تحل اليوم ، ذكرى ميلاد الكاتب والأديب الكبير يوسف إدريس، حيث ولد في 19 مايو 1927 بالبيروم، الشرقية، والذي يمثل واحد من أدباء مصر، ممن أثروا الأدب العربي الحديث، بالعديد من القصص، والروايات، والمسرحيات، وبكل ماخطه قلمه.
«تشيخوف العرب»
ولقب يوسف إدريس بـ أمير القصة القصيرة، ولقب أيضا بـ «تشيخوف العرب»، وتسجل تجربته الإبداعية بحروف من نور في الإنتاج القصصي محليًا وعربيًا وعالميًا.
كان يوسف إدريس، في صغره مغرمًا بعلوم الكيمياء ويحلم بأن يصبح طبيبًا، وقد دفعه ذلك للتفوق والالتحاق بكلية الطب، وحصل على بكالوريوس الطب من جامعة فؤاد الأول، عام 1947، وتخصص في الطب النفسي، و شهدت الجامعة انحيازه السياسي ونضاله ضد الاحتلال البريطاني، ثم تم تعيينه في قصر العيني، لكنه استقال سنة 1960 بعد أن التحق بالعمل بجريدة الجمهورية ثم الأهرام وقرر التفرغ للكتابة.
بدء رحلة الأديب
ونشر إدريس أولى قصصه «أنشودة الغرباء»عام 1950، ثم صدرت مجموعته الأولى «أرخص الليالي» عام 1954، وبعد ذلك، نشر أعمالا أخرى كثيرة بين القصة والرواية والمسرحية والمقال.
كان «يوسف» شديد الاعتزاز بنفسه وبكتاباته حتى أنه بالغ في ذلك بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وقال إنه كان أجدر بها منه، وتحولت معظم رواياته إلى أفلام سينمائية.
وكتب إدريس العديد من المسرحيات التي حصلت على جوائز عديدة، وتمت الإشارة إلى الفوارق بين إدريس ومحفوظ في قدرة كل منهما على الالتقاط والتدوين والتورط المجتمعي وسمات الشخصية.
واستطاع يوسف إدريس تثبيت أقدام القصة القصيرة ونقلها من المحلية إلى العالمية، فخلق قصة عربيّة، بلغة عربية مصرية قريبة من لغة الإنسان العادي وبذلك نقلها من برجها العاجي إلى لغة التخاطب اليومي، وركز على نمطين من أنماط الشّخصيّة القصصيّة وهما: شخصيّة المرأة باعتبارها عنصرًا مهمشًا أكثر من غيره، فنذر حياته للدّفاع عنها وللكتابة من أجلها، أما النمط الثاني فهو الشّخصيات الرجولية وهي شخصيات، في معظم الحالات، من قاعدة الهرم، من الشريحة المظلومة في المجتمع المصري وهي تمثيل للإنسان المصري الذي يعيش على هامش الحياة المصرية بكل مستوياتها.
يوسف إدريس والدراما المصرية بالسينما والتلفزيون
وأصدر أمير القصة القصيرة أكثر من 20 مجموعة قصصية، من أشهرها «حادثة شرف» و«النداهة» و«اقتلها، كما قدم للمسرح كل من «المخططين» و«الفرافير» و«البهلوان»، « المهزلة الأرضية».
وأصدر العديد من الكتب التي تضم المقالات الأدبية والسياسية والفكرية، منها كتاب «فقر الفكر وفكر الفقر»، و«أهمية أن نتثقف يا ناس» و«انطباعات مستفزة»، وفي كتابه «جبرتي الستينات»، وثق ما مر عليه من تحولات سياسية وفكرية خلال فترة الستينات من القرن الماضي «العشرين»، وذاعت إبداعات أدريس في مجالات أدبية وفنية متعددة ومتباينة.
وقدم يوسف إدريس للسينما، العديد من الأفلام،عن قصصه ورواياته: ومنها «الحرام» و«لا وقت للحب»، و«العيب»، و«قاع المدينة»، وشاهد جمهور الدراما المصرية والعربية في كافة دول العالم العربي المسلسل «سره الباتع» للمخرج خالد يوس، في رمضان عام 2023 في السباق الرمضاني الأخير، وقدم المسلسل مقتسبًا من رواية يوسف إدريس، بالاسم نفسه.
نضال سياسي وحضور ثوري
واشترك يوسف إدريس خلال سنوات دراسته في المظاهرات المعادية للاحتلال البريطاني، وللملك فاروق، واختير سكرتيرًا تنفيذيًا للجنة الدفاع عن الطلبة، ثم سكرتيرًا للجنة الطلبة عندما بدأ بإصدار المجلات الطلابية الثورية، وكتب أولى قصصه القصيرة التي لاقت إعجاب زملائه الطلاب.
وكان للأديب الراحل يوسف إدريس تاريخًا كبيرًا مع المعارك الثورية والتاريخ النضالي الكبير، وتبعا لأحد المصادر، إن الأديب الراحل سافر عام 1961، وذاع صيته ككاتب قصة قصيرة، سافر إلى الجزائر وانضم الثوار هناك، وحارب معهم من أجل الاستقلال وأصيب في أثناء المعارك بالجبل.
وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية، لاعتباره أهم كتّاب عصره، ورغم اهتمامه البالغ بالأدب إلا أنه ظل منشغلًا بالقضايا السياسية
وفي 1972 تعرض الأديب يوسف إدريس للتهميش إثر تعليقاته على الوضع السياسي في عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم عاد إليه بريقه مجددًا في أعقاب حرب أكتوبر 1973، كأحد كبار الكتّاب بجريدة الأهرام.
يوسف إدريس إلى العالمية
سافر يوسف إدريس عدة مرات إلى معظم العالم العربي وزار بين 1953 و1980 كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلاند وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. هو عضوٌ كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي، وترجمت مؤلفاته إلى 24 لغة عالمية، منها 65 قصة إلى اللغة الروسية.
يوسف إدريس في عيون الأدباء
وفُتن عميد الأدب العربي طه حسين بتجربة إدريس القصصية وبمجموعته الأشهر «أرخص ليالي»، وقال «أجد في إدريس من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء، مثلما وجدت في كتابه الأول «أرخص ليالي» من تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها».
وقال عن الشاعر عبد الرحمن الأبنودى يوسف إدريس: «يوسف حالة نادرة فى حياتنا الأدبية والعامة معًا، استحق ريادته لفن القصة القصيرة بجدارة، كان شخصية مقلقة شجاعة تكره النوم العربي وتسعى لإفزاع المواطن من واقعه البشع الذي تعود عليه وانس له».
وقال عنه الكاتب والروائي خيري شلبي:«إن ادريس مبتكر القصة العربية، واكتشف لهجة الحكي التي نستمتع بها في القرى والمقاهي والأفراح وهي لهجة العامة وحولها إلى فن راق غير مسبوق».
أقوال يوسف إدريس
ومن أبرز أقوال الأديب الراحل يوسف إدريس:«أنت تملك ترف أن تعيش شريفًا لكن غيرك حتى لو أراد لا يملك هذا الترف»، «الموت هو أن ندور في دائرة واحدة مهما كانت تلك الدائرة" و"عطاء الإنسان لا يحسب بسنين عمرهِ في الحياة بل بقيمة ما قدمه إلى بني وطنه وأمته من عطاءات تسهم في البناء لا الهدم».
تكريم وأثر باق لايزول
حاز يوسف إدريس على وسام الجزائر ووسام الجمهورية وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1963، واعتُرف به ككاتب من أهم كتّاب عصره، إلاّ أنّ النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، فظل مثابرًا على التعبير عن أرائه المعارضة للنظام، وظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة و بيروت، ورغم رحليه في أغسطس 1919 لكنه قلمه وكل ماتركه من أثر في الأدب العربي الحديث باق وخالد، وثمرة مهمة في تاريخ الحركة الثقافية والفنية المصرية والعربية في القرن العشرين وما حيينا أبدًا.