تقرير: دعاء رفعت
يقع بيت الضيافة التابع للمعهد الإسرائيلى للاستخبارات والمشاريع الخاصة، أو ما يعرف باسم الموساد، على قمة تلة صغيرة تطل على البحر الأبيض المتوسط شمال تل أبيب وهو مبنى صغير به غرفة معيشة، وغرفة نوم، والعديد من قاعات المؤتمرات الصغيرة كما يحتوى على مطبخ وغرفة طعام كبيرة، وفى عام ١٩٧٣، كان بيت الضيافة تقريبا المبنى الوحيد فى المنطقة. أمامه مباشرة الطريق الساحلى الذى يربط تل أبيب بالجليل وحيفا واليوم مقر الموساد الحالى هو أيضا بجوار مبنى دار الضيافة القديم.
فشلت المخابرات الإسرائيلية «الموساد» فى رؤية الحرب القادمة عام ١٩٧٣ لأنها كانت مقتنعة تماما بأن العرب لن يخوضوا حربا لأنهم سوف يخسرون، وبالتالى فإن خطر الحرب كان ضئيلا, فكل مؤشرات الاستعدادات الحربية وأى تحذيرات من الحرب لم تؤخذ على محمل الجد؛ ولكن ظل المفهوم السائد لدى القيادة الاستخباراتية والسياسية وكذلك الجمهور هو اليقين بأن إسرائيل قادرة على الفوز دائما, ولا يزال مدى فشل المخابرات الإسرائيلية فى عام ١٩٧٣ مذهلا بعد أكثر من ٤٠ عاما..
ففى أولى التقارير التى نشرت عن الفشل الاستخبارى فى الصحف الإسرائيلية قال «أهارون ليبران» نائب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق إن الملك «حسين بن طلال» ملك الأردن وجه تحذيرا صريحا بأن سوريا ومصر على وشك مهاجمة إسرائيل, وبعد ذلك, ناقش «دايان» التحذير اليوم التالى مع كبير ضباط المخابرات فى الجيش الإسرائيلى الجنرال «إيلى آزيرا» ونائبه «آريه شاليف» ومسئولين أمنيين آخرين, والنتيجة كانت أنهم رفضوا تحذير الملك ووصفه بأنه غامض جدا وربما مجرد تخمين, فقط «الكولونيل زوسيا» مساعد «شاليف» قال إنه يجب أن يأخذ تحذيرات الملك الأردنى على محمل الجد..
وفقا لما نشرته صحيفة «هآرتس» فى وقت سابق, فإن هناك تاريخا للخلافات بين الجيش الإسرائيلى وجهاز الموساد يعود إلى ما قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣, والتى قالت إنه فى عام ١٩٥٥ لم تكن لدى تل أبيب أى معلومة مسبقة عن صفقة الأسلحة التشيكية التى أجراها الرئيس المصرى «جمال عبد الناصر»، والتى كانت سوفيتية بالأساس», وفى أواخر الخمسينيّات واجه «حاييم هرتسوج» رئيس قسم المخابرات التابع للجيش اتهامات لعدم تقديم أيه معلومات حول تعبئة قوات من الجيش المصرى فى سيناء فى فبراير ١٩٦٠, والذى ألقى المسئولية على الموساد آنذاك والذى قال إن الجهاز لا يساعد الجيش الإسرائيلى ولا يقدم له أية معلومات حقيقية, ففى رسالة بعث بها لرئيس الأركان الإسرائيلى «تسيبى تسور» قال إن الموساد لم يقدم أية معلومات حول تدريب «خالد بن الوليد» الذى جمع بين القوات المصرية والسورية والذى يهدف إلى إمكانية نشر قوات على حدود إسرائيل مع سوريا.
فى الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣, كان يوجد ٤٥٠ جنديا إسرائيليا فى ١٦ حصنا صغيرا فقط, وكان معظمهم من جنود الاحتياط المدربين تدريبا جيدا ولكن لم يسبق لهم القتال من قبل, وكان مايقرب من ٨٠ فى المائة من قوات الجيش الإسرائيلى ضمن صفوف الاحتياط, فى مقابل هجوم خمس فرق تابعة للجيش السورى مع ١٤٠٠ دبابة و ١٠٠٠ قطعة من المدفعية كتائب قوات الدفاع الإسرائيلية القاتلة فى الجولان، التى كان لديها ١٧٧ دبابة و ٥٠ قطعة مدفعية فقط. وفى الوقت نفسه، عبرت خمس فرق مشاة مصرية تضم ١٣٠٠ دبابة و ٢٠٠٠ قطعة مدفعية قناة السويس, وفى ذلك الوقت كان من المفترض أن تتم تعبئة الجيش بناء على تحذيرات الموساد، والتى كان من المفترض أن تكون قبل أى تهديد حقيقى بيومين على الأقل..
فى عام ١٩٧٤, شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة «اجرانات» لدراسة سبب مفاجأة إسرائيل والتى قالت إن الموساد كان لديه معلومات مؤكدة أن الرئيس المصرى «أنور السادات» لن يهاجم إسرائيل وأنه يحتاج إلى قاذفات مقاتلة بعيدة المدى يمكن أن تهاجم القوات المسلحة الإسرائيلية على الأرض فى قواعدها فى إسرائيل وصواريخ سكود السطحية والتى ينبغى على الاتحاد السوفيتى تقديمها لمصر أولا ومن ثم تفكر فى الحرب, وهو ما جعل إسرائيل تحكم مسبقا على أى هجوم عربى بالفشل .. وكان العميل «بابل» هو مصدر هذه المعلومات التى اعتمد عليها الجيش الإسرائيلى حول تفوقه فى الجو وعلى الأرض والذى تدعى إسرائيل اليوم بأنه «أشرف مروان» الذى شغل منصب مدير مكتب الرئيس «السادات» للمعلومات, ووفقا للموساد فى وثائق تم الكشف عنها عام ٢٠١٢, عرض مروان خدماته على الموساد فى عام ١٩٦٩ خلال رحلة إلى لندن, وقدم عشرات الوثائق من أكثر المواقع حساسية من داخل مؤسسة الأمن القومى المصري، بما فى ذلك النظام الكامل لإدارة الحرب من قبل الجيش المصرى والخطط التفصيلية للهجوم, وأنه أبلغ عن يوم الحرب ولكنه لم يحدد فى أى ساعة سيكون الهجوم.
وقالت اللجنة بعد عدد من التحقيقات أن الفشل الاستخبارى كان هائلا وكلف إسرائيل ٢٦٥٦ قتيلا و ٧٢٥٠ جريحا, وتم تدمير ٣٠٠ دبابة من الدبابات الإسرائيلية الـ ٥٠٠ على القناة والجولان فى الأيام الأولى من الحرب, وكانت من أهم العمليات التى وقع فى شباكها الموساد قبيل نشوب حرب أكتوبر كانت عملية اختطاف قطار على متنه عدد من اليهود الروس من قبل جماعة الصاعقة السورية, ففى ٢٨ سبتمبر عام١٩٧٣ تمت مهاجمة قطار للمسافرين كان فى طريقه من برتسلافا إلى فيينا, وتمت السيطرة على القطار فى أثناء توقفه فى الجانب النمساوى من الحدود مع تشيكوسلوفاكيا, وكان من بين المسافرين عدد من اليهود الروس فى طريقهم إلى إسرائيل كما تم أخذ خمسة من اليهود وضابط جمارك نمساوي كرهائن وهدد الخاطفون بقتلهم ما لم توقف النمسا هجرة اليهود من روسيا إلى إسرائيل عبر أراضيها وتغلق معسكر نقل المهاجرين التابع للوكالة اليهودية والقريب من فيينا, سبب ذلك الحادث قطعت «جولدا مائير» على زيارتها إلى فرنسا وتوجهت إلى النمسا لإقناع «برونو كرايسكي» المستشار النمساوى السابق بالإبقاء على معسكر المهاجرين مفتوحا, هذه العملية تهدف إلى صرف الانتباه الإسرائيلى فى هذا الوقت, كما كانت السبب فى غياب «مائير» عن إسرائيل حتى الثانى من أكتوبر ١٩٧٣, وفى ذلك الوقت اتخذ «ديان» قرارا هو ما ساعد إسرائيل على الاحتفاظ على هضبة الجولان السورية المحتلة, حيث أمر بإرسال تعزيزات للجيش الإسرائيلى فى الجولان ومضاعفة عدد الدبابات حيث قال «دايان» إن الجانب السورى فى وضع يسمح له بالهجوم على إسرائيل ..
تغيير المشهد السياسى فى إسرائيل, كان من أهم نتائج الحرب حيث قدمت «جولدا مائير» رئيس وزراء إسرائيل وقت الحرب استقالتها وانتهى عصر اليسار الإسرائيلى الذى لم يستطِع الحفاظ على زمام الأمور الذى تولاه منذ قيام دولة إسرائيل حتى عام ١٩٧٧ بصعود حزب الليكود اليمينى وهو الحزب الحاكم اليوم بزعامة «بنيامين نتنياهو», ففى مذكراتها قالت «مائير» إنها بالفعل تلقت تهديدا فى السادس من أكتوبر بهجوم سورى مصرى مشترك على إسرائيل، إلا أنه قبل أن ينتهى الاجتماع أصر «موشيه دايان» وزير الدفاع آنذاك بعدم تعبئة الجيش، واقتصار الأمر على استدعاء عدد من جنود الاحتياط فقط, وعندها انطلقت صافرات الإنذار فى أنحاء إسرائيل.