كان البيت هادئًا فالجميع بالخارج وأنا عائدة لتوي من مدرستي في آخر يوم من أيام امتحاناتي، ألقيت بما في يدي من أدوات، وأنا أشعر برغبة كبيرة في الانتقام من ساعات التعب التي مرت بي في الأيام السابقة، ساعات طويلة مضت ما بين سهر وإرهاق سيطرا كثيرًا على، ساعات طويلة نالت من حريتي وراحتي بعد أن استعدت جميع المواد لمبارزتي، فتحقيق النجاح كان يشبه معركة كبرى تتم على أرض وعرة وكان على أن أخوض معركتي هذه وحدي.
تناولت بعضًا من طعامي الذي عدت به كما هو من مدرستي، فكانت أسوأ عاداتي حين أشعر بالتوتر لأي سبب أو أجد نفسي تحت أي ضغط أن أتوقف عن تناول الطعام كأنها وسيلة تعبيري الوحيدة عن مدى خوفي، خلعت ملابس المدرسة وأنا أقول في نفسي أخيرًا سأرتاح منك لفترة ربما تكفيني لاستعادة راحتي وتوازني النفسي، فكل هواياتي المؤجلة ستأتيني من الليلة لترحب بي بعد أن طال فراقي لها واغترابي حتى عن نفسي.
كان الوقت بين العصر والمغرب وكنت في حاجة ماسة للنوم، وبما أنني كنت أعيش في بيت عائلتي فلم يكن مفهوم غلق الأبواب ضمن اهتماماتي، فهناك بوابة كبيرة مغلقة بالخارج ويبدو أنني قد تركت باب الشقة مواربًا حين قررت أن أخلد إلى النوم، كان السرير بدورين وله سلم خشبي، صعدت للأعلى من أجل توفير المزيد من الشعور بالراحة أكثر لنفسي فإن عاد أحد من أفراد أسرتي أكون بالأعلى بعيدًا عن أي مصدر من مصادر الإزعاج والقلق.
وضعت رأسي على وسادتي لأذهب بعدها إلى مملكة النوم لأسكنها على الفور، مرت ساعات النهار ولم يأت أحد من أفراد أسرتي، عم الظلام المكان، ولم أنتبه قبل نومي أن أترك مفتاحًا لأي من مصابيح الكهرباء مفتوحًا، وها هى قد غريت الشمس أما أنا فما زلت غارقة في نومي، فإذا بصوت قطة يتردد بين الحين والآخر عبر مسامعي ليخطف النوم من عيني فأحدث نفسي بأن هذا قد يكون حلمًا يمر بي ولا أكترث للأمر عائدة مرة أخرى إلى نومي.
" النوم سلطان" كما يقولون عنه، لذلك فقد قمت بالاستسلام لسلطانه منتصرة بجبروته على كل مخاوفي، وفجأة أحسست بخطوات كائن له أربعة أقدام يمر بها بكل ثقة فوق ظهري، يصدر صوتًا لم تجرؤ أذني على تجاهله في هذه المرة، فانتفضت مسرعة بعد أن تملكني الفزع، فتحت عيناي لأجد عينان تضيئان في الظلام وأيقنت لحظتها أن ما سمعته لم يكن حلمًا وإنما هو واقع مؤلم للأسف.
وكأي لاعبة أكروبات محترفة قفزت للأسفل في ثوان فلم يكن الموقف يسمح لي بالنزول على درجات السلم الخشبي، فرت القطة إلى الخارج بعد أن أخذت معها نصيبًا عظيمًا من وقاري واتزاني النفسي، كأنها كسبت رهانًا أبرمته مع أقرانها بأنها قادرة برغم ضعفها وضآلة حجمها على إيقاظ مارد مثلي، لتلتف أرجله فوق بعضها من بعد فزعه ليسقط مهزومًا بسببها على الأرض.
وفي المساء تجمعنا كعادتنا ودارت حوارات عديدة شاركت فيها ولكني قررت أن أخفي عن الجميع هذا الموقف واعتبره كأن لم يكن، حتى دخلت جدتي وهى تسأل عن هذا الصوت الذي سمعته من قبل ساعات لشيء ثقيل قد ارتطم بالأرض حيث قالت : " النهارده في المغربية الشقة كانت مضلمة ومفيش حد منكم كان موجود بس أنا سمعت صوت حاجة جامدة دبت على الأرض".
أكملت جدتي جملتها فأنكر الجميع عليها روايتها حين قالوا : "لا مفيش حاجة وقعت في الشقة يمكن انتي بس اللي اتهيألك قالت: يمكن يا ولاد" وعندها أغلقت فمي تمامًا خشية أن تفر كلماتي لتخبرهم عما حدث لي، وللآن ما زلت أشعر بأن لي مع القطط ثأرًا قديمًا بعد أن تسللت واحدة منهم إلى سريري يومًا لتوقظني وتخطف النوم من عيني مثيرة للرعب في نفسي.