الإثنين 3 يونيو 2024

بالصور.. «عين الحياة».. جزيرة الدواء العليلة

26-9-2017 | 22:26

كتبت- خلود الشعار

«نفسي أعيش زي البني أدمين».. هكذا استقبلنا أحد المواطنين بجزيرة «عين الحياة» التابعة لمنطقة عين الصيرة، التي لم يكن لها من اسمها نصيب، ويعد هذا المطلب بمثابة حلم لمواطن بسيط تحاصره العشوائية من كل جانب.


تلك الجزيرة لم تكن معزولة عن اليابس فقط بل هي معزولة عن الحياة وكافة سُبلها، أقرب شيء إليها هي تلك مقابر التي يسكنها الموتى، الذين لا يختلفون عنهم إلا أنهم فوق أرض يابسة ولكنها جرداء من أغلب الخدمات.

 

أثناء الترجل بين شوارعها البسيطة تجدها تفتقد لأغلب معالم الحياة، وتفتقر إلى أبسط الأمور التي يستخدمها الإنسان يوميًا، مواسير الصرف الصحي معطلة وانقطاع الكهرباء متواصل لأوقات طويلة، فضلًا عن أزمة مياه الشرب.

 

آفة «عين الحياة»

الجزيرة صغيرة مساحتها أقل بكثير من «بحيرة عين الصيرة» أو «الكبرتاج»، هذه البحيرة التي يذهب إليها البعض للعلاج من الأمراض الجلدية التي كانت تصيبهم، وتجد البحيرة التي تحتوي على مياه كبريتية أصبحت الآن بمثابة مصيفا لشباب الجزيرة، حيث يسبح بها بعض الشباب كنوع من الترفيه عن الذات، فضلا عن إلقاء مخلفات المواطنين بها.

 

وبالسير بمحاذاة البحيرة، نجد في الجهة المقابلة مجموعة من المنازل المتلاصقة، والتي تتكون من طابق واحد فقط، أما في الجهة القريبة من البحيرة الخالية من الأسوار، فتجد عمال يصنعون الفخار خارج الجزيرة، وعلى طول الشارع الرئيسي تجد كل 100 متر بائع للأواني والأدوات الفخارية، التي يفضل بعض الأشخاص شرائها.


وعندما توجهنا إلى أحد المنازل المطلة على البحيرة مباشرة، قابلنا الأهالي بمعاناتهم، فقالت «س. م»: «إنها جاءت إلى الجزيرة مع أسرتها منذ 30 عامًا، وأشترى والدها قطعة أرض وبنى عليها منزلًا».

 

تسرب المياه للمنازل

المنازل من الداخل تجدها عبارة عن مجموعة من الغرف، مشتركة فيها أكثر من أسرة مع وجود مرحاض وحيد لهم، يغطيهم سقف مكون من عدة ألواح خشبية مغطاة بالصاج.


وأضافت «س. م»، أن المياه تتسرب للمنازل، وصل الأمر إلى سقوط بعضهم نتيجة التسريب، بالإضافة إلى هبوط الأرض التي يتم البناء عليها، قائلة: «فيه شروخ في الحيطة بسبب المياه وكمان الأرض بتهبط ولكن السكان بيجددوها ويرمموها تاني والسقف من الخشب وبيقع منه فئران وقوارض».

 

أما «أحمد سيد»، أحد سكان الجزيرة، قال «إن المنازل من الاعتقاد الظاهر أنها طابقا واحدا فقط، ولكنها في الحقيقة ثلاث طوابق، حيث أنه في كل مرة يحدث هبوط أرضي يتم بناء المنازل على تلك الحوائط القديمة».

 

انقطاع الأمل

وتابعت المواطنة «س. م»: «قبل أحداث يناير من عام 2011 حضر للجزيرة موظفين تابعين للحكومة يبدون رغبتهم في نقلنا إلى أماكن آمنة وإزالة الجزيرة، وكان ذلك بسبب بناء المتحف على الجهة المقابلة للجزيرة، ولكن بعد انتهاء الأحداث لم يأت أحد للجزيرة مرة أخرى فيما عدا المتخصصين بالتعداد السكاني».

 

وأشارت إلى أن الأجهزة التنفيذية شيدت «أسفلت» على الطريق العمومي، نظرًا لخروج مياه البحيرة على الطريق، مما تسبب في انسداد طريق المشاة من سكان الجزيرة.

 

غياب 3 خدمات رئيسية

«جمال سعيد» أحد المواطنين، قال إن الكهرباء تنقطع عن الجزيرة باستمرار، بالإضافة إلى أن المياه الشرب غائبة أيضًا، دون معرفة السبب أو التعريف بمواعيد انقطاعهما حتى نأخذ احتياطنا.

 

أما عن أزمة الصرف الصحي، فقال سعيد، إن المنازل القريبة من البحيرة تم توصيل مواسير صرف صحي بالبحيرة من قبل فاعلي الخير، أما المنازل النائية عن البحيرة، فهي تستخدم ما يسمى بـ«الطرنشات» للتخلص من صرف الصحي، فضلًا عن إلقاء أصحاب هذه المنازل المخلفات في البحيرة يوميًا، لعدم وجود سبيل أخر للتخلص من القمامة، قائلًا :«أحنا بني أدمين عايزين نعيش حياة كويسة ونضيفه.. أحنا كده مش عايشين أصلا.. فين الحكومة؟»
الأهالي ينقسمون بين البقاء والرحيل

 

رفضت «ر. س»، إحدى سكان الجزيرة، فكرة نقل المواطنين خارج الجزيرة، معللة ذلك بسبب ارتفاع سبل العيش، ولن تستطيع تلبيه كافة احتياجاتها، قائلة : «هنجيب منين أكل وفواتير كهربا ومياه وتعليم لأولادنا وكمان إيجار لو الحكومة وفرت شقق لينا.. أحنا هنا في الجزيرة مبندفعش إيجار لأن البيوت دي ملكنا، والحياة صعبة ومش بنعرف نغطي كل احتياجاتنا بس الحمد لله بتتقضى».

 

وأشارت إلى أنها تحصل على معاش بعد وفاة زوجها 300 جنيه، ولن تستطع بهذا المبلغ تلبيه احتياجات أسرتها في الوقت الحالي.

 

وأكدت أن الجزيرة خالية من المحلات و المدارس، وسكانها منعزلون تمامًا عن جميع الخدمات، قائلة: «بنخرج من الجزيرة علشان نجيب الأكل والشرب والأولاد بيروحوا المدارس بره، لأن الجزيرة مفيهاش محلات للأكل أو سوق للخضار أو مدارس».

 

أما «أبو رامي» فيرغب في الانتقال من الجزيرة، لأنها لا تصلح للحياة الآدمية، قائلًا: «لا يوجد صرف صحي والمنازل معرضة للسقوط بين الحين والآخر، والحكومة لن تستطع تطوير هذه المنطقة نظرًا لوجود مقابر محيطة بها، وكذلك المتحف الذي تم بنائه مؤخرًا، حيث أنهم سعوا لإخلاء الجزيرة حتى تصلح لأن تكون منطقة سياحية فاخرة».

 

خطة لنقل سكان الجزيرة

قال النائب عصام فاروق، عضو مجلس النواب عن دائرة مصر القديمة لـ«الهلال اليوم»، إن المناطق الأكثر خطورة هي «أستطبل عنتر، جبل عزبة خيرالله، ثم منطقة عين الصيرة، أكشاك أبو السعود، وإيواء عين الصيرة»، مشيرًا إلى أنه هناك ترتيبات يجريها حي مصر القديمة بالتنسيق مع نواب الدائرة لإزالة هذه الجزيرة.

 

وأكد أن هذه الجزيرة كانت عبارة عن برك مياه، تم ردمها والبناء عليها مما يعد تعدٍ على أملاك الدولة، مشيرًا إلى أنه تم التوسع في بناء على هذه الجزيرة خلال الفترة الماضية، وهناك أجزاء خطرة والبناء عليها مخالف لوجودها فوق بركة مياه، ولذا فإن أغلب المنازل بالمنطقة مكونة من طابق واحد فقط. 


وأضاف، أن الجزيرة بحاجة إلى التطوير وتجديد، وهذا ما يسعى إليه حي مصر القديمة والحكومة بالتنسيق مع النواب، مشيرًا إلى أنه هناك متابعة وتنسيق مع الحي والمحافظ  بشأن هذه المناطق العشوائية، لأن الحي يوجد به أكثر من 9 مناطق عشوائية.


ولفت إلى أن لأن جزيرة عين الحياة تختلف تمامًا عن جزيرة الوراق فالكثافة السكانية بها ضئيلة مقارنة بالمناطق بأزمة الوراق ذات الكثافة العددية الكبيرة، حيث أن الكثافة لا تعدى 300 أسرة، مشيرًا إلى أنه سيتم نقل هؤلاء السكان لحي الأسمرات قريبًا.

 

آلية الإخلاء
قال أمجد عامر، خبير التنمية المحلية، لـ«الهلال اليوم»، إنه في حالة إدراج هذه المنطقة ضمن خطة الحكومة لإزالة المناطق العشوائية، فيجب إجراء حوار وطني مع كبار العائلات، لافتًا إلى ضرورة التحدث مع الأهالي والتفاهم حول آلية إخلاء الجزيرة.

 

وأضاف «عامر»، أنه سيتم نقل أهالي الجزيرة إلى حي الأسمرات مع الحصول على شقة لكل أسرة، وفقًا لما كانت تمتلكه تلك الأسرة على الجزيرة، حيث أن الحكومة تنفذ خطتها في نقل المناطق العشوائية الأكثر خطورة على سكانها وحياتهم، فيجب أن يتم هذا الأمر بالتراضي مع السكان، سواء مع الأمن أو وزارة الإسكان المعنية بهذا الشأن.

 

وأكد، أنه يتم بناء 64 ألف وحدة سكانية في الوقت الحالي، لنقل عشوائيات مصر بها، مشددًا على ضرورة إعداد إحصائية شاملة من قبل وزارة التنمية المحلية بالمناطق والمباني القابلة للسقوط في أي وقت، لتنفيذ الإزلالات الفورية لها قبل وقوع كارثة.


 وأضاف أن هناك جهاز يسمى «التفتيش والمتابعة» داخل الوزارة يتابع الأحياء والمناطق في القاهرة والمحافظات الأخرى، وعمل تقرير رسمي يقدم لوزير التنمية المحلية الدكتور هشام الشريف.


وأشار إلى أن الوزير يحصل على قرار من مجلس الوزراء بإزالة هذه المناطق والأحياء بالتعاون مع وزارتي الداخلية والجيش، والتي يتم من خلالهم تنفيذ الإزلالات.