الجمعة 21 يونيو 2024

الحوار الوطني.. التنوع والشفافية وبناء جسور الثقة


أكرم القصاص

مقالات10-7-2023 | 10:31

أكرم القصاص

المشاركة الواسعة فى الحوار تأكيدا على رغبة فى حوار يرسم صورة المستقبل، ويكشف التنوع فى الحضور عن وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى هذا الحوار كل بطريقته
كل الشواهد تؤكد أن الحوار الوطنى أمر محلى مصرى خالص هدفه مصر والمصريين لا علاقة له بأى تقاطعات أو محاولات لفرض وجهات نظر داخلية أو خارجية
أكد الرئيس السيسى طوال الوقت حرصه على ضمان نجاح الحوار وتحقيق مطالب المتحاورين مادامت ضمن  سلطاته الدستورية والقانونية

 

فى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى كان الحضور الكثيف مشهدا لافتا، تنوع من كل الاتجاهات والأجيال يمينا ويسارا، كل التيارات والفئات التى ظهرت على مدى سنوات، تنوع فى الأعمار والاتجاهات، وهذا الحضور الكثيف بأطياف مختلفة، يشير إلى نجاح فكرة الحوار الوطنى والتى تعطى فرصة لمناقشة وتوسيع دوائر المناقشة والمشاركة وأن هناك نية ورغبة فى أن يكون هناك حوار بين الجميع، لمناقشة خارطة المستقبل.

أهم ما كشفه حجم التفاعل مع  الدعوة للحوار الوطنى، فى البداية، وخلال أشهر الانعقاد ثم الحضور المتنوع فى الجلسة الافتتاحية، والجلسات التالية هو وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى هذا الحوار كل بطريقته، وحتى هؤلاء الذين أبدوا رفضهم أو تحفظهم، فى الواقع لم يتوقفوا عن طرح آرائهم فى القضايا المختلفة، فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية، على صفحاتهم بمواقع التواصل، ويقدمون اقتراحات أو أفكارا، بعضها صالح للمناقشة والتطبيق، وهؤلاء جزء من تنوع موجود يجب أخذه فى الاعتبار وإتاحة الفرضة لهم لطرح أفكارهم.

وتثبت التجربة أن هناك استعدادا من الدولة، تمثل فى لجنة العفو وتفعيلها وتسهيل عملها فى إخراج مئات ومتابعة دمجهم فى المجتمع، وبعضهم يشارك فى الحوار بجلسته الافتتاحية، فى تأكيد على عدم استبعاد أى مقترحات، أو أطراف، وعلى مدار شهور، ومنذ الدعوة للحوار استمعنا وقرأنا آراء لعدد كبير من مثقفين وسياسيين وأكاديميين ومهنيين، وزملاء من كل الفئات والاتجاهات، سواء مباشرة أو على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل، هذه الآراء تمثل فى حد ذاتها جزءا من الحوار، وتشير إلى رغبة فى المشاركة، وهنا يأتى دور الأمانة العامة للحوار، والتى تتيح الفرصة لأكبر قدر من أصحاب الآراء ليشاركوا ويتفاعلوا مع الأفكار والتطورات.

فى الجلسة الافتتاحية أعلن المنسق العام للحوار ضياء رشوان فى الجلسة الافتتاحية أن كل القضايا مطروحة للنقاش فى الحوار، كما قدم السيد عمرو موسى أفكارا وتساؤلات مهمة فى كلمته، تضمنت الكثير من التساؤلات المطروحة، فى السياسة والاقتصاد، والمجتمع، بما يشير إلى أنه لا حواجز أمام النقاش، غير الاستعداد للتفاعل والنقاش بما يسمح ببدائل ممكنة، ويوسع مجالات المشاركة.

الحضور يشير إلى أن هناك جسورا للثقة قامت بفضل عمل لجنة العفو الرئاسية، وحل بعض النقاط السياسية، مع التأكيد على أن الحوار الوطنى أمر محلى مصرى خالص، لا علاقة له بأى تقاطعات أو محاولات لفرض وجهات نظر داخلية أو خارجية، هذه التفاصيل مهمة لكونها تؤكد أن الحوار هو مساحة لاستيعاب الآراء المختلفة، والانتقال إلى مرحلة تمتلك فيها الدولة درجة من اللياقة يمكنها من التفاعل وفتح مجالات للنقاش، من دون شروط مسبقة، وأن يكون الحوار متسعا للكثير من الأفكار القابلة للتطبيق، وتكون كل الأفكار موضوعة فى الاعتبار.

وأهم ما يكشفه حجم التنوع فى الحضور هو وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى هذا الحوار كل بطريقته، وحتى هؤلاء الذين أبدوا رفضهم أو تحفظهم، فى الواقع لم يتوقفوا عن طرح آرائهم فى القضايا المختلفة، فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية.

 انطلق الحوار الوطنى بعد انتهاء الإعداد وبناء المحاور من مشاركة واسعة على مدى شهور، وبلورة الكثير من الآراء فى محاور سياسية واجتماعية واقتصادية، وتم طرح الكثير من الأفكار، يفترض أن يتم تركيزها فى توصيات للتطبيق العاجل، وأخرى لسنوات مقبلة، باعتبار الحوار يضع خارطة للمستقبل، أخذا فى الاعتبار التحولات التى جرت على العمل العام والتطورات فى الاتصال وتداول المعلومات وانتشار منصات الرأى.

 الدولة المصرية بلغت الآن درجة من اللياقة السياسية تضاعف من حجم الثقة والاطمئنان، والشعب المصرى لديه حواسه القادرة على الفرز والتفاعل، هذه الثقة تكونت بناءً على تجارب واضحة ونتائج على الأرض، الدولة أكثر استقرارا، وقطعت شوطا مهما فى إنجاز الكثير من الملفات الصعبة، وهناك تساؤلات مطروحة حول الخطوات المقبلة، والتصور العام للعمل العام والسياسى ومواقف التيارات المختلفة.

وكل من يتابع تجارب السنوات الماضية يدرك حجم التحولات والتطورات والأحداث التى جرت محليا وإقليميا وعالميا، وأيضا التحولات والنضج والوعى فى التلقى والتعاطى مع عالم افتراضى لا يتوقف عن البث، ويزدحم بالكثير من المعلومات والأرقام والتقارير والبرامج والناشطين والباحثين عن اللقطة والباحثين عن المعرفة، وكل هؤلاء موجودون على شواطئ عالم مزدحم ومتداخل.

وانطلقت جلسات الحوار بمشاركة واسعة ومتنوعة من تيارات وأحزاب واتجاهات تتنوع من اليمين لليسار، بجانب حقوقيين وخبراء، هذا التنوع، يكشف عن رغبة كبيرة من الجميع فى التحاور والنقاش، حول المستقبل والحاضر، وهذا الحضور المتنوع بالجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى، يكشف رغبة وجدية للأطراف فى أن تشارك وتتحاور حول رسم خريطة المستقبل بشكل كبير.

وأفضل طريق هو الحوار بلا شروط، وبناء الثقة وإقامة جسور بين الجميع، وهى الأرضية التى يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور، وقدرة كل هذه التيارات على تقبل بعضها، بحثا عن مطالب تحظى بتوافق، دون الدخول فى مواجهات واشتراطات قد تشتت الانتباه، وأن يكون الجميع مستعدين لتقبل الأسئلة، والاختلافات بين تيارات لها انتماءات متنوعة، يسارا ويمينا، وهذا التنوع يصب فى صالح المجتمع والمستقبل.

بدأت جلسات الحوار الوطنى بعد بلورة المحاور وتلقى اقتراحات على مدى عام كامل، لتتحقق دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لحوار وطنى لا يستبعد أحدا، وانطلق بعد اكتمال ظروفه وتوفر الإرادة السياسية وتوسيع دوائر المشاركة لكل التيارات، وعلى المشاركين استغلال الفرصة للمشاركة، للتوصل إلى سياقات قابلة للتنفيذ.

إحدى أهم نقاط الحوار وتأسيس الأرضية كان تفعيل لجنة العفو الرئاسى، التى بدأت عملها منذ أبريل الماضى، وخرج المئات، سواء بقرار من النيابة العامة أو بقرارات رئاسية وجهد اللجنة فى إعادة دمج المفرج عنهم فى المجتمع، ومتابعة عودتهم لحياتهم وأعمالهم، والتى تؤكد إصرار الدولة على السير باتجاه توسيع المشاركة وتدعيم الحوار الوطنى، وهذه الخطوات تمثل جسرا لبناء الثقة، وتأكيدا للجدية، وبالتالى فإن الشهور التى مضت كانت فرصة تمهد لبناء جسور الثقة وتوسيع مجال الحوار للجادين والقادرين على قراءة الواقع، والاستفادة من تجربة السنوات الماضية.

هناك تنوع الآراء ووجهات النظر، خاصة فى القضايا الاقتصادية التى تتعلق بحياة الناس اليومية، مثل الأسعار الخاصة بالغذاء والدواء والمعيشة اليومية، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك إدراكا لكون الأزمة العالمية الاقتصادية لها انعكاساتها على الأسعار بشكل عالمى، وتوضيح هذا الارتباط، وأيضا إدراك أن المشروعات القومية فى الطرق والنقل والكهرباء والزراعة مهدت لجذب استثمارات، وساهمت فى تخطى أزمة أربكت اقتصادات كبرى.

وما يقال فى الاقتصاد ينطبق على الملفات السياسية والأهلية، حيث يتيح الحوار طرح وجهات نظر فى المطالب السياسية، بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى تتضمن الكثير من المواد والبنود التى تغطى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بجانب حرية الرأى والتعبير، والممارسة السياسية، والرضا الشعبى، وجودة الخدمات، وقد صدرت الاستراتيجية بناء على مناقشات وبمشاركة واسعة من المعنيين بالملف، ما يجعلها محل توافق، وقد صدرت بناء على معطيات محلية، انطلاقا من أن كل دولة لها ظروفها السكانية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، والتى يفترض التعرف عليها لاتخاذ القرار. وإن كان الاقتصاد يشغل المساة الأكبر لدى البعض، فإن الأحزاب تركز أكثر على الممارسة السياسية، وتشغل القضايا الاجتماعية مساحات مهمة، ومنها القضية السكانية والتعليم والصحة والبحث العلمى، والتى تمثل حاجات ضرورية لمجتمع يطمح فى التقدم.

جاءت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاح مشروعات «حياة كريمة» ومؤتمر الشباب فى البحيرة والإسكندرية، لتؤكد الدعم والانفتاح من قبل الدولة على الجميع، وتقديم كل الدعم والاستجابة لمطالب الحوار الوطنى فيما يتعلق بالقضايا العاجلة، أو المطروحة على مائدة الحوار.

الرئيس أكد أنه سوف يلبى مطالب الحوار الوطنى التى تم التوافق عليها، فيما يتعلق بسلطاته الدستورية والقانونية، وأن تتم إحالة أى مطالب أخرى إلى مجلس النواب والجهات المختصة، وسبق واستجاب الرئيس لمطلبى مد الإشراف القضائى على الانتخابات والاستفتاءات، والمجلس الأعلى للتعليم، ووعد بالنظر فى قوانين الوصاية ومفوضية منع التمييز، وقانون تداول المعلومات.

 ودعا الرئيس المشاركين إلى النظرة الشاملة وعدم تفتيت التفاصيل، أو تجاهل الأخطار والتحديات وحجم ما تحقق على مدى عشر سنوات، والواقع أن كثيرين ممن راهنوا على عدم استكمال الحوار أو عدم تحقيق نتائج، يجدون أنفسهم أمام حالة من المشاركة، وليس مجرد جلسات لتداول الكلام، بالطبع هناك قطاع ليست لديه رغبة أو حاجة فى أن ينجح أى نوع من الحوار أو التنوع، وهؤلاء ما زالوا يرددون نفس الكليشيهات على مدى شهور، ويحتفظون لأنفسهم بمكان يبحث عن «لايكات»، أو يردد كلاما جاهزا، هؤلاء بالطبع يحزنهم ما يتحقق.

الحوار يحمل قدرا كبيرا من الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية، وتظل أهم خطوة فى الدعوة للحوار الوطنى أنها تفتح الباب لمناقشات وآراء متنوعة، وهذا فى حد ذاته يمثل نقطة إيجابية، ثم إن بناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، هى الأرضية التى تسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وأن تكون هذه التيارات مستعدة لتقبل الأسئلة، وامتلاك قدر من التواضع يسمح بالنقد الذاتى، وتقبل الاختلاف والتنوع بشكل يتيح نظرة إلى المستقبل.

هناك تشابك وتقاطع بين الملفات والمحاور المختلفة، بجانب أن التجربة العملية والتفاصيل مهمة لأنها تنقل النقاش من الجانب النظرى إلى التطبيق على الواقع، وتتيح طرح بدائل أو الاختلاف فى التفاصيل، وأن هناك فرقا واضحا بين الكلام النظرى الذى يتم تداوله وبين التعامل مع قضايا عملية بتفاصيلها وعناصرها، وهو ما ظهر من خلال الجلسات، حيث تظهر قضايا لا تتعلق فقط بالعناوين وإنما تتطلب تداخلات وآراء فنية من خبراء أو مختصين، وهو ما يظهر فى التعليم والصحة وغيرها.

الأهم فى كل هذا هو وجود رغبة لدى المشاركين ودعم من الدولة، والجهات التى تبذل جهدا كبيرا، لإتاحة فرص النقاش الجاد، مع العلم أن الرئيس أكد منذ اللحظة الأولى أنه سيوقع على مطالب الحوار فيما يتعلق بسلطاته الدستورية والقانونية، وهو تأكيد على رغبة وتوجه نحو المستقبل، وربما يشجع هذا الجادين للمشاركة، إذا كان لديهم ما يمكنهم طرحه للمستقبل.

أهم ما كشفه الحوار الوطنى، هو وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى هذا الحوار كلٌ بطريقته، وحتى هؤلاء الذين أبدوا رفضهم أو تحفظهم، فى الواقع لم يتوقفوا عن طرح آرائهم فى القضايا المختلفة، فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية، وطرحوا آراءهم وما زالوا بمواقع التواصل، يقدمون اقتراحات أو أفكارًا، بعضها صالح للمناقشة والتطبيق.

ثم إن تجربة الحوار الحالية، لم يسبق أن تم تنظيمها بهذا الشكل وبهذه الكثافة والتنوع، فى التجارب الماضية كان حزب السلطة يدعو المعارضين إلى حوار معد وجاهز سلفا، وكانت الدعوة للمشاركة مجرد حضور وتمثيل، لكن ما تم منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للحوار، يختلف شكلا ومضمونا، فقد تم تجهيز الحوار وأمانته ولجانه بتوازن وتنوع من كل التيارات، ولم يعقد فى البرلمان أو فى حزب لكن أشرفت عليه وأدارته جهات محايدة دورها التنظيم، فقد كان دور الأكاديمية الوطنية للتدريب تنظيميا يسهل للمشاركين عملهم، ثم إن اختيار الأمانات واللجان تضمن أطرافًا متنوعة تمثل تيارات مختلفة.  

الرئيس  هو صاحب الدعوة للحوار وأكد طوال الوقت عمليا حرصه على ضمان نجاح الحوار بالاستجابة لاقتراحات تتعلق بالإشراف القضائى، أو قوانين الوصاية ومفوضية منع التمييز وقلانون تداول المعلومات.

 الحوار يجرى بعد عشر سنوات قطعت فيها الدولة مسافات مهمة، وواجهت تحديات ضخمة وأصبحت فى لياقة تمكنها من إدارة التنوع ورسم خارطة المستقبل.وهذا النجاح للحوار مرده الصدق والإخلاص من الرئيس الداعى والضامن للحوار، والجهات التى لعبت دورًا فى ترتيب الحوار وإزالة المعوقات التى تقف أمامه، وأيضًا فإن أغلب من شاركوا كانوا وما زالوا على قدر كبير من المسؤولية والرغبة فى رسم خارطة المستقبل. وهى شهادة للداعى الرئيس، والمنظمين، والمشاركين من الأحزاب والتيارات المختلفة.