الأحد 12 مايو 2024

كتلة الحوار وكشف العوار


د. محمد القرماني

مقالات10-7-2023 | 11:37

د. محمد القرماني

 

  • الدعوة للحوار الوطني كانت بمثابة إشارة إلى إدراك الدولة والقيادة السياسية أن الأوضاع الحالية تستلزم تكاتف الجهود والانفتاح على الرؤى والأفكار المختلفة
  • لا غنى عن برامج الحماية الاجتماعية للمواطنين الأكثر فقراً ومعاناة من الأوضاع الاقتصادية، والذين تسببت ظروف خارجة عن إرادتهم فى وضعهم داخل دائرة الفقر

 

ربما لم تحظ أي حركة سياسية فى مصر خلال السنوات الماضية بذات الزخم والاهتمام الذى حظيت به كتلة الحوار التى نجحت خلال أيام قليلة عقب تأسيسها أن تكون أحد القوى الأساسية ذات الحضور الفعال والمتميز فى الحوار الوطني فى مختلف محاوره ولجانه. حيث تسعى الكتلة أن تقدم نموذجاً جديداً ومختلفاً لأهداف وأساليب وآليات عمل الحركات السياسية فى مصر، فبخلاف العديد من الحركات السياسية التى تشكلت على مدار العقود الماضية والتى كانت دائما ما تبدأ بتأسيس حزب سياسي يشارك فى العمل السياسي على استحياء ويرفع راية المعارضة دون طرح بدائل مقنعة للطبقة السياسية الحاكمة أو الناخبين، أيقن الأعضاء المؤسسون للكتلة أن ما ينقص مصر ليس الأحزاب السياسية بل غياب رؤية سياسية واضحة متسقة ينبثق منها سياسات تفصيلية متناغمة ومتكاملة يمكن طرحها بجرأة  وثقة على صانعي القرار.

رأي الأعضاء المؤسسون لكتلة الحوار أن الوقت الراهن يمثل فرصة ربما تكون الأفضل من سنوات لكل من يملك حساً وطنياً ورغبة مخلصة فى بناء هذا الوطن والنهوض به من عثرته المؤقتة، فالدعوة للحوار الوطني كانت بمثابة إشارة إلى إدراك الدولة والقيادة السياسية أن الأوضاع الحالية تستلزم تكاتف الجهود والانفتاح على الرؤى والأفكار المختلفة وهو ما استغلته كتلة الحوار فى تشكيل كيان مستقل يجمع مثقفين وأكاديميين وسياسيين وتكنوقراط يهدف إلى استمرارية الحوار بين أعضائه ومناقشة مختلف المشكلات بشكل جدي منتظم ومتواصل. وأدرك مجلس أمناء كتلة الحوار مثلهم مثل كل فئات الشعب المصري أن الوضع الراهن يمثل منعطفاً فاصلاً فى تاريخ مصر وأن المجال لا يسمح بالنقد والانتقاد ومعارضة سياسات الدولة، فالمشاكل والتحديات صارت معلومة للجميع، وبالتالي لا داعي لاستنزاف الطاقات في الإشارة إلى الأخطاء أو العيوب بل طرح سياسات يمكنها تجاوز تلك المشكلات، كما تؤمن كتلة الحوار بأنه لا مجال للمصالح الذاتية أو النزعات الحزبية المتعنتة فمصلحة مصر فوق الجميع والسياسات التى ستقدمها الكتلة أو المشاركون فى الحوار الوطني الآن سترتسم مستقبل مصر فى العقود القادمة. كما تسعى الكتلة إلى التعلم المستمر وعدم الوقوع في الأخطاء التى ارتكبتها غالبية الكيانات السياسية وأن تقدم نموذجاً للحوكمة الداخلية، فصناعة القرار والاتفاق على ما يتم طرحه داخل الحوار الوطني يتم بالتشاور والاتفاق بين الأعضاء المؤسسين، كما يتم التنسيق الداخلي فيما يخص الأولويات والقضايا التى يجب أن تحظى بالتركيز والاهتمام من جانب الكتلة والقضايا والموضوعات التى يمكن تأجيلها لفترات لاحقة، فضلاً عن التأكيد الكامل على مفاهيم المواطنة والدولة المدنية وسيادة القانون والعمل السياسي السلمي.

تتبنى الكتلة رؤية اقتصادية ليبرالية تؤمن بأن اقتصاد السوق الحر هو الأمثل فى تحقيق الفائدة القصوى للفرد والمجتمع وتحقيق أعلى كفاءة ممكنة لاستخدام الموارد، وتقوم أبجديات هذا النظام الاقتصادي على ألا تكون الدولة بمختلف أجهزتها لاعباً اقتصادياً حيث يقتصر دورها على تنظيم العلاقات الاقتصادية من خلال التشريعات والتنظيمات، وأن تكون حكماً محايداً بين أطراف الأنشطة الاقتصادية المختلفة. غير أن هذا لا يتعارض إطلاقاً مع التزام الدولة بتقديم الخدمات العامة التي يكون لها نفعاً عاماً على المجتمع بأسره ويعد توفيرها حقاً أساسياً للمواطن المصري بما فى ذلك خدمتي الصحة والتعليم التى يجب أن تتيحهما الدولة لكل مواطن مصري وبأعلى جودة وفاعلية ممكنة. كما ترى الكتلة أن برامج الحماية الاجتماعية لا غنى عنها للمواطنين الأكثر فقراً ومعاناة من الأوضاع الاقتصادية والذين تسببت ظروف خارجة عن إرادتهم فى وضعهم داخل دائرة الفقر. كما أن إقرار العدالة الاجتماعية هو مسؤولية الدولة من خلال سياسات وقوانين تضمن عدالة توزيع الفرص والدخول والامتيازات والثروات بشكل يسمح بإعطاء الفرصة لكل أفراد المجتمع دون تمييز أو محاباة أن يجنوا ثمار عملهم واجتهادهم.

أهمية كتلة الحوار ليست فى سعيها لتقديم حلول وأفكار وبدائل سياسات فحسب، بل إن هذا النموذج إن شاءت له الأقدار أن ينجح فى مساعيه ويساهم بفاعلية فى تقديم حلول حقيقية للمشكلات السياسية والاقتصاية والاجتماعية وأن يظل جامعاً لكل مخلص لديه فكر ورؤية متماسكة سيؤسس لمكانة جديدة للكيانات السياسية ويبني الثقة بين المواطن المصري والمجتمع السياسي الذي لم يتمتع طوال تاريخ مصر -إلا باستثناءات قليلة- بالمصداقية الكافية. فالغالبية العظمى من الأحزاب والحركات السياسية التى تأسست فى مصر على مدار العقود الماضية عجزت أن تكون لاعباً مؤثراً فى الحياة السياسية لعدة أسباب متعلقة بغلق المناخ العام أمام الحركات والتيارات المدنية ولكن أيضاً بسبب فشل تلك الكيانات فى بناء ظهير وتأييد شعبي أو فرض رؤية مقنعة ومتماسكة وواضحة على النظم الحاكمة لمصر.

ولعل أهم ما يميز كتلة الحوار عن غيرها أنها لا تهدف إلى تقديم أفكار مجردة أو طرح نظريات وفرضيات أو اقتراح سياسات وإجراءات تعجيزية وكذلك يبتعد أعضاء الكتلة المشاركون فى جلسات الحوار الوطني عن الخطابات العصماء التى تدغدغ المشاعر أو رفع شعارات شعبوية جوفاء، فنقطة الانطلاق بالنسبة للكتلة هي التعامل بواقعية شديدة مع الأوضاع القائمة ومحاولة تقديم حلول عملية مستندة إلى أدلة علمية ومتوافقة ومتماشية مع السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المصري. كما تؤمن الكتلة أن السياسة هى فن الممكن وأن التغير فى السياسات حتى فى أعتي النظم الديمقراطية يحدث تدريجياً وفقاً لحاسابات اقتصادية واستراتيجية، وعليه عندما يطرح أعضاء الكتلة أي أفكار أو مبادرات تكون مدروسة بعناية لضمان تحقيق نتائجها الإيجابية بما فى ذلك على سبيل المثال رؤية الكتلة فيما يخص ممارسة الدولة لدور اقتصادي، فعلى الرغم من تبنيها فكراً ليبرالياً لا تؤيد الكتلة الانسحاب الفورى أو الكامل للدولة من الأنشطة الاقتصادية  حيث أن هذا الانسحاب المفاجئ قد يسبب صدمة فى القطاعات الاقتصادية التي تمثل استثمارات القطاع الخاص فيها نسبة ضئيلة مما قد يترتب عليه تراجعاً سريعاً فى معدلات النمو والتوظيف. كما ترى الكتلة أن بعض القطاعات الاقتصادية شديدة الأهمية والخطورة مما يستوجب تواجد فعال للدولة فيها لدواعي تتعلق بالأمن القومي المصري.

تشكلت كتلة الحوار بإرداة حرة مستقلة لأعضاءها المهمومين بقضايا الوطن تحركهم رغبة صادقة ومخلصة فى المساهمة فى حل مشكلات بلدهم، فهي قطعاً ليست ذراعاً فكرياً موالياً للدولة أو تشكلت بإيعاز من السلطة كما أنها ليست عضواً بأي من الحركات أو التحالفات السياسية القائمة، وهو ما وفر لأعضاء الكتلة الحرية الفكرية التامة والتحرر من أي ضغوط حزبية أو ابتزازات أيديولوجية أو مساومات سياسية، الأمر الذى أكسب الكتلة احترام وتقدير مختلف الأطراف السياسية ومنحها ثقة ومصداقية لم تشهدها أية حركات سياسية منذ فترة طويلة. ويؤمن مؤسسو كتلة الحوار أن العمل السياسي ليس حكراً على أحد وأن كهنة المعابد السياسية العتيقة ومدعو احتكار الحقيقة المطلقة أضروا كثيراً بالعمل السياسي فى مصر، لذا فإن الكتلة منفتحة على كل من يرغب فى الانضمام إليها شريطة مشاركة أعضاء الكتلة مبادئهم الأساسية ورؤيتهم فى كيفية التغلب على المشكلات الراهنة بما فى ذلك مبادئ الحوار الفعال والنقاشات الجادة وتجنب طرح الأفكار المعلبة أو الكلام المرسل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. 

Dr.Radwa
Egypt Air