الخميس 26 سبتمبر 2024

.. ويوم الإسراء ودعناك!

28-9-2017 | 19:24

بقلم – فريدة الشوباشى

رغم مرور سبعة وأربعين عاما على رحيله، مازالت ردود الفعل الشعبية التى ترجمها الشعب فى شعارات بليغة تنبض بالحياة.. ففى ذكرى هزيمة يونيه العسكرية، خرجت الملايين تهدر.. «مكتوب على قلوبنا..عبدالناصر محبوبنا..ومكتوب على سلاحنا عبدالناصر كفاحنا»..وفيما اعتبره استفتاء بالإجماع، توجهت الملايين إلى أنور السادات الذى كان رئيسا لمجلس الأمة (البرلمان) أنور أنور يا سادات ..إحنا اخترنا جمال بالذات.. ولزكريا محيى الدين الذى طلب عبدالناصر انتقال الرئاسة إليه :ارفض، ارفض يا زكريا، عبدالناصر مية المية..وإلى أمريكا التى أقامت فرحا باعتقاد أنها تخلصت من عبدالناصر:يا أمريكا لمى فلوسك، عبد الناصر بكرة يدوسك.

وتوجهت الجماهير ذاتها إلى القائد الذى سكن قلوب الملايين، ليس فى مصر والوطن العربى فقط، بل فى كل بلاد العالم التى تتطلع شعوبها إلى الحرية والكرامة: إحنا الشعب أصحاب الحق، لأول مرة نقول لك لأ..ورضخ عبدالناصر للإرادة الشعبية بعد أن هزم شعب مصر العظيم الهزيمة العسكرية وكان مساء التاسع من يونيه عام ٦٧ أول خطوة فى طريق العبور، إذ لولا هذه الوقفة التى نسفت مخطط الولايات المتحدة الأمريكية وكانت أداتها الصهيونية العالمية ممثلة فى إسرائيل، لما كانت حرب الاستنزاف ولا كان العبور.. وأذكر بما قاله أحد كبار قادة المخابرات الإسرائيلية منذ عدة سنوات: إن حرب الاستنزاف كانت، أطول، وأشرس وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب.. طبعا انبرى كارهو شعب مصر والوحدة العربية فى إطلاق تفانيهم وأكاذيبهم بادعاء خائب وحقير، ينكر أن للشعب موقفا وإرادة، بزعم أن الاتحاد الاشتراكى هو الذى دفع بالملايين إلى الشارع فى ظرف دقائق معدودة عقب خطاب تنحى عبدالناصر عن السلطة، والتزموا الخرس إزاء نزول الملايين يوم الرحيل فى أكبر جنازة فى التاريخ حتى يومنا هذا، وانضم إلى جماعة الإخوان كل من يتفق معهم فى كراهية عبدالناصر بلطم الخدود وشق الجيوب، لهزيمة يونيه، دون توجيه، لن أقول كلمة لوم، بل فقط كلمة عتاب رقيق، لإسرائيل الدولة المعتدية، ولراعيتها الأساسية، أمريكا، التى تمدها بالسلاح والمال وكل أسباب تمكينها من دهس حقوقنا بعنصرية بغيضة، وللأسف الشديد بمساندة بعض الأنظمة العربية.. ولا أظن أن المتباكين على هزيمة يونيه العسكرية يجهلون أن كافة دول العالم تقريبا، لاقت هزيمة عسكرية، لكن المهم هو، هل استسلمت للعدو أم قاومته وانتصرت؟، مثلما حدث معنا؟.. وأتذكر عندما كنت أعمل فى باريس، نقل التليفزيون الفرنسى جنازة الرئيس أنور السادات وقال مذيع القناة الثالثة، انظروا إلى هذه الجنازة لتروا الفرق، ثم ظهر على الشاشة محيط بشرى فى وداع جمال عبدالناصر، وكان من أروع الشعارات التى أطلقتها القلوب، مثل أغنية، «يا جمال يا حبيب الملايين، ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين»، شعار: «تسعة وعشرة أيدناك، ويوم الإسراء ودعناك»....حيث صعدت روح الزعيم إلى بارئها فى ٢٧ من رجب..فى ذكرى رحيل عبدالناصر وبعد ما يقرب من نصف قرن، لا تزال الحرب الضروس ضده وضد مبادئه قائمة، بل لا أبالغ إذا قلت إنها تزداد عنفا وضراوة وكأنه لا يزال فى مقعد الرئاسة، وكأن من حكموا بعده، شخصيات خرافية لم يكن لها وجود فعلي.. وكأن السادات لم ينتهج سياسة مناقضة بنسبة ١٠٠ فى المائة‏ لسياسة عبدالناصر وتوجهه، مثل الصلح مع إسرائيل والانفتاح الاقتصادى، الذى عمق الفجوة بين المواطنين وأشاع الفساد والرشاوى وكل ما أدى إلى تشويه الهوية المصرية وإن بقى الجوهر سليما، حمدا لله، كما أكدت ثورة يونيه..وأظن، وليس كل الظن إثما أن الحملة، التى كان من آخر تجلياتها مذكرات السيد عمرو موسى، تستهدف جيشنا العظيم، وبدعوى أننا فى ظل «حكم عسكرى «منذ ثورة يوليو، عام ١٩٥٢ ...! رغم الفروقات الهائلة بين سياسات عبدالناصر والسادات ومبارك.. وهو ما يستدعى أيضا كلمات السيناتور الأمريكى جون ماكين، بعد ثورة يونيه: لن نسمح بظهور ناصر آخر ..وطبعا لا أحد يتفوه بكلمة عن شخصيات عسكرية حكمت أعتى وأقوى دول فى الغرب، مثل الجنرال شارل ديجول، الشخصية الأسطورية. فى فرنسا، والجنرال دوايت ايزنهاور فى أمريكا، وتحضرنى عبارة معبرة بقوة للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل: لست من أنصار الشجاعة الهائلة أمام القبور والتى يقابلها نقص هائل فى الشجاعة أمام القصور.. وأكيد أن الشفرة المصرية مستعصية على من يقاومون استعادة مصر لمكانها ومكانتها، لاكتشافهم أن عبدالناصر لم يمُت، وأنه يسكن وجدان المصريين والعرب وكل أحرار العالم..ولم ولن يفهموا، كيف ولماذا، ترفع صور عبدالناصر فى أهم المناسبات الوطنية.

وكما قال شاعرنا الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي: يعيش جمال عبد الناصر حتى فى موته.