الإثنين 3 يونيو 2024

«عبده موته» يتحدث إليكم

24-9-2017 | 12:59

بقلم: عاطف بشاي

لم يكن قد مر أكثر من أربعين يوماً علي قيام ثورة 23 يوليو (1952) حتي اجتمع الرئيس اللواء "محمد نجيب" بالفنانين والسينمائيين.. وتحدث معهم عن دور السينما الوطني المطلوب في تلك المرحلة لدعم الحركة المباركة وشحذ الهمم لالتفاف الشعب وتوحده بالقوات المسلحة لتحقيق أهداف الثورة المعلنة والطامحة إلي بناء مجتمع اشتراكي ديمقراطي.. وحياة نيابية سليمة وتذويب الفوارق بين الطبقات وتحقيق عدالة اجتماعية تقضي علي سيطرة الإقطاع والرأسمالية المستغلة..

وكان أول رد فعل سريع لذلك اللقاء أن نشط بعض الانتهازيين.. ومنهم بطل ومنتج فيلم ميلودرامي ساذج كان قد انتهي تصويره ومعدا للعرض فبادر بإضافة مانشيت في الافيشات المنتشرة في الشوارع.. هو "الفيلم الاشتراكي الكبير"...

ولكن ما لبث أن ظهر مشروع "إسماعيل ياسين- أبو السعود الابياري" ومعهما السيناريست الكبير "علي الزرقاني" في سلسلة أفلام "اسماعيل ياسين في الجيش - إسماعيل ياسين في البوليس - إسماعيل ياسين في الطيران - اسماعيل ياسين في الاسطول" .. لعب فيها إسماعيل ياسين دور جندي مصري بسيط يؤدي واجبه الوطني المنوط به ويخدم بلده بقدر ما يملك من جهد وعزيمة.. وبعد هذه السنوات الطويلة من عرض هذه الافلام مئات بل آلاف المرات خلال حقب زمنية مختلفة لأجيال متعاقبة لاقت نجاحا جماهيرياً كاسحاً وعاشت في عقول المتفرجين وافئدتهم، شكت حالة خاصة من المتعة والبهجة.. وحققت نجومية غير مسبوقة لبطلها الذي أحبه الجميع والتفت حوله الأسرة المصرية في حب وتوحد. وضحكوا معه في صفاء واشراق.. وتألموا لأحزانه وشاركوه أحلامه المشروعة في حياه كريمة..

جاء بطل فيلم عبده موتة، في هذا الزمن الردىء وقال في تصريحات صحفية إن أفلام اسماعيل ياسين التي قدمها حول الجيش المصري اساءت إلي الجندي المصري بسبب مظهره وسلوكه الساذج وعدم الانضباط الذي يجب أن يتصف به الجندي.. والحقيقة أن "محمد رمضان" أساء إلي نفسه، فتصريحه يشي بضحالة فهمه لدور الفن وتصوره أن رسم الشخصية الدرامية للجندي ينبغي أن تتحدد في اطار من الجدية والصرامة والجهامة والانضباط.. أي دورها الدعائي المباشر فتتحول بذلك إلي نموذج أو نمط كرتوني.. شخصية ليست من لحم ودم وإحساس وضمير وأعصاب..أي شخصية غير إنسانية والذي يفهمه أو يدركه أن الشخصية الدرامية تتسم بأبعاد اجتماعية ونفسية.. وقد برع "علي الزرقاني" في رسم تلك الملامح لشخصية الجندي الذي يمثله "إسماعيل ياسين" فهو إنسان بسيط متواضع أعزب وحيد ينتمي إلي الطبقة المتوسطة الكادحة.. ويعاني من شظف العيش وعدم القدرة علي التحقق والنجاح في سعيه لتحقيق معني لوجوده الانساني.. وقيمة وهدف يعيش من أجله ويصادفه دائماً سوء الحظ حيث تضن عليه المقادير بالعطاء بينما تمنح الآخرين.. وهو يحب، وتشاركه في الحب فتاة رقيقة وبسيطة مثله.. ويحلمان بتتويج هذا الحب بنهاية سعيدة لكن تقف في مواجهتهما ظروف مادية وعقبات من رغبات الأهل غير المرحبين بذلك الارتباط.. وعوازل ومنافسون يعرقلون المسيرة.. وحينما يلتحق البطل بالجيش.. يكسبه تدريجياً قوة وصلابة في مواجهة الصعاب والتصدي لها.. ويخلصه بالتبعية من سذاجته أو تصرفاته العفوية التي تثير السخرية.. وتمتزج إرادته في تحقيق احلامه الشخصية بإرادة النجاح في تحقيق التفوق في الدفاع عن وطنه.. وهذان البعدان النفسي والاجتماعي هما ما أضاف لأفلامه بعداً انسانياً جعل تلك الأفلام الجميلة تعيش في وجداننا حتي الآن.