الثلاثاء 14 مايو 2024

ثورة 30 يونيو 2013 وصناعة التاريخ


د. زينب ناجي المنسي

مقالات10-6-2023 | 16:21

د. زينب ناجي المنسي

إن الاختلاف الأيديولوجي بين جماعة الإخوان والشعب المصرى أوجد حالة كفاح  ثورية مستمرة منذ اليوم الأول لوصولهم للحكم، فلم تنقطع الحالة الثورية ولم تقتصر على بعدها السياسي ولكنها امتدت لتشمل الجانب الديني والاقتصادي والاجتماعي.

وعلى الرغم من كون الشعب المصرى من أكثر شعوب الأرض حبا للهدوء والتسامح والتعايش والتحمل إلا أن تلك الصفات لم تمنع المصريين من القيام بثورات متتالية ضد الاستعمار وغيره كما رفض المصريين كل أشكال العنصرية والتمذهب فثار أقباط مصر ضد بيزنطة المسيحية وتطرفها وكذلك ضد الفاطميين وتمذهبهم وضد الأتراك وعنصريتهم.

ولثورة يونيو 2013م خصوصية شديدة فمن ناحية صنعت تلك الثورة تاريخا للكرامة والحرية، ومن ناحية أخرى فقد استدعت ثورتنا تاريخا ثوريا قديما للمصريين، اختلفت ثورة يونيو عن غيرها من الثورات المصرية في التاريخ الحديث والمعاصر، إنها لم تكن موجهة ضد حاكم أجنبي أو ضد استعمار يرغب المصريين في التخلص من نيره إنما كانت الثورة بهدف التحرر من الاستبداد السياسى والاجتماعى والتطرف المذهبي من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت لوقف محاولات التدخل الأجنبي في مصر والذى كان يتم بمساعدة من جماعة الإخوان. 

وبالنظر إلى مكون ثورة يونيو 2013م ومقارنته بالثورات السابقة يتأكد لنا الإجماع الشعبي من ناحية، ومن ناحية أخرى يتأكد لنا أن ثورة يونيو جمعت ميزات التاريخ الثورى المصرى في طياتها.
فبمقارنة ثورة 30 يونيو بثورات المصريين ضد الفاطميين يتضح لنا كثير من الأمور: 

أن الفاطميين كانوا أكثر الناس شبهًا بالإخوان المسلمين ففي الظاهر كل من الفاطميين والإخوان محسوبين على الدين الإسلامي، إلا أن كلاهما ينظر لعموم مسلمي مصر على أن إسلامهم ناقص، أو أنهم أقل منهم في الدرجة الإيمانية، وكلاهما مارس العنصرية والاضطهاد، ضد عموم المسلمين المصريين، بعد أن حاول كلاهما اصطناع حالة من الود والتسامح مع العوام، وكذلك الأمر مارس كل من الفاطميين والإخوان سياسة الاضطهاد ضد المسيحيين، على الرغم من أن الفاطميين اعتمدوا على بعض الوزراء المسيحيين، وكذلك عينت جماعة الإخوان نائبا لرئيس حزب العدالة مسيحي، إلا أن سياسة الاضطهاد كانت سمة عامة في كل من الفاطميين والإخوان، ومن هنا كانت ثورات المصريين بعمومهم مسيحيين ومسلمين، فلاحين وأهل مدن، تجار وصناع، عربا وبدوا، ضد الفاطميين وضد الإخوان، فلم تقتصر الثورات على القاهرة والمدن فقط، وإنما امتدت إلى قرى ونجوع مصر، فخرجت ثورة العرب والفلاحين الكبرى، من مطروح والإسكندرية والبحيرة بقيادة أبي ركوة ضد الفاطميين وكانت ثورة عبدالعزيز بن إبراهيم الكلبي في صعيد مصر ضد الفاطميين وهو ما حدث أيام الإخوان فوجدنا مظاهرات كثيرة ضدهم في السويس والإسكندرية والأقاليم، وكذلك وجدنا الفلاحين وكل قبائل عرب مصر ضدهم، إن ثورات المصريين ضد الفاطميين والإخوان رغم التباعد الزمني كان سببها واحد وهو مقاومة حالة التمذهب والعنصرية والاضطهاد في المقام الأول ومقاومة التعسف والاستبداد والخيانة فقد اتسمت علاقة الفاطميين مع الصليبيين بشكل مريب أثار غضب المصريين حتى أن وزراء الفاطميين استعانوا بالصليبيين في صراعاتهم الداخلية ووجدنا الإخوان لهم علاقات مريبة مع إسرائيل على الرغم من رفعهم راية المقاومة لسنوات طويلة إلا أن محمد مرسي لم يجد غضاضة في أن يخاطب شيمون بيريز بعبارة "عزيزي بيريز" وأن يختم خطابه بصديقك الوفي  "محمد مرسي" ، لكن نقصت ثورات المصريين ضد الفاطميين من وجود جيش من أبناءه يحميها، أما في ثورة يونيو 2013م، فقد قدر الله لهذا الشعب جيش يحميه.

وعند الحديث عن ثورة يونيو 2013م وثورات المصريين في العصر المملوكي فيتضح لنا الشبه هنا في أن المماليك كانوا عبارة عن جماعة مثل جماعة الإخوان التي كانت تحكم مصر وفي هذا يقول المقريزى في حديثه "افتعل المماليك حوادث الفتنة الطائفية بين المصريين من أقباط ومسلمين من أجل زيادة نهب المصريين القبط والظهور بمظهر المسلمين الأتقياء الحريصين على الإسلام" وهو الأمر الذي اعتاد الإخوان فعله، علاوة على ارتباطهم كجماعة بينهم رباط وهو ما يعرف برباط الأخوة، وهو نفس الرباط الذي ارتبط به المماليك مع بعضهم البعض يعرف بالخشداشية، فكانت المصالح والأعمال والمناصب منوطة ومخصصة للمماليك فقط، ورغم أنهم كانوا مسلمين وسنة إلا أنهم عاملوا المصريين (مسلمين ومسيحيين) بأقصي درجات العنصرية، ففي الوقت الذي نشطوا فيه في بناء المساجد، لم يعاملوا المصريين بأخلاق أهل المساجد، وهي نفس سياسة الإخوان المسلمين، فثار المصريين بكل طوائفهم على سياسة المماليك ووقع منهم الكثير من الضحايا واستمر الأمر كذلك حتى بعد سقوط دولة المماليك، وجاء العثمانيين، ليتبعوا نفس سياسة الإخوان في العنصرية فجاء الترتيب بالتالي جماعة الأتراك ثم المماليك بعدهم والمصريين لهم الله، واستمرت تلك الثورات لكن دون نجاح يذكر، سببها عدم وجود جيش وطني من المصريين قوي.

واذا نظرنا إلى ثورة المصريين في مايو 1805 لعزل خورشيد باشا نجد أن المصريين عولوا على مشايخ الأزهر واجتمعوا في دار القضاء لاتخاذ قراراتهم وكان نتيجة ذلك رفض إنجلترا لإرادة المصريين، فعاث حلفائهم من المماليك فسادا في مصر وحاول الإنجليز احتلال رشيد عام 1807م ولكن كانت الكلمة العليا للمصريين  الذين دافعوا عن إرادتهم.

 وبعد مرور أكثر من قرنين من الزمان عاش المصريين نفس الأحداث في ثورة 30 يونيو 2013م فكان دور الأزهر واضحا وتجلى دور القضاء في قرارات المحكمة الدستورية العليا، وما تبعه لتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مهمة إدارة شؤون البلاد كفترة انتقالية، وعاش المصريين أياما صعبة في مواجهة الإرهاب وتصدى الجيش المصرى لمؤامرات كان تستهدف مصر داخليا وخارجيا.

 أما عن الثورة العرابية، فقد كان الهدف منها الحد من التدخلات الأوروبية في شؤون البلاد الداخلية خصوصا أمور الجيش والأمور الاقتصادية، وهو ما واجهه العرابيون وحاولوا التصدي له ونلاحظ في ثورة عرابي اضطلاع الجيش بمساعدة الإمام محمد عبده  وبعض المثقفين والأعيان لقيادة الحراك الشعبي.

وبتطبيق الأمر علي ثورة يونيو2013م نجد أن مصر فعلا كانت معرضة لتدخل تركي سافر في شؤونها الداخلية على جميع المستويات، ونلاحظ محاولات عديدة للتدخل في أمور الجيش المصرى، مما دفع قيادات الجيش للتلاحم مع عموم الوطنيين للحفاظ على مقدرات البلاد وحمايتها من التدخل الأجنبي وهو ما نجحت فيه ثورة يونيو في حين أخفقت فيه الثورة العرابية.

وتعتبر ثورة 1919م من أشبه الثورات بثورة يونيو2013م من حيث التخطيط والمشاركة والأحداث فكانت بداية كلتا الثورتين بجمع التفويضات والتوكيلات لدعم وتحقيق الحرية والاستقلال، حيث بدأت شرارة ثورة 1919م عندما قام سعد زغلول ورفاقه بعمل حملة لجمع التوقيعات من أجل تمثيل الشعب المصري في مؤتمر باريس للسلام، وفى 30 يونيو2013م اتفق المصريين على نهاية حكم الإخوان بالتوقيع على استمارات  تعلن التمرد على حكمهم.

أما عن الأحداث فقد خرجت في كلتا الثورتين جميع طوائف الشعب، شارك فيهما العمال والطلبة والفلاحين، حتى المرأة خرجت في المظاهرات فهزت المجتمع بجرأتها ووطنيتها، وشهدت الثورتين تلاحماً كبيرا بين مسلمي ومسيحي مصر، وبرز دور الأزهر والكنيسة خلال الثورتين، وكان من أهم نتائج الثورتيين أن أفرزت كل منهم عن ميلاد زعيم شعبي أصبح أيقونة للبسطاء والنخبة من الثوار على حد سواء فمثلما أفرزت  ثورة 1919م سعد زغلول، أفرزت ثورة يونيو 2013م الرئيس عبدالفتاح السيسي، وغنى المصريين في ثورة 1919م  "زغلول يابلح" للزعيم سعد زغلول وغنوا في يونيو 2013م "تعظيم سلام للسيسي نفسي يكون رئيسي".

وظهر القدر الشعبي للرجلين أيضا في تلبية الشعب لندائهم في التفويض الشعبي أكثر من مرة حيث حمل الناس صور الزعيمين ولافتات التأييد لهما، وتشابهت الثورتين في النتائج حيث نتج عن ثورة 1919م عمل دستور 1923م وتشكيل حكومة وطنية وبرلمان منتخب، وكذلك الأمر نتج عن ثورة يونيو2013م دستور 2014م وبرلمان 2015م، وانتخابات رئاسية نزيهة جاءت بالزعيم عبدالفتاح السيسي.

إن الاختلاف بين الثورتين يكمن في نقطتين الأولى أن ثورة 1919م هي التي مهدت لقيام جيش وطني بينما كانت ثورة يونيو 2013م في حماية جيش وطني.

أما عن النقطة الثانية والتي تثير الشجن والحزن هي أن ثورة 1919م كانت ضد محتل أجنبي أما ثورة 30 يونيو 2013م فكانت ضد جماعة مصرية مستعدة للتعاون مع أي أجنبي على حساب مصلحة الوطن.

أما إذا نظرنا لثورتي يوليو 1952م ويونيو 2013م سنجد أن التشابه بينهما كبير، ولكن الاختلاف جاء في نقطتين أن كلا الثورتين تبدلت فيهما الأدوار ففي ثورة يوليو 1952م شعر الجيش بالمأساة التي يعيشها الشعب فأخذ بزمام المبادرة، وقرر إصلاح الأمر والقيام بالثورة، وخرج الشعب مؤيدا ومشجعا لحركة الجيش، حتى إن كبار المثقفين أعلنوا وقتها أنهم سعداء بحركة الجيش، لأنهم بسبب تلك الثورة سيحكم مصر مصريين خُلّص من أبناءها، أما في ثورة يونيو 2013م فقد تحرك الشعب أولاً وخرج في مظاهرات عدة ووقع استمارات كثيرة ترفض وجود السلطة الحاكمة ونزل الجيش بناءً على رغبة الشعب وحماية له، النقطة الثانية من نقاط الاختلاف وهي النقطة التي تمثل عار على جبين جماعة الإخوان حيث أن في ثورة يوليو1952م كان حراك الجيش والشعب معا موجهًا ضد محتل أجنبي وملك متعاون مع المحتل، ليس من أصل مصري، أما في ثورة يونيو 2013م فكان حراك الشعب والجيش موجها ضد جماعة مصرية للأسف، ولكنها كانت تعمل لصالح أي كيان أجنبي ما عدا مصر، ولم تضع الشعب المصري في قوائم اهتماماتها.

وحافظت ثورة 30 يونيو2013م على حقوق المرأة التاريخية بل وصنعت تاريخا جديدا للمرأة، فقد كان لخوف المرأة المصرية، من سياسات جماعة الإخوان العنصرية تجاهها وتجاهلهم لأبجديات حقوق المرأة، أكبر الأثر في إشعال الحراك الشعبي، ساعد في ذلك التصريحات العنصرية من قبل رموز الإخوان المسلمين والتي عبرت عن توجه الجماعة السلبي في ما يخص قضايا المرأة وحقوقها، فمثلا صرح أحد قيادات الإخوان القيادي صبحي صالح أن زواج شاب إخواني من غير بنات الإخوان استبدال ما هو أدني بالذي هو خير.

وكذلك وجدنا بعض المرشحات في الانتخابات النيابية يستبدلن صورهن بصورة وردة أو زهرة، وجاء برلمان الإخوان وليس به للمرأة إلا 8 مقاعد من أصل 498 مقعدا  منهن 4 منتميات لحركة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى ثلاث نائبات معينات. 

لقد أيقنت المرأة المصرية أن لا مناص من إزاحة الإخوان لأجل الحفاظ على مكتسباتها ولصناعة تاريخ لها، فتواجدت المرأة المصرية في ثورة 30 يونيو 2013م، بغض النظر عن عقيدتها الدينية والأيديولوجية وانتماءها الطبقى.

فقد كانت المرأة وقود التظاهرات ومحركها، ولعل مشاهد هتاف السيدات بالشعارات الثورية، وترديد الرجال خلفهن لتلك الشعارات فى بعض الأحيان يدل على الدور القيادى للنساء فى المظاهرات، وبالفعل صنعت ثورة يونيو2013م تاريخا جديداً للمرأة، فقد كسرت المرأة المصرية بمشاركتها فى ثورة 30 يونيو2013م اللوحة التقليدية المرسومة لها والتي حصرتها في إطار بعيد عن التأثير السياسي، لتصبح المرأة المصرية عاملا مؤثرا في الإدارة المصرية بعد ثورة 30 يونيو2013م، فوجدنا عددا لا بأس به من النساء في الوظائف العامة وزيرات ومحافظات، وكذلك في المناصب الجامعية علاوة على النائبات في المجلس التشريعي المصرى بغرفتيه.

Dr.Radwa
Egypt Air