تحل اليوم ذكرى وفاة الشاعر الكبير أنسي الحاج، لذلك كان ضروريًا علينا أن نطرح من جديد الجدلية التاريخية التي واجهها الأدب منذ قديم الأزل، المتمثلة في الخصوصية والأدب العام، وهل يمكن أن تندرج الأولى تحت إطار الأخير.
فكرة الخصوصية والأدب وعلاقتهما هي نقطة شائكة على مر التاريخ، ولم تلقى حسمًا حتى الآن، فالكثير يرى أن الخصوصية هو أمر شخصى يتعلق بالأديب وحياته ومشاعره ولا ينبغي إدراجها كمادة أدبية تستحق النشر والإطلاع من قبل الجمهور، فريق أخر أيضا ليس بقليل يقدر القيم الأدبية التي تحملها هذه المواد الخاصة والحياتية، وأنها تستحق أن تنشر لما فيها من قيمتها الأدبية بصرف النظر عن موقف الكاتب والأديب محور الجدل.
الأمر ينطبق تقريبا على رسائل أنس الحاج العاطفية التي أرسلها إلى غادة السمان، والتي قامت بدورها بنشرها بذريعة أنها مادة أدبية تستحق النشر، الأمر الذي تسبب في جدلًا أدبيًا واسعًا حتى قبل الإطلاع عليها، حيث انقسم فيه المتابعون إلى فريقين.
رأى الفريق الأول أنها لم تخطئ فيما فعلت، مبررًا ذلك بأن كان هناك عيب، فعلى كاتب الرسائل نفسه، وقد رفع هذا الفريق شعار "من كان منكم بلا رسائل فليرمها بحجر".
الفريق الأكبر كان له وجهة نظر مغايرة، إذ لاقى ذلك باستهجان وسخرية كبيرتين تجاه غادة السمان، مبررًا ذلك بأن الحياة الشخصية هي حرمة، لاسيما للموتى، وأن كان للسمان الحق، فعليها أيضا أن تنشر رسائلها له.
جزء من هذا الفريق رأى في هذه الفعلة متاجرة باسم الشاعر الكبير ومحاولة من امرأة عجوز لفت الكاميرات إليها وخطف الأضواء من جديد بعد الانزواء القاتل الأخير.
يضم الكتاب الصادر عن دار الطليعة، سبع رسائل غرامية من أنسي الحاج إلى غادة السمان كان قد كتبها الشاعر عام 1963 إلى الكاتبة غادة السمان.
المثير للجدل في الأمر أن هذا النوع من الرسائل غالبًا ما يظهر بعد موت صاحبه بحيث لا يملك حق الرد في إثبات أو نفى العلاقة.
لاسيما أن هذه العلاقة لم تذكر في كتابات أنسى على الإطلاق كما لم يحكي عنها أحدًا من أصدقائه المقربين والذي كان يستودعهم أسراره.
وليست هذه هى المرة الأولى التي تنشر فيها السمان رسائل كتبت لها، فحينما كان الكاتب الفلسطيني غسان كنفانى، رمز من رموز المقاومة الفلسطينية، خرجت السمان برسائله لتنشرها للعيان، والتي أظهرت كنفانى للقارئ العربى، هشا وضعيفا.
انسي الحاج الشاعر اللبنانى الكبير المولود عام 1937 بمدينة جزين بلبنان، تعلّم في مدرسة الليسه الفرنسية ثم في معهد الحكمة.
قدم للشعر العربى مجموعة من دواوين الشعر منها "لن، الرأس المقطوع، ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة؟!.. " وغيرهم الكثير.
ترجم إلى العربية أكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت وسواهم، وقد مثلتها فرق مدرسة التمثيل الحديث (مهرجانات بعلبك)، ونضال الأشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان.
في مثل هذا اليوم 18 فبراير 2014 رحل صاحب "الوليمة " الشعرية ليترك لنا ذكرى "ماضي الأيام الآتية "ليؤكد الشاعر ادونيس ان انسى الحاج هو "الانقى بيننا".