كان عددنا ليس كبيراً فى المحاضرات فى أواخر الخمسينيات وحينما تخرجت عام ١٩٦٠ لكن الجميع يعرف بعضه وعلى صلة مباشرة بالأساتذة وتم تعيينى فى الكلية وأرسلت إلى بعثة بإنجلترا وكان الأساتذة هناك أيضاً يستخدمون السبورة والطباشير مثل مصر تماماً فى أسلوب التدريس.
هكذا يروى د. إبراهيم السباعى أقدم الأساتذة حالياً بالكلية أو دفعة الرواد كما يطلق عليها.. هذه الملاحظة التى ذكرها أن أدوات التعليم إياها بيننا وبين حتى إنجلترا كانت نفس الأدوات، وكما أنه لم تكن هناك مجانية أيضاً للتعليم الجامعي.
لكى تقول إننا نعيش عصراً آخر بأدوات مختلفة وأننا تخلفنا فى الطريق لذلك لا بديل عن أن نزيل غبار الأيام والفروق التى نتجت عنها ونقفز إلى الأمام لنلحق ما تبقى...”.
كيف التحقت بالكلية؟
د. إبراهيم السباعى وهو يستعيد أجمل أيام العمر كما يقول كنا أول دفعة طبق عليها مكتب التنسيق كما أتذكر ولم يكن أيامنا «مولد» سيدى المجاميع فى الثانوية العامة والأول فى الامتحان كان حاصلاً على ٧٠فى المائة وأكثر قليلاً وحصلت أنا على مجموع ٧٠فى المائة ولأنها أول عام يطبق فيه مكتب التنسيق جاءت أوراقى إلى كلية التجارة وعشت العام الأول كله فى الدراسة كأنى فى «كرب كبير» ولكن بعد نهاية العام الأول وتفوقى أحببت الدراسة بالكلية، واكتشفت أنها من أجمل التخصصات بعد الطب والهندسة لأن هذا مجال مثل أى مجال آخر.
لماذا؟
د. إبراهيم السباعى لأن دراسة تخصص التجارة تعطى معلومات عامة عن الحياة العامة وتفسر لنا ما يحدث فى الدولة والموازنات والغلاء وكل شيء له علاقة بالحياة لأن الحياة أيضاً حسابات وكانت المصروفات الدراسية فى ذلك الوقت ١٦ جنيهاً فى السنة، والمتفوقون يحصلون على تخفيض أو منح وتفوقت وتم تعيينى فى الكلية وسافرت إلى بعثة فى الخارج وعندما عدت كان مرتبى ١٥ جنيهاً وأنا أضرب هذا المثال لكنى أقول إن المصروفات الدراسية بالجامعات كانت مرتفعة بالفعل عن قدرة خريجى الجامعات فى ذلك.
وكما قلت حينما سافرت فى بعثة إلى إنجلترا وجدت نفس الأدوات التى يتعامل بها الأستاذ هناك هى مثل مصر تماماً ولا توجد فروق، أى الفجوة لم تكن كبيرة فى الأدوات ولكن الطفرة حدثت حينما دخل «البروجكتور» كعامل مساعد فى عرض الأرقام والصور وكان ذلك أول جهاز يدخل أى العملية التعليمية وكان إنجازاً كبيراً.
ويستطرد د. إبراهيم قائلاً: دفعتى كانت ٣٠٠ طالب فى كل التخصصات والطالبات كن موجودات وكان هناك احترام كبير جداً بين الطلاب والطالبات رغم أنه لم يكن هناك «حجاب» أو شيء الكل كان زى بعضه وعرفنا فى مدرجات الجامعة معنى الصداقة والزمالة الحقيقية بل إنه نادراً ما كان هناك أحد يتجاوز حدوده.
ومن كان يفعل ذلك يلفظ نهائياً وللحقيقة المرأة كانت شاطرة جداً فى الدراسة وتم تعيين بعضهن فى الكلية وأذكر منهن د. هناء خيرالدين ولكن ليس فى تخصص المحاسبة فكان عدد الطالبات أقل كثيراً وكان لدينا أنشطة كثيرة فى الكلية والأسر الجامعية .
ذكرت مثال السبورة والطباشير فى التدريس هل تغيرت الصورة؟
د. إبراهيم بالتأكيد تغيرت جداً لأن الاقتصاد نفسه كعلم وحقائق وواقع تغير، وبالتالى علوم المحاسبة وغيرها أن تتغير لتواكب هذا التغيير جاء فى مجال التخصص الدقيق وضرورته الملحة الآن وهذا يتم فى العالم كله فكما قلت حين ذهبت إلى إنجلترا وكان ذلك بعد حرب السويس، لم يكن هناك الفروق كبيرة وكانت النظرة لنا حتى كمصريين رغم جلاء المستعمر البريطانى باحترام شديد للغاية، كنا نشعر بالقوة والاحترام وكان اسمنا أولاد ناصر ولكن هذه النظرة تغيرت بعد حرب ١٩٦٧، ولكنى كنت قد عدت إلى مصر قبل أيام من النكسة..
لماذا دائماً كليات التجارة تستقبل طلاباً أكثر أو كلية الأعداد الكبيرة وهو سؤال يلح على دائماً؟
د. إبراهيم السباعى، بصرف النظر عن توزيع مكتب التنسيق ولكن كما قلت إننى أحببت الدراسة بعد عام من التحاقى بالكلية لأنها تعطى معلومات عن الحياة العامة وأنه يمكن للخريج أن يعمل فى العديد من التخصصات وبالتالى هذه النظرة انتقلت عبر الأجيال أو لنقل هذه السمعة انتقلت عبر الأجيال لتصبح هذه رغبة الطلاب بعد الطب والهندسة ومن هنا زاد الإقبال وزادت الأعداد حتى وصلت الآن بكلية تجارة القاهرة إلى أكثر من ٥٠ ألف طالب يتخرج منهم سنوياً ٨ آلاف طالب، ولذلك السؤال المهم هنا هل لدينا فرص عمل لكل هؤلاء الخريجين؟! إذن القضية أن التكدس خلق أزمات أخرى منها هروب الطلاب من الحضور ثم الدروس الخصوصية والآن المراكز التعليمية أو ما يقال «السنترز» والملخصات التى أصبحت تجارة رائجة جداً تصل إلى أنها أصبحت الأساس فى العملية التعليمية وللأسف يساهم فيها الكثيرون.
نعلم أن بعض شباب الباحثين يساهم فى هذه التجارة رغم تجريم قانون الجامعات لها.
د. إبراهيم السباعى نعم نعلم ذلك وضعف مرتبات صغار المعيدين والشباب ليست فقط هى السبب رغم أهميته القصوى لحياة الشاب ولكن أيضاً لأنه أصبح طموح الشباب أكبر من الإمكانيات الموجودة والمتاحة فعندما عدت من البعثة وصل مرتبى إلى ٣٥ جنيها فى ذلك الوقت وكان رقما أستطيع أن أعيش به كويس لأنه كان هناك فقر فى الإمكانيات فى المجتمع، وبالتالى حدث فقر للتطلعات لدى الجميع، ولكن الأمر مختلف تماماً فالمعروض من السلع كثير جداً أو متنوع بمعنى أكثر وضوحاً أنه فى الماضى وحتى السبعينيات كانت الأغلبية يشبهون بعضهم بعضا البعض فى المنازل والملابس، ولكن الآن المغريات أكثر بكثير وبالتالى من الطبيعى أن تتأثر الأجيال الجديدة بذلك وتحاول أن تحصل عليها.