الأحد 28 ابريل 2024

الابتكار بين قائد يريد ضمانه وبين مدير يريد ضمان كرسيه!

مقالات6-5-2023 | 00:35

أ.د. غادة محمد عامر عميد كلية الهندسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وزميل أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا

إن المفهوم الصحيح الابتكار أنه ليس اختراع وليس اكتشاف علمي ولا تطوير معدلات رياضية ولا أفكار فقط، إنما هو التطبيق العملي لكل ما سبق لأجل عمل التغير الإيجابي، ولتقديم الافضل في كل شيء، ولخدمة ليس المجتمع الذي ينتمي الية فقط، وإنما البشرية جمعاء.

لذلك فإن تفعيل الابتكار وخلق معرفة ليس بالأمر السهل، أنما هو عملية تحتاج لمجهود وفكر مستنير ومحاولات مستميته وايضا مخاطره، لأنك لعمل ابتكار عليك في أغلب الاحيان كسر القواعد التي وضعتها لنفسك أو وضعتها البيئة المحيطة بك.

وهذا في عصرنا كفيل أن يزيل أي مدير في أي مؤسسة بيروقراطية، الصوت الأعلى فيها لمجالس متهالكة تعمل بكل قوتها ضد أي تقدم أو تطور، خشية منها على فقد القيمة الزجاجية التي يتخفون ورائها، وهذا - بمنظور متعلقي الكراسي – مخاطره.

لذلك نجد أن الابتكار لن يُفعل لو تم تركه في أيدي مدير كل همه إرضاء هذا النوع من المجالس أو المستشيرين للمحافظة على كرسيه!

من وجهة نظري أن نقص الابتكار في منطقتنا العربية ليس بسبب قلة خبرة بعض الحكومات كمنظومة فقط، فبالنظر الي دول عربية كثيرة، تجد قيادة بعض هذه الدول تحاول بكل الطرق خلق بيئة داعمة وقوية للابتكار الوطني، عن طريق انشاء مراكز متقدمة، وهيئات ومجالس، وتخلق لها التشريعات التي تضمن قوتها، وتحاول جاهدة توفير الدعم المادي الازم لها، وتجدها تكرم أي فرد يمتلك أي فكر او ابتكار (إذا عرفت به).

إنما النقص أيضا هو نتيجة حتمية للأسلوب المتبع ممن يديرون  تلك المنظومات؛ لأنه إما أن تكون تلك القيادة موظف اعتيادي ليس له فكر وغير قابل للتعلم او التطور، فيكون هو نفسه ضد أي فكر ابتكاري جديد، لأنه يشعر ان هذا الفكر يحرجه أمام القيادات الأعلى وبالتالي ممكن أي يفقده كرسيه، فيحارب هذا الفكر بكل قوة.

إما أن يكون عنده فكر، لكنه ليس جريئا، فيسيطر عليه مجالس ومستشارين من العصر الحجري، يرون أن أي صاحب فكر أو تغير هو تهديد لبقائهم، لذلك عليهم وضع القواعد والقوانين التي تحاك بعناية فائقة لقتل أي فكر ابتكاري في المهد، والتي تتغير حسب المصلحة، بل والأخطر اضفاء صبغة المجنون أو المشاغب على أي شخص ممكن ان يظهر عليه أي بوادر فكر ابتكاري.

وللأسف هذه المجالس يكون لديها من الدهاء على اقناع هذا المدير، إنهم عندهم ليس فقط مفاتيح بقائه على كرسيه أكبر مدة، وإنما لديهم الدرع الواقي أمام أي مخالفات سواء مالية أو إدارية لأنهم أصحاب الخبرة (من حيث عدد السنين، وليس التطور والتعلم والتجديد)، فيجد هذا المدير نفسه ليس لديه سبيل الا الدخول معهم في كهوفهم المظلمة، والتعاون معهم بكل كفاءة وإخلاص على هدم أي فكر جديد.

لذلك لو قررت أي حكومة أن تفعل وتدعم الابتكار الوطني، عليها أولا -وبشكل أساسي- تعيين الاشخاص المناسبين أصحاب الرؤية الذين يرون المنصب تكليف وليس تشريف، اللذين عملوا في جهات مختلفة وثقافات متجددة، والذين يمتلكون المواهب ولديهم القدرة على التخيل والابداع، وعلى حل المشاكل لا تصديرها، ويستطيعون أن ينجزوا أي عمل يكلفون به ويضيفون إليه، ويكونوا ماهرين في الاتصال وقادرين على بناء فرق العمل، ويؤمنون بأهمية التنفيذ والمحاولة، ولا يخشون الفشل، ويتحملون المسؤولية عن أي قرار حتي لو كان خاطئا.

هذه الشخصيات يكون لديها القدرة على تدريب كل من حولها على كل ما تعرفه، ويمتازوا بصناعة القرارات الصائبة لمصلحة المكان، والوطن، ولا يخشون النقد، بل يخشون فقط الله. وبالتأكيد يكون لهذه الشخصيات عقلية تشجيع كل التابعين لها على الابتكار وطرح الحلول للمشكلات المستعصية، شخصية تعرف أن تحدد المسؤوليات ولا تسمح بالتضارب وبالتالي تقلل الخلافات بين فريق العمل، هي شخصية تكون مؤمنه أن الابتكارات والانجازات العظيمة تحتاج الي تعاون الكثير من جميع الأيدي، وأن العنصر البشري المبتكر هو القوه المطلقة للجهات الناجحة، شخصية لا يكون هدفها هو تحديد الاجابات الصحيحة أو الخاطئة، بل هدفها هو ايجاد واكتشاف الامكانيات المتعددة لحل المشاكل أو لتقديم خدمات متنوعه لإسعاد كل ذات علاقة بالجهة التي يقودها، هؤلاء يطلق عليهم القيادات الابتكارية.

ولكن ليس تعين القيادة الابتكارية سيكون السبب في تفعيل منظومة الابتكار الوطني فقط، لكن على الحكومة دعم هذا القائد عن طريق اعطاءه الصلاحية لكسر حلقة البيروقراطية، ومحاربة الفساد (أي لا يجد نفسه مضطرا لعمل أي تجاوز تحت أي مسمي، حتى لو دعم أو تعيين أو مجاملة أي شخص) لان الفساد مهما كان بسيط يكون تأثيره خطير جدا على القائد والمنظومة. ونصيحة لكل من يجد نفسه في موقع قيادة، صدقني أنت راحل راحل، سواء بحكم الزمن او بحكم تغير المزاج العام أو بقضاء الله، لذلك لو أردت ان تبقي حقيقي في منصب القيادة الدائم - قلوب الناس- عليك بخدمة الناس، عن طريق دعم الاشخاص الذين يفكرون خارج السرب بشكل ايجابي ونافع، لبناء مجتمع مفكر مبدع مبتكر، هذا هو الكرسي الذي عليك ضمانه فقط!.

Dr.Randa
Dr.Radwa