إن الأمثال الشعبية مستقاة من خبرات وتجارب الناس في أزمنة معينة، وهي خلاصة تجاربهم العميقة في تلك الأزمنة، ومع صدقها فان بعضها قد يصلح لزمان دون آخر ولبيئة جغرافية وثقافية دون غيرها.
وكثير من الأمثال التي تناقلتها الأجيال تكرست كأنها دين موازي للأديان السماوية، يتمسك به الجمع العقلي الشعبي كموروث قد يغلب ويطغى على الشرائع السماوية خاصة فيما يتصل بالمرأة والنظرة الى المستقبل.
وللأسف فإننا توارثنا كثيرًا من الأمثال المهلكة عقليا ونفسيا واجتماعيا، والتي ليس لها اساس شرعي ديني أو أخلاقي، وكم ضللت الأمثال الشعبية السلبية والمغلوطة عقول أجيال ودمرت بيوت وهدمت تطلعات الكثيرين بالمستقبل، وغيب بعضها العقول وطمستها فلم يستفد الكثيرون من طاقاتهم العقلية والروحية استنادا لما تشبعوه من أمثال متوارثة تشكلت في مجملها عقائد اجتماعية مغلوطة شكلت عقولهم ووجدانهم ورؤيتهم للحياة !!!
فقد كبرت ورأيت أن فاقد الشيء قد يعطيه، وأن الكتاب قد يختلف من عنوانه، وأن رضا الناس ليست غاية أصلا، وأن باستطاعتي أن أشتري لحافاً آخر لأمد قدمي كما أريد.. وأن اليد الواحدة ربما لا تصفق لكنها تربّت وتعين، وأن أشق طريقا ثالثا حين أُخيّر بين طريقين لا أرغبهما.
فكيف أصدق إذًا أن الأمثال الشعبية المخالفة تماما للواقع الذي عشته بحياتي وتجاربي الشخصية؟
ولا شك أن هناك العديد من الأمثال الشعبية التي تحقق معادلة خبرات الشعوب قديما ومصادقة الواقع المعاش لها، خاصة الأمثال التي تحفز الإنسان على التقدم وقهر اليأس والداعية للتفاؤل والبناء، وهناك الأمثال الأخرى المحرضة على العنف وسوء الظن بالاخرين ، وتهميش المرأة والحض على إنكار حقوقها، ومنحها كرامة فقط بالانتساب للزوج اذا كان يحترمها وسلبها هذه الكرامة اذا انتقص الزوج من مكانتها الاجتماعية امام الاخرين كما في الامثال الشعبية العربية “ "اللي جوزها يقولها: يا عوره يلعبوا بيها الكورة، واللى يقولها: يا هانم يقفولها على السلالم"، و"لو الطلاق بإيد المرأة بتصير الحياة مسخرة"، و"غيرة المرأة مفتاح طلاقها".
فمثل هذه الأمثال تسلب المرأة حقها في الطلاق رغم بعض النصوص الشرعية تبيح ذلك الحق في حالات معينة كالخلع مقابل التنازل عن مهرها وحقوقها، وبعضها يسلبها طبيعتها البشرية كالغيرة مثلا، رغم وجود حديث صحيح لنبينا محمد يثبت غيرة أم المؤمنين عائشة من السيدة خديجة.
لا شك أن الكثير أيضا من الأمثال تحترمها عقولنا وتقبلها خاصة المتصلة بالحب والاستقامة الأخلاقية، والاعتزاز بالنفس وحفظ كرامة الإنسان والرضا بالرزق، ومن نماذجها الراقية إلى يحبه ربه يحبب فيه خلقه، امشي عدل يحتار عدوك فيك، بصلة المحب خروف. أكل مسني واعيش مهني، ولا كبابك اللي قتلني، تعبيرا عن حب الطعام القليل بعزة خيرا عن كثيره بإذلال ومهانة.
ومن الأمثال الداعية الى الصدق، قل له في وشه، ولا تغشه، كل عقدة ولها حلال وهو من الامثال البناءة التي تحفز طاقة التفاؤل عند الأزمات، وكذلك “إن دبلت الوردة ريحتها فيها “ وهو تعبير عن الإنسان عندما يتقدم به العمر ويفقد منصبه وقوته لكنه لا يزال يتمتع بمواهبه العقلية والروحية وكرامته الغالية.
وهناك العديد من الأامثال المتضاربة فيما بينها، وهذا التضارب يؤكد حاجة الإنسان على أعمال عقله وتدبرها فرز ما تلقاها من أمثال وانتقاء ما يناسب تجربته وصدق الواع معها، فالمثل الذي يحبب الاباء في البنات “ أب البنات مرزوق “ ، يقابله أمثلة أخرى هدامة منها "عقريتان عالحيط ولا بنتين بالبيت"، و"صوت حيّة ولا صوت بنيّة"، و”البنت للعفن والولد للكفن” و“إن ماتت إختك انستر عرضك وإن مات أخوك انكسر ظهرك”.
هذه النماذج المهلكة والمتخلفة من الأمثال يجب طمسها من حياتنا الاجتماعية وتدليتها بلغة الكمبيوتر من ذاكراتنا الجمعية، خاصة التي تهين المرأة وتدمر تطلعها للمستقبل وحريتها في اعمال عقلها ، او الأخرى التي تهين كرامة بني آدم وخضوعه لغير لله تعالى.
دعــــــــــــوة
أدعو كل ذو عقل في علمنا العربي كبار بالسن وشباب وبنات وأولاد ورجال ناضجين لغربلة كل ما حشيت به عقولهم ووجدانهم من أمثال مغلوطة مضللة، تتنافي مع نعم الله علينا من عقل وقلب وحرية واديان مقدسة تنير الدرب أمام الضلالات الفكرية التي نعيشها بفعل هذه الأمثال المتخلفة والتي لم ينزل الله بها سلطان
وعلى المؤسسات الفكرية والدينية والتعليمية الإعلامية بوطننا العربي كله من المحيط إلى الخليج أن يتبنى استراتيجية عبر مفكريه مثقفيه المتخصصين لغربلة الأمثال الهدامة وفضح طاقاتها السلبية وإظهار تأثيراتها الخطيرة على عقولنا وحياتنا الاجتماعية.
سارة طالب السهيل