الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

يوسف السباعي.. من أرض النفاق إلى أرض الواقع

  • 17-6-2023 | 17:53

يوسف السباعي

طباعة
  • عبدالرحمن عبيد

تحل علينا اليوم ذكرى ميلاد الأديب الوزير يوسف السباعي، والذي ولد في 17 من يونيو عام 1917، ورحل عن عالمنا في 18 من شهر فبراير عام1978، على إثر اغتيال مروع لقاه في قبرص على هامش مؤتمرٍ أقيم في إحدى الفنادق هناك.

يعد السباعي والذي لقبه توفيق الحكيم بـ"رائد الأمن الثقافي"، واحدًا من أبرز أدباء جيله، وقد ترعرع في كنف والده محمد السباعي، والذي ترجم كتاب "الأبطال وعبادة البطولة" لـ "توماس كارلايل"، وكتب عدّة مقالاتٍ نشرها في مجلة "البيان" للشيخ عبد الرحمن البرقوقي، رغمـًا عن وفاة والده وهو في سن الرابعة عشر، واعتناء والدته به واخته، فإن مع ذلك أحب الأدب وصار شغوفـًا به، وكانت أول قصة نشرها "فوق الأنواء" عام 1934 وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامـًا، ومن أشهر أعماله: "ردَّ قلبي، نادية، أرض النفاق، السقا مات، بين أبوالريش وجنينة ناميش، نائب عزرائيل، والعمر لحظة". 

كان للسباعي حضور طاغي على الساحة الثقافية والسياسية عمومًان وأحيانـًا كان يجمع بين الاثنين، بطريقته الخاصة، فمثلًا تعد رواية رد قلبي والتي تحولت إلى فيلم عام 1957 من بطولة شُكري سرحان ومريم فخر الدين، أبرز الأعمال الأدبية المُرحبة بثورة 23 من يوليو، والمُعبرة عن مبادئها الستة، ولكن هل نستطيع القول: إن يوسف السباعي كان يسير مع التيار وقتها، أم دخل في زمرة المنافقين الذي كال لهم النقد والسُخرية في أهم وأشهر رواياته والتي صُدرت عام 1949م إبان الحكم الملكي لمصر.

الحقيقة أن "أرض النفاق" -وهي رواية ذات إطاري اجتماعي فانتازي- قد استشرفت الواقع المصري، بل وإن أمكننا القول الواقع العربي أيضـًا، فكل المشاكل التي يعاني منها بطل الرواية وباقي شخصياتها من: "ازدحامٍ في المواصلات، وغلاءٍ في الأسعار، وقضايا تحديد النسل، وأزمة المتشردين وتكوينهم لخلايا تجمعهم مع بعضهم بعض كنقابة للمتسولين وقد اسمها السباعي: مجمع الشحاذين، بالإضافة إلى الفساد الإداري، وضعف مُرتبات الموظفين، وغيرها من المشاكل".

وتدور الحكاية باختصار شديد عن رجل يجد أمامه لافتة كُتِبَ عليه " تاجر أخلاق بالجملة وقطاعي (المحل له فروع في جميع أنحاء العالم)"، فيدخل الرجل لكي يستكشف هذا الحانوت، فيجد رجلًا يخبره أنه يتاجر في الأخلاق فقام الرجل من باب السخرية بشراء فضيلة الشجاعة والتي يستمر مفعولها لمدة عشر أيام، وبعد تناول الرجل لجرعة الشجاعة، تنقلب حياته رأسـًا على عقب، فتختل عَلاقته بحماته وزوجته ثم المحيطين به، ثم يحاول بعدها أن يستبدل فضيلة أخرى أقل وطأة منها، ولكن مع كل فضيلة يبتاعها من تاجر الأخلاق، يزداد الأمر سوء بالنسبة له، حتى يقوم الرجل بإلقاء الكثير من أكياس الأخلاق في النهر محدثـًا اضطرابـًا كبيرًا في المجتمع المصري.

ومن المدهش حقـًا تصريحه باسم الملك فاروق على لسان خطيب الجمعة، وكأنه يُريد أن يُصل رسالةً خفية، وقد جاء الكلام على النحو التالي: "كما نسألك أن تشمل برعايتك عبدك المخلص في طاعتك الملك فاروق الأول نصره الله (وهُنا سمعت صوت المُقرئ يعلو في صوت أشبه بالغناء فيقول: أيده الله بنصره وأعانه).. اللهم انصره نصرًا مُبينـًا وحقق على يديه جميع الآمال يارب العالمين. واجعل هذا البلد آمنَّا في أوطاننا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، وول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا".

وكأن السباعي كان يستشرف المستقبل القريب، فبعد ثلاث سنوات من صدور هذا العمل، قامت ثورة 23 من يوليو عام 1952، والتي ناقشت عدّة أزمات أغلبها كانت مشروحة في بين طيات هذا العمل، فقد عبر السباعي عن واقع شعب كامل وآمن بقدرته على العبور من هذه الأزمة وهذا ما حدث فعلًا مع سقوط الملكية، وقيام الجمهورية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة