أكد إبراهيم الدخيري المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، أن فاتورة استيراد الغذاء في الوطن العربي بلغت نحو 40 مليار دولار، متوقعا ارتفاعها إلى 90 مليارا في عام 2050، الأمر الذي يدفع نحو تسريع خطى التكامل والتعاون العربي نحو تأمين الغذاء.
وقال الدخيري، في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، إن المنظمة تقوم بدور فاعل نحو تحقيق التكامل العربي وحفظ الأمن الغذائي، لافتا في الوقت ذاته إلى ما يشهده السودان من أحداث ومدى تأثر الموسم الزراعي حيث أن هناك خطرا بضياع موسم الزراعة الصيفية والذي يتم خلاله زراعة 50 مليون فدان، كاشفا عن الحاجة لمليار دولار لإنقاذ هذا الموسم.
وأضاف أنه منذ موافقة مجلس الجامعة العربية على إنشاء المنظمة العربية للتنمية الزراعية وهي تعمل على تطوير الأنشطة المتعلقة بالتنمية الزراعية وتنسيقها على المستوى القومي، كما تقدم المساعدة في تقديم الوسائل الجديدة والاستراتيجيات المتعلقة بتطوير هذه المجالات بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية في النفاذ إلى الأسواق العالمية، وتحقق التكامل الزراعي العربي، والوفاء باحتياجات الدول العربية من السلع الزراعية.
وتابع الدخيري أن للمنظمة جملة من الأهداف تتمثل في المساهمة بإيجاد وتنمية الروابط بين الدول العربية وتنسيق التعاون بينها بالمجالات الزراعية وتنمية الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة في قطاعي الزراعة والأغذية، وتحسين وسائل وطرق استثمارها على أسس علمية، ورفع الكفاءة الإنتاجية الزراعية النباتية والحيوانية، والعمل على التكامل الزراعي المنشود بين الدول العربية تحقيقاً للأمن الغذائي العربي.
ونوه إلى انه من بين الأهداف أيضا تسهيل تبادل المنتجات الزراعية بين الدول العربية، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي مع مراعاة الاستدامة، والإشراف على تنفيذ برامج من شأنها مواجهة أزمات الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي.
وأوضح مدير عام المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن المنظمة تعمل من أجل تحقيق هذه الأهداف عبر استراتيجيات تتعلق بتطوير تقنيات الزراعة العربية وتشجيع استثمارات الزراعة وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية، وتهيئة بنية التشريعات والسياسات الزراعية وبناء القدرات البشرية والمؤسسية للدول العربية وتطوير نظم إدارة الموارد البيئية والزراعية.
وقال الدخيري إن المنظمة عملت بعد ذلك وفق استراتيجية كانت تسمى استراتيجية العهدين (2005 – 2025) ولكن تم تعديلها في العام 2020، لتتماشى وتتواكب مع أهداف التنمية المستدامة 2030، والتي تعمل على تحقيق 17 هدفا.
وأضاف أنه "تمت مراجعة استراتيجيات المنظمة وإضافة كل المستجدات والأدبيات وعلى رأسها أهداف التنمية المستدامة وأصبحت لديها استراتيجيه الآن يطلق عليها استراتيجية التنمية الزراعية 2030، تعنى بخمس أهداف هي التكيف والتحور بالنظم الزراعية في المنطقة العربية، والتي تحتاج جميعها تدخلات لتصبح ذات كفاءة وفعالية في القيام بمهامها، والحفاظ على الموارد الزراعية".
وتابع " نعني بذلك مورد الأرض والماء والمواد الوراثية الحيوانية والنباتية والطقس حتى يستفيد من هذا الجيل والأجيال اللاحقة، وقضية التكامل الزراعي خاصة في التجارة الزراعية والاستثمار الزراعي وهو هدف معني بكيفية إيجاد مقاربات مطلوبة على مستوى السياسات والاستراتيجيات والنظم في الدول العربية حتى نحفز قضية الاستثمار الزراعي، وأيضا هناك هدف ازدهار الريف العربي وتطوير آليات التكيف والمرونة في إطار الصعوبات المناخية التي يمر بها العالم والصعوبات الاقتصادية والمجتمعية وعلى رأسها عدم الاستقرار وقضايا الأمن، وكذلك تشاركية المعرفة والتي تعتني ببناء القدرات المؤسسية والقدرات الفنية لمنسوبي المنطقة العربية".
وعن أبرز التحديات التي تواجه التكامل العربي، أوضح أن المنطقة العربية تتمتع بأنظمة مختلفة ولدى كل نظام منه سياسات مختلفة، فضلًا عن وجود أولوية لإنجاز المصالح الوطنية بشكل كبير، فضلًا عن ضعف الاستثمار بالمستوى المطلوب، لافتًا إلى أن الشاهد في هذا الأمر وجود جهود حثيثة للدفع باتجاه إحداث تكامل عبر مشروع تكاملي يخلق ترابطًا ويجلب الكثير من المنافع عبر العمل الجماعي.
وبشأن دور المنظمة في تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية في مجال التنمية الزراعية، قال إن المنظمة قدمت 4 وثائق تتضمن سبل التنمية الزراعية وحماية الأمن الغذائي في القمة العربية بالجزائر، التي أطلق عليها قمه "الغذاء العربي"، حيث تم تقديم وثيقه أولى تتعلق باستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030 وبها رؤية واضحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتتضمن كل الإجراءات المطلوبة من أجل إصلاح العملية الإنتاجية الزراعية، كما تم تقديم وثيقة أخرى تحت مسمى "البرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي" وهي عبارة عن دراسة تتناول مشروعات التكيف للنظم الزراعية الحالية وزيادة كفاءتها، وبها مشروعات واضحة ومحددة وأخرى جديدة، وطرحت استثمارات من أجل التوسع في مساحات ما كانت موجودة، وأخذت كل التدابير المطلوبة حتى لا يكون هذا التوسع خصمًا لقضايا البيئة، واحتوت في مجملها على حزمة استثمارات بلغت حدود 75 مليار دولار في الدول التي تمتلك موارد طبيعية تستكمل معها الموارد والخبرات الموجودة، لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي أو خفض فاتورة الغذاء بالمستوى المطلوبة والآمن الذي يسمح للمنطقة العربية أن تتماشى مع الهزات والصدمات التي حدثت في العديد من مناطق العالم.
وقال إن هناك وثيقه أخرى تناولت المراعي والإدارة المستدامة لها مع حزمة مشروعات لإصلاح حال المراعي والحفاظ على الثروة الحيوانية، مشيرًا إلى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، طالب بالعمل على تفعيل ما جاء بتلك الوثائق، ونحن الآن بصدد دعوة وزراء الزراعة العرب لجلسة حوارية، ومن ثم دخول مؤسسات مالية لإدخال ما جاء بها في حيز التنفيذ لما لتنفيذها من أثر كبير في منظومة الغذاء العربي.
وعن دور المنظمة في تعزيز الابتكار واعتماد التكنولوجيا في الزراعة العربية، قال إبراهيم الدخيري إن المنظمة تعمل على إدخال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة بالزراعة مثل ما يعرف بالزراعات الذكية والزراعة الخضراء والميكنة الزراعية من أجل الحفاظ على الموارد الوراثية للنباتات والحيوانات بما يسمح بالاستفادة القصوى منها مع الحفاظ عليها، وكلها برامج معنية ومصححة للتقنيات الزراعية، كما يتم بذل جهود لدفع استخدام التكنولوجيا في زيادة الإنتاجية.
وعن الشراكات التي تقوم بها المنظمة مع منظمات دولية أخرى لتعزيز التنمية الزراعية، قال إن المنظمة العربية تعتبر الشقيقة الصغرى لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، وكل الهياكل والتخصصات والأنشطة الموجودة في "الفاو"، تتواجد في المنظمة العربية للتنمية الزراعية ولكن في شكلها العربي، ولدينا شركات راسخة وقوية مع العديد من المنظمات الدولية والأممية، مثل برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة " wfp " ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية " UNIDO" وتربطنا أيضًا علاقات متميزة مع الهيئات الإقليمية، مثل الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي " sida"، والجمعية الألمانية للتعاون الدولي" giz" وهناك الكثير من هيئات العمل العربي والتمويل العربي مثل الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا والصندوق العربي للمال الكويتي وكلها تمول بعض الأنشطة التي تقوم بها المنظمة في العديد من الدول، ولكننا دائمًا ما نسعى ونحتاج إلى المزيد من التدعيم والشراكات التي تسمح بمزيد من تحقيق الرؤى والأهداف التي نتطلع إليها.
وبشأن ما يشهده السودانية وتأثير الأحداث على المنظومة الزراعية العربية والأمن الغذائي العربي، أوضح الدخيري أن المنظمة تقدمت بمبادرة تتعلق بالسودان بعد ما شهده من أحداث، خاصة وأن لهذه الأحداث تداعيات على الأمن الغذائي والزراعة، فقد أثرت الأحداث على مدخلات الإنتاج نظرًا لصعوبة التنقل والحركة وأصبح الحصول على المدخلات الزراعية أمر صعب، وهو ما يهدد موسمًا زراعيًا مهمًا وكبيرًا وهو الموسم الصيفي والذي تزرع فيه مساحات كبيرة تصل إلى 50 مليون فدان، وبالتالي إذا فشل الموسم الزراعي هذا سيتأثر هو وكذلك دول الجوار، لا سيما وأن المنتجات الزراعية السودانية تصل إلى كل دول الجوار، وتؤثر التجارة بالمواد الزراعية لدى السودان مع الدول المجاورة في إحداث استقرار بالأسعار.
وأشار مدير عام المنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى أن المنظمة كان لها الريادة في تقديم تلك المبادرة بعدما أصبح جليًا أمامها أنه إذا فشل الموسم الزراعي في السودان سيتعدى الأمر نطاقه الجغرافي.
وأوضح أن مبادرة المنظمة تعمل على حشد الجهود من أجل نجاح الموسم الزراعي الكبير في السودان، عبر دعم جهود وزارة الزراعة السودانية، نظرًا لمحدودية دورها في ضوء الأحداث الجارية، وكذلك توفير المدخلات الأساسية للموسم الزراعي من بذور ومبيدات وأسمدة وغيرها، مشيرًا إلى تناول الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط مؤخرًا لهذا الملف خلال اجتماع "دول الجوار" الذي استضافته القاهرة للفت النظر إلى هذه المشكلة.
ونوه بتشكيل لجنة لإنجاح الموسم الزراعي على رأسها المنظمة العربية للتنمية الزراعية لتكييف هذه الرؤية ووضعها موضع تنفيذ بآليات مختلفة، وبدأنا في إنفاذ هذه المبادرة.
وقدر الدخيري، حاجة السودان إلى دعم يبلغ مليار دولار لإنقاذ الموسم الزراعي هناك، كما نوه إلى وجود ورقة بحثية تتحدث عن جهود إعمار المنظومة الزراعية السودانية عقب ما لحق جراء الأحداث.
وعن تأثيرات التغيرات المناخية على الزراعة وأثر ذلك على الأمن الغذائي العربي، أوضح أن أشد ما يؤثر على القطاع الزراعي هي التغيرات المناخية خاصة في العالم العربي، فلها تأثيرات ثقيلة على الموارد الزراعية الأربع بلا استثناء وهي الأرض والمياه والموارد الوراثية النباتية والحيوانية، مشيرًا إلى أن هناك العديد من المناطق التي كانت تزرع بها أنواع معينه من المحاصيل الزراعية أصبحت الآن غير صالحة لزراعتها، وهو ما يؤثر بلا شك على هذه المحاصيل، فضلًا عن تأثيرات تلك التغيرات المناخية في اتساع رقعة التصحر.
وعن دور المنظمة في مواجهة ذلك، قال الدخيري إن قضايا التغيرات المناخية فرضت تحديات كبيرة أمام المنظمة ويحتاج الأمر منا إلى تطوير المعارف لاستنباط أصناف جديدة من النباتات قادرة على الإجهاد الحراري وقادرة على مقاومة الجفاف وغيرها من التغيرات المناخية، موضحا أن المنظمة قدمت رؤية بشأن التخفيف من وطأة تلك التغيرات المناخية خلال مؤتمر الأطراف "كوب 27" الذي استضافته مصر من أجل التكيف والتخفيف بالقطاع الزراعي.
وتابع قائلا إن للمنظمة علاقات مع كافة الهيئات المعنية بتمويل قضايا التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وهناك مناقشات وتواصل دائم معها، ونفذنا بعض المشروعات بتمويلات مع هذه المنظمات، ولكن التمويل الذي نأمل به كبير على غرار مشروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "الشرق الأوسط الأخضر" والذي يهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة وهو المشروع الذي سيكون له أثر كبير على ملف التغيرات المناخية في منطقتنا العربية، مشيرا إلى وجود مبادرات محلية أيضا للحد من تأثير التغيرات المناخية ومنها المغرب الأخضر، ومبادرة مصر لزراعة 100 مليون شجرة، وكلها تصب في صالح قضايا المناخ.
وقال إن ما حدث هذا الأسبوع من ارتفاع درجات حرارة في أوروبا سيكون له تأثير خلال التفاوض معهم، فيما يتعلق بقضايانا، فمراكز القرار المالي العالمي، يتواجد أغلبها في الغرب، وتأثرهم بالتغيرات المناخية يسهل الاستجابة لنا فيما نطرحه من رؤي ومشروعات للحد من قضايا المناخ.
وعن رؤيته المستقبلية للتنمية الزراعية والأمن الغذائي العربي، أوضح الدخيري إن الأمة العربية ليس أمامها خيار غير الاستثمار داخل الأمة العربية، فهناك استثمارات عربية كبيرة في عديد من الدول نظرا لاستقرارها ولكن ما حدث مؤخرا بين روسيا وأوكرانيا أثبت أنه ليس هناك بقعه على هذه الأرض في مأمن، وبالتالي لابد من إعادة النظر من أجل ضخ استثمارات داخل الوطن العربي.
وأكد أن الأمه العربية تمتلك الخبرات البشرية، ورؤوس الأموال، وتتوفر بها الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وبالتالي فرص التكامل بن بلدانها كبيرة، لافتا إلى دراسة أجرتها المنظمة العربية للزراعة والتنمية، كشفت عن أن فاتورة استيراد المنطقة العربية للمواد الغذائية تصل إلى 40 مليار دولار، وسيتسع الأمر مع حلول العام 2050 وستصبح الفاتورة نحو 90 مليار دولار، الأمر الذي يشكل إرهاقا كبيرا على فاتورة الغذاء العربي ويجعل الأمن الغذائي العربي أمام تحديات كبيرة، مشددا على ضرورة العمل سريعا من أجل تغيير هذا الواقع، بحلول 2030.