رأت دورية ذا ديبلومات الأمريكية، أن التوسع في استخدام الأنظمة العسكرية غير المأهولة لتحقيق أهداف هجومية أو دفاعية، يهدد بزيادة احتمالية التصعيد في الصراعات الإقليمية، خاصة في ظل غياب إطار عمل متفق عليه عالميًا.
وأشارت ذا ديبلومات إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تشهد طفرة ملحوظة في استخدام وانتشار المركبات الجوية غير المأهولة (UAVs)، ما جعل الأمر يصبح تدريجيًا ممارسة مألوفة أو "طبيعية"، لا سيما وسط التوترات السياسية في بحر الصين الشرقي ومضيق تايوان، موضحة أنه يتم استخدام هذه الأنظمة لمجموعة من الأهداف العسكرية والأمنية الدفاعية والهجومية.
كما رأت الدورية الأمريكية أن استخدام الأنظمة غير المأهولة لتحقيق الأهداف الهجومية يوفر فوائد مميزة، بينما استخدام أنظمة غير مأهولة لأغراض دفاعية لا يعد الاستراتيجية المثلى، مضيفة أن انتشار هذه الأنظمة في ظل عدم وجود إطار راسخ من اللوائح والمعايير، يزيد من هشاشة الأوضاع الأمنية المتوترة بالفعل، مما يزيد من احتمالية سوء الفهم والتقييمات الخاطئة والنتائج غير المقصودة التي قد تصعد الوضع إلى حالة النزاع المسلح، بصرف النظر عن النوايا الأصلية لأطراف في تجنب مثل هذه الأعمال العدائية أو البقاء على الحياد .
وأوضحت أنه من وجهة نظر عسكرية هجومية، هناك عدة أسباب لانتشار الأنظمة غير المأهولة، أولها يتمثل في الجانب الاقتصادي؛ إذ يؤدي الانخراط في مثل هذه العمليات إلى تكبد الطرف الآخر لنفقات كبيرة، مضيفة أنه على سبيل المثال، أدت الاقتحامات المتصاعدة من قبل السفن والطائرات الصينية، بما في ذلك الأنظمة غير المأهولة، إلى أن تضطر اليابان وتايوان إلى زيادة دورياتهما الجوية والبحرية، وبالتالي، يتم إعادة توجيه تخصيص الميزانيات العسكرية من القطاعات البديلة مثل اقتناء الأسلحة، لافتة إلى أنه عند دراسة الفوارق في الميزانية بين الصين واليابان، لا سيما فيما يتعلق بتايوان، يمكن ملاحظة أن هذه الإجراءات عقلانية عند تحليلها من منظور صيني.
وأشارت ذا ديبلومات إلى أن تايوان تقوم حاليا بتقليص العمليات المأهولة التي تهدف إلى مواجهة القوات الصينية في مجاليها الجوي والبحري، فبدلا من استخدام أنظمة مأهولة، انتقلت تايوان إلى استخدام أساليب تتبع الرادار لمراقبة القوات المعادية، وفي مارس 2023، قدمت تايوان طائرة مراقبة قتالية جديدة بدون طيار، والتي يمكن اعتبارها تدبيرا مضادا بدون طيار ضد الأخطار غير المأهولة، كما أدخلت تايوان مؤخرا سلسلة من الطائرات العسكرية المحلية بدون طيار، بما في ذلك طائرة "باتروس 2"، من خلال التعاون مع مطوري الأسلحة العسكرية المملوكين للدولة.
وذكرت الدورية الأمريكية أن هذا الأمر يجسد تأثير العمليات التي تقوم بها الصين على القدرات العسكرية لتايوان، مضيفة أنه حتى بدون الأعمال العدائية العلنية، يمكن أن تفرض هذه الإجراءات أعباء مالية كبيرة على تايوان وربما تقلل من مواردها المتاحة، وإن لم تستنفدها بالضرورة.
ونقلت "ذا ديبلومات" عن القائد البحري البارز في الولايات المتحدة، مايكل بروتي، ما نشره في مقال قبل عامين تحت عنوان "War on the Rocks"، حيث أعطى عدة مبررات لتفويض حرية عمليات الملاحة (FONOPs) للأنظمة غير المأهولة، والتي تضمنت إمكانية خفض التكاليف، إلى جانب ميزة زيادة الموارد البشرية في تايوان، إلا أن ديناميكيات توفير التكاليف المماثلة تنطبق أيضًا على الصين؛ إذ يعد استخدام الأنظمة غير المأهولة، في كل من المجالين الجوي والبحري، أكثر فائدة من الناحية الاقتصادية مقارنة بنظيراتها المأهولة.
وأضافت أنه إلى جانب المنطق الاقتصادي، فإن الجانب العملي له أهمية أيضا؛ لتشابكه مع المنظورات الاقتصادية والسياسية، إذ توفر الأنظمة غير المأهولة قدرات تحمل فائقة مقارنة بنظيراتها البشرية؛ مما يعني أن الصين لديها القدرة على الانخراط في غارات بشكل متكرر باستخدام أنظمة غير مأهولة، وهو ما اتضح مؤخرا في استخدام الصين لأنظمة غير مأهولة للإبحار حول تايوان.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن الوجود المطول لهذه الأنظمة في محيط منطقة تحديد الدفاع الجوي في تايوان (ADIZ) يشير إلى زيادة احتمالية التعدي على المناطق الدفاعية؛ مما يعني أن التدخل البشري من الجانب المدافع (في هذه الحالة تايوان) مطلوب باستمرار، بالإضافة إلى الموارد المخصصة لمراقبة هذه الأنظمة.
وأضافت أن الصين استخدمت بفعالية أسطولها غير المأهول في العديد من النزاعات السياسية المهمة داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ مما يُظهر التكامل الناجح لهذا النظام، إلى جانب أن استخدام الأنظمة غير المأهولة المتطورة بشكل متزايد عبر مختلف المجالات يتوافق بدقة مع استراتيجية الصين الحالية.
وأشارت إلى أن مفهوم "الاستراتيجية التراكمية" ينطوي على تآكل تدريجي للتصور بأن تايوان أو اليابان أو الجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة تمتلك سيطرة كاملة على مناطقها الجوية والبحرية، إذ تعمل هذه الاستراتيجية على توسيع مجال نفوذ جمهورية الصين الشعبية بشكل فعال، مدللة على ذلك بالوضع في بحر الصين الجنوبي، حيث أثبتت الاستراتيجية التراكمية نجاحها، فعلى مدى العقدين الماضيين، أصبح الآن بحر الصين الجنوبي تحت سيطرة الصين فعليا بعد أن كان ممرًا مائيًا متنازع عليه.
ورأت ذا ديبلومات أنه مع توسع جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) في نشره للوحدات العسكرية في مهام مختلفة، يصبح من الواضح أن قوات الدفاع الذاتي اليابانية (SDF)، وكذلك القوات المسلحة التايوانية، تواجهان تحديات حقيقة في مجابهة زيادة عرض القوة لجيش التحرير الشعبي بشكل فعال. وأوضحت أنه على عكس جيش التحرير الشعبي الصيني الذي ينشر في كثير من الأحيان العديد من الطائرات والسفن البحرية، يتميز رد تايوان بتقييد نشر القطع العسكرية، وهو ما يعزز التصور السياسي السائد بأن الصين تشهد نموًا كبيرًا في النفوذ العسكري والسياسي على حد سواء، وتتفوق بشكل متزايد على الخصوم المحتملين.
وأشارت إلى أنه رداً على ذلك، تفكر اليابان وتايوان حاليًا في استخدام أنظمة غير مأهولة كوسيلة لمعالجة التوغلات في المجالين الجوي والبحري الخاصين بكل منهما.
ورأت "ذا ديبلومات" أنه في حين أن فعالية الأنظمة غير المأهولة في حالات الصراع عالية الكثافة واضحة، إلا أن فائدتها أقل في معالجة التدخلات التي تحركها في المقام الأول أهداف سياسية وليست عسكرية، والتي يكون الهدف منها إضفاء شعور بالسيطرة الإقليمية؛ إذ أن استخدام الأنظمة غير المأهولة لمواجهة الاختراقات المعتمدة على الأنظمة المأهولة، يضفي تصورًا بأن الجانب المدافع غير قادر على الرد بنفس الوسائل.
وأوضحت الدورية الأمريكية أن الإدراك يلعب دورا مهما في الصراعات السياسية الأوسع داخل المنطقة، والتي تشمل بحر الصين الشرقي ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، إذ أن إدراك الهيمنة والقوة السياسية له أهمية كبيرة، مضيفة أنه لهذا السبب يمكن تفسير قرار استخدام أنظمة بدون طيار لأغراض دفاعية على أنه مظهر من مظاهر الضعف العسكري.
ورأت ذا ديبلومات أنه في حين أن الأنظمة غير المأهولة قد لا تكون مثالية للأغراض الدفاعية، إلا أنها ستستمر في الحفاظ على قيمتها في العمليات الهجومية؛ مما يطرح سؤالا حول الطريقة التي سيعيد بها هذا الاتجاه تشكيل البيئة الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وفي إشارة إلى رأي مايكل بروتي في مقاله المشار إليه آنفا، القائل بأن غياب المشغلين البشريين في الأنظمة غير المأهولة سيؤدي إلى تقليل احتمالية التصعيد، بحجة أن تدميرها المحتمل سيكون أقل تصعيدًا، أوضحت ذا ديبلومات أن هذا السبب يمكن استخدامه بطريقة عكسية؛ إذ توفر قلة المشغلين البشريين والنتائج التدريجية المنخفضة المرتبطة بالأنظمة غير المأهولة للجانب الهجومي مستوى إضافيًا من التصعيد، ما يحد من الجهود المحتملة لمنع الاشتباك العنيف الذي يمكن أن يقود كلا الجانبين عن غير قصد إلى صراع محتدم، ما يعني أن نشر الأنظمة غير المأهولة يتوافق بشكل كبير مع استراتيجية أوسع تعمل بشكل تدريجي على تكثيف الضغط على الجانب المدافع.
ونقلت الدورية الأمريكية عن العقيد الكبير السابق في جيش التحرير الشعبي الصيني تشو بو، تأكيده، في مقابلة حديثة مع صحيفة "اليابان تايمز"، أن احتمالية التصعيد واحتمال نشوب صراع أعلى بكثير في بحر الصين الجنوبي مقارنة بالصراع في مضيق تايوان، حيث أوضح أنه "من غير المحتمل أن تكون الحرب على تايوان ناتجة عن صدفة، بالنظر إلى مستوى التدقيق المطبق على كل كلمة يتم نطقها وكل إجراء يتخذه كل جانب".
ورأت "ذا ديبلومات" أن صلاحية هذا الرأي تقتصر على التفاعلات بين الأنظمة المأهولة، لكن عند إضافة أنظمة جوية بدون طيار إلى هذا المزيج، فإن القدرة على تدقيق كل إجراء والسيطرة عليه تتلاشى؛ حيث لا توجد أطر راسخة للتفاعل مع هذه الحالات والرد عليها.