تجذبك بعض الكلمات والإشارات التى تعلق بالذاكرة ؛ وكأنها بعض أيامك وجزء من تفاصيل الحياة التى قد تقف مندهشا أمام بعضها ولا تجرؤ على الاقتراب! ولكن عالم الأدب يتيح لك رؤية "ماذا لو" من بعيد لتصبح مشاركا على البعد وقريبا من طوق النجاة الذى لست فى حاجة إليه! هكذا جاءت رواية سارة درويش "باب أخضر للهاوية" لتتركك أمام باب ؛ يمنحك لونه الأخضر حالة الطمأنينة المرتبطة بذلك اللون، وكافة الملامح الروحانية المتعلقة به ؛ لتتخيل أنه مساحة الهدوء والسكينة فى ذات الوقت ، ولكن المفاجأة أنه يُدخلك بهدوء وبساطة فى طريق طويل لتستقر فى الهاوية!
هكذا كانت المراوغة فى اختيار العنوان والذى اقتحم بهدوء عالم الانترنت بصفحاته ومواقعه وحساباته ومفاجآته التى نفرح بها حينا ، ونتخيلها بسمات اللون الأخضر ولا نتصور كم الاخطار وراءه والتى أبسطها أن تكون عاريا أمام من لا تعرف ! ولا تدرى أنك بحالة "العرى!
هذه المرة واكبت الرواية التطورات التكنولوجية التى ألقت بظلالها الواضحة على سلوكيات بطلتنا التى تسير نحو هاويتها ، وهى لا تدرى كم هى قاسية تلك الأبواب ومن يقف خلفها !، لم تكن الرواية مجرد صرخة تحذير من ذلك الخيط الذى يجذبنا بريق غموضه ورسائله مجهولة المصدر ؛ لكنها مساحة من الرؤية واكتشاف الذات الانسانية بكل تفاصيل همومها النفسية التى تجعلنا نحتار : لأى أبواب الجحيم نلجأ؟
لم تكن بطلة الهاوية "ندى" سوى صورة متكاملة عكست واقع الفتيات التى اختصتهن سارة درويش بإهدائها اللاتى يرون أنفسهن فى الدائرة العادية! رغم أنها لم تكن كذلك على الإطلاق، لتعيد الرواية رسم ملامحها ؛ التى أتصور أنها بعد كل مرت به تحولت لخانة "الأقل" ؛ بل فى حالة لم تكن لتتوقعها بعد أن احكم ذلك الشخص حصاره وقبضته عليها بعلاقة مباشرة وأخرى سوشيالية فلا تستطيع تخيل ما يحاط بها ؛ لتسير سريعا نحو الهاوية.
ذلك الإحكام فى نسج الخيوط السوشيالية والعلاقات الانسانية والبحث فى التفاصيل جعلنا نرى صورة كاملة للنفس البشرية حين تقع ولا تتوقع عمق الفخ !
لقد نجحت سارة درويش عبر مشوارها الذى بدأ مع مدونة "بنوتة لاسعه" والذى تبعه الكثير من الكتابات التى اقتربت من خبايا النفس ، وبدأت مشوارها التشويقى البوليسى مع رواية "مقتل امرأة عادية" ، وهاهى تكمله فى مزج التشويق السوشيالى بجريمة انسانية لا تقل بأى حال عن جرائم القتل ؛ لكنه ترصد تكنولوجى يتنكر فى باب أخضر.