السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

30 يونيو ثورة انتصرت للهوية المصرية


  • 8-6-2023 | 21:17

د. أيمن صلاح مراد

طباعة
  • د. أيمن صلاح مراد

بقليل من التمحيص لاسم الجماعة، تستطيع أن تستشعر بأنك أمام تنظيم إقصائي من الدرجة الأولى ينفي الأخوة والإسلام عن الآخر أو ينفي كلاهما معاً.

تدافعت الجماهير في 30 يونيو إلى الشوارع والميادين لتعلن رفضها للمشروع الإخوانى، بعدما أدرك الشعب أن استمرار الحكم الفاشي المستتر بشعارات دينية مغلوطة يمثل خطورة شديدة على الوطن

 

الهُوية بضم الهاء وليس بفتحها -من اللفظ "هُو"- هي مزيج من الخصائص الاجتماعية والثقافية التي يتقاسمها الأفراد ويُمكن على أساسها التمييز بين مجموعة وأخرى، كما تُعرف على أنها مجموعة الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد وتحدد سلوكه، أو كيفية إدراكه لنفسه، ويمكن تقسيم الهوية إلى عدة تصنيفات أبرزها الهوية الفردية وهي الهوية التي توضح ماهية الإنسان، والهوية الجمعية والتي تعنى الملامح والسمات التى يتميز بها شعب أو قومية عما سواهما، والتي تتكون من المكونات الجغرافية والتاريخية لهذا الشعب.

ويتمثل المكون الجغرافي للشخصية المصرية في البعد الإفريقي والأسيوي والأورومتوسطي، كما يتمثل المكون التاريخي في حقبات متتالية كان أهمها تأثيرا الفرعونية والإغريقية والرومانية والمسيحية والإسلامية، ولقد انصهرت كل هذه المكونات التي انطوت على اختلاف العقائد وتباين الأفكار في عملية مستمرة من التواصل الحضاري حول شريان الحياة نهر النيل العظيم لتنتج شعب يتميز بالإبداع وتباين الأفكار. شعب يمثل الدين والعقيدة جزء محوري من كيانه. شعب مرتبط بالأرض في مناخ من التسامح وقبول الآخر. 

بدأ نشاط جماعة الإخوان المسلمين في مصر كحركة جامعة تُعنى بالإصلاح الاجتماعي والسياسي. أسسها حسن البنا عام 1928 في مدينة الإسماعيلية وما لبثت أن انتقلت إلى القاهرة. وفي ثلاثينيات القرن العشرين، زاد التفاعل الاجتماعي والسياسي للإخوان المسلمين وأصبحوا في عداد التيارات المؤثرة سياسياً واجتماعياً كما انتشر فكر هذه الجماعة في العديد من الدول وأصبح لها العديد من الأذرع في العديد من دول العالم. 

ومنذ الوهلة الأولى، وبقليل من التمحيص لاسم الجماعة، تستطيع أن تستشعر بأنك أمام تنظيم إقصائي من الدرجة الأولى ينفي الأخوة والإسلام عن الآخر أو ينفي كلاهما معاً. كما تستشعر انتهاج العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، فالأخوة غير المشوبة المبنية على تطابق المواقف والسمع والطاعة تبدو فكرة غير ناضجة في العمل السياسي السلمي، حيث أن الاختلاف والتباين البراجماتي والأيديولوجي من بديهيات العمل السياسي. 

وبالتالي نحن أمام تنظيم إقصائي على أساس ديني طائفي وهو ما يُنذر ببداية النهاية لأي دولة، ولنا في انفصال جنوب السودان عن السودان وأيضاً تقسيم الهند البريطانية إلى هند وباكستان وغيرهما في كثير من الدول خير عبرة عما يمكن أن تؤدي إليه الطائفية من تفكك الدول وحروب أهلية وانقسامات. ناهيك عن علاقة التنظيم بالمخابرات البريطانية والتي يصعب من دونها على جماعة محلية التوسع عبر الدول في فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى جرائمه الموثقة.

منذ اللحظات الأولى لظهور إخوان البنا فى المشهد الضبابي الذى أعقب يناير 2011، ووصول تنظيم الإخوان إلى سدة الحكم في 2012، انتهجت الجماعة سياسة الأخونة لجميع مؤسسات الدولة، ومن ثَم محاولة طمس ملامح الهوية المصرية التى تشكلت عبر آلاف السنين منذ دبت أول معاول حضارة عرفها العالم على هذه الأرض حتى أصبح الوطن قاب قوسين أو أدنى من تذويب الحدود، والمواطن على شفا حفرة من طمس الهوية، وباتت مصر العظيمة المحورية الرائدة علمًا وحضارة على أبواب مستقبل مظلم مجهول. 

فلقد حاولت الجماعة زحزحة الهُوية المصرية بإصدار الفتاوى الشاذة ومنها ضرورة تحطيم تمثال أبو الهول والأهرامات والتماثيل الفرعونية فى المعابد المصرية والمتاحف، هذا بخلاف وقائع لهدم الأضرحة الصغيرة بالمحافظات وفتاوى جادة بضرورة هدم الأضرحة الكبرى ومنع الصلاة بمساجد مثل الحسين والسيدة زينب وغيرهما وهو ما شكل صدمة كبيرة لدى المصريين، وهو ما لم يقم به عمرو ابن العاص منذ 1400 عام إبان الفتح الإسلامي لمصر. كما عملت الجماعة على بث الفتنة والانقسام داخل المجتمع المصرى بتهديد الأقباط، ودفعهم للهجرة لتغيير التركيبة السكانية للمجتمع المصرى وتنوعه الفريد الصامد عبر التاريخ، بل وتعاونت مع الجماعات الإرهابية فى سيناء في محاولة لإعادة تشكيل الأمة المصرية على أساس من الهوية والشرعية الجديدة.

استشعر الشعب المصري بحسه الوطني والحضاري الخطر، كما استشعر سعي هذا التنظيم لطمس الهوية المصرية، فكان خروجه في 30 يونيو 2013، حيث تدافعت الجماهير إلى الشوارع والميادين لتعلن رفضها للمشروع الإخوانى، بعدما أدرك الشعب أن استمرار الحكم الفاشي المستتر بشعارات دينية مغلوطة يمثل خطورة شديدة على الوطن واستقلاله واستقراره. وفي استجابة للأحداث المتسارعة والمشهد المضطرب، وبعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي حددتها القيادة العامة للقوات المسلحة لإيجاد طريق للخروج من الأزمة دون جدوى، أعلن الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك في بيانه الذي ألقاه في 3 يوليو 2013 بمشاركة رموز وطنية وقيادات القوات المسلحة تعطيل العمل بالدستور المصري وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقيام رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد، مؤدياً القسم أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية. فلقد انحازت القوات المسلحة لإرادة الشعب واستردتها من جماعة حاولت خطفها بل وخطف وطن بأكمله والعدوان على هويته بمكوناته الثقافية البالغة الثراء والتنوع.  

وبعيداً عن الماضي، فإنه ينبغي علينا حماية وتعزيز تماسك النسيج المجتمعي بالمزيد من العمل لتحقيق التنمية والتقدم في جميع المناحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى لا يتوهم التيار الظلامى إمكانية استعادة حكمه الفاشى بالبحث عن ثغرة يتسلل منها إلى المشهد مرة أخرى بدعم من الإعلام المعادي، وإن كانت محاولات إعادة عقارب الساعة للوراء دائماً ما تبوء بالفشل. فالذاكرة التاريخية تحفل بالعديد من المحاولات الفاشلة لإعادة إنتاج الماضي فى مجتمعات شهدت ثورات كما حدث فى قصة البوربون والثورة الفرنسية، فيما أجيال جديدة لديها رغبة في التغيير وصنع مستقبل مغاير.

إن ما حدث فى 30 يونيو 2013 هو انتصار للهوية الوطنية ضد مخططات تزييف الوعي والتاريخ، ومحاولات غسل العقول وتكريس العنف وتغيير الهوية باسم الدين، والدين السمح منها براء. وتبقى 30 يونيو علامة ورمز لانتصار الهوية المصرية في التاريخ المعاصر.

الاكثر قراءة