت إسرائيل فى تحقيق ما يجول بخاطر رجالها من مطامع، وإذا ما حدثتها نفسها بالعودة إلى العدوان والرغبة فى التوسع على حساب الجيران، وفتح طريق البحر الأحمر نحو الشرق، فإن مصر بفضل هذه المواقع التى ذكرناها. سيكون بوسعها أن تصد العدوان وأن توقف الطامعين عند حدهم، كما حدث ذلك مرة فى التاريخ فى عهد الحروب الصليبية!

 

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa