الأربعاء 15 مايو 2024

يوسف القعيد يكشف ما دار بينه وبين نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله (حوار)

يوسف القعيد ونجيب محفوظ

ثقافة30-8-2023 | 15:47

عبدالرحمن عبيد

تعد العَلاقة بين أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ والذي تحل ذكرى رحيله اليوم 30 أغسطس، وتلميذه الكاتب الصحفي بـ«دار الهلال» والروائي الكبير يوسف القعيد، عَلاقةً وثيقة، فقد أرخ له -أي القعيد- في أكثر من مقالة، وصاحبة في عدَّة مجالس كان يشاركهم فيها، الساخر محمود السعدني، وجمال الغيطاني، وغيرهم.

لكن حاز القعيد مكانة خاصة وهذا ما سيظهر بوضوحٍ في كلمة محفوظ لما أخبر أن القعيد يودُ زيارته حينما كان يتعافى من آثار محاولة الاغتيال فقال على الفور: "إنني اعتبره من أهل بيتي"

في مقال سابقٍ له في مجلة «المصوّر» نُشر في الـ3 من سبتمبر عام 2014، يسترجع يوسف القعيد حوارًا جرى بينه وبين نجيب محفوظ، بعد دخوله المستشفى على إثر محاولة اغتيال وقعت له يوم الـ14 من أكتوبر عام 1994، طعن بسببها في عنقه طعنةً كادت تودي بحياته، إلا أنه نجى وأخذ في التعافي تدريجيًا.

ويستهل "القعيد" مقاله كالآتي:

"قبل عشرين عامًا، في أكتوبر 1994 تعرَّض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال آثمة، والحمد لله أنها كانت فاشلة، بعد القبض على القاتل قال إن لديه فتوى من أميره بقتل نجيب محفوظ لأنه كتب رواية تتناول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة لا تجوز، لم يكن القاتل قرأ الرواية وعندما عرض عليه وكيل النيابة أن يحضر له الرواية ليقرأها رفض وقال إن الأوامر الصادرة إليه من أميره واجبة التنفيذ ولا تناقش وقع الحادث يوم الجمعة.. وفي صباح السبت اليوم التالي للحادث مباشرة كنت عنده في العناية المركزة بمستشفى الشرطة بالعجوزة ومعي زميلي المرحوم المصور الفنان شوقي مصطفى الذي أصر على حضور معي رغم أنه كان كبير مصوري الهلال في ذلك الوقت كان دخول المستشفى مشكلة.. وكان وجود الكاميرات معنا قضية كبرى، ثم إن إجراء حوار معه واجهته عقبات كثيرة".

ويسرد "القعيد" ملبسات ذهابه إلى مستشفى هيئة الشرطة بصحبة صديقه الراحل شوقي مصطفى المصور بـ«دار الهلال» وكانت المستشفى قريبة من منزل "محفوظ"، لما أستأذن الممرضون "محفوظ" في أن يزوره القعيد وصديقه، قال لهم "إنني اعتبره من أهل بيتي"، وأخذ يحدثهم عن انقطاع الجرائد والمجلات عنه، مما أدى لجهله التام بما يحدث بالعالم، وجراء ذلك طلب من زوجته أن تشتري له الجرائد والمجلات وتضعها في المنزل لحين عودته.

ويذكر "القعيد" الدكتور يحيى سلامة رئيس قسم العناية المُركزة بالمستشفى وأخصائي القلب، وكيف كان من أشد المعجبين بأدب نجيب محفوظ بالإضافة إلى كونه قارئًا له، وقد وصف "محفوظ" بوصفه إياه "مريض مثالي".

سأل القعيد في مستهل لقائه نجيب محفوظ عن حاله فأجب وعلى حدِّ تعبير "القعيد" *وكأنه يحكي حكاية:

_ كان الأمر سلسلة من المصادفات الحسنة.. التي ساقها لي القدر، جاء العدوان أمام البيت، وكان معي الدكتور محمد فتحي هاشم وهو كما تعلم طبيب بطري. لقد أنقذ حياتي.. فلديه من المعلومات الطبية الأولية ما جعله يتصرف بحكمة الطبيب وحب الصديق، ثم كانت مستشفى الشرطة قريبة جدًا.. لا تزيد المسافة على 200 متر إنني كمَن انتقل من بيته إلى بيته، خيِّل لي كما لو كان المستشفى بُني في هذا المكان من الأصل والأساس من أجل هذه المهمة التي تخصني، إنها بجوار بيتي ولكن تشاء الأقدار ألا يدخلها الإنسان سوى في هذا اليوم وعلى هذه الصورة.

ورغم أن يوم العدوان علىَّ كان يوم الجمعة، فإن الاستعداد فاق كل توقع.. ووزير الداخلة اللواء حسن الألفي كان حاضرًا، بل وحرص على زيارتي أكثر من مرة للاطمئنان عليَّ.. مَن كان يتصور أن كل هذا سيحدث؟

 

*كيف وقع الحادث؟!

لقد هممت أن أمُد يدي للقاتل لكي أُسلم عليه.. وأحاول الاستماع إليه ولكنه فاجأني بسكين الغدر هجم عليَّ بوحشية مع أنني تصورت أنه يريد السلام عليَّ والتقاط صورة معي وسؤالي عن كتاب من كُتبي كما يفعل الكثيرون معي.

 

*السفر.. ثمَّة كلام عن سفرك للخارج للعلاج..؟!

لا أريد السفر إلى الخارج.. إنهم يقولون إن عيني في حاجة إلى علاج، والمياه التي على عيني قديمة منذ سنوات مضت والطبيب قال لي إنه حتى لو أجريت العملية فإن هذا لم يؤثر على حالة الإبصار وأطباء مصر الذين يعالجونني سواء من آثار الحادث أو الأمراض المزمنة التي أُعاني منها منذ سنوات، هؤلاء الأطباء في مستوى أفضل الأطباء في العالم، إن لم يتفوقوا عليهم.

 

*عندما كنت في لندن وكنت أتصل بك.. كانت ابنتكَ هدى تشكو من سوء حالتك النفسية دائمًا..؟

إن المسألة تبدو شديدة الاختلاف الغربة مؤلمة والسفر بالنسبة لي فكرة صعبة ولا بد من وجود ضرورة حقيقية من أجل أن أقبل فكرة السفر نفسها.

 

*والتحقيق معكَ؟!

لقد استغرق ثلاث ساعات ونصف من بعد ظهر الخميس الماضي.. وقفت لكي أسلم على رئيس النيابة الذي كان مهذبًا جدًا ولطنه أصرَّ على عدم وقوفي.

 

*كان هناك كلام عن أولاد حارتنا؟!

_طبعًا وهذا جيد من وجهة نظري.. لقد تحدثت مطولًا عن هذه الرواية أليس غريبًا أن البعض يتكلم عنها الآن؟ مع أنها منشورة منذ سنة 1959 أي منذ حوالي 35 سنة.. إن مُعظم الذين يتحدثون عن هذه الرواية لم يقرأونها.. البعض سمع عنها وصدق ما سمعه دون قراءة وبنى حُكمًا.

عمومًا بعد هذا التحقيق نمت نومًا عميقًا، لقد أراحني التحقيق ومنذ الحادث لم تحدث لي هذه الحالة من النوم الطويل والعميق.. يبدو أنني استرحت نفسيًا بعده.

ثم يعلق القعيد في مقالته على كلام "محفوظ" قائلًا: إن الدكتور يحيى سلامة حضر التحقيق من أوله إلى آخره باعتباره الطبيب المسؤول عن العناية المُركزة ومن أجل أن يلاحظ حالة الأستاذ الصحية خلال التحقيق الذي طال. وقال إن الأستاذ كان حاضرَ الذهن يقظًا طَوال التحقيق وأن رئيس النيابة عادل فياض يبدو أن له اهتمامات أدبية كثيرة.

 

ثم بادر بسؤال "محفوظ" متسائلًا:

*وكيف وقَعْت على أقوالكَ؟

يدي اليمنى ما زالت تحت العلاج أنا أُحركها الآن.. وأحرك أصابعي أيضًا، ولكن مسألة التوقيع ما زالت صعبة، ولذلك بصمت بيدي اليسرى.

 

*تتجه النية الآن إلى التصريح بنشر أولاد حارتنا في مصر؟!

أنا لا أُرحب بهذا يمكن أن أوافق عليه ولكن بعد فترة من الوقت، ليس الآن على أي حال إن المطلوب في هذه الأيام أن يتكلم الأزهر الشريف أن يعلن موقفه من هذه الرواية المحبة للدين ولو حدث هذا لكان أفضل من التصريح بطبعها في مصر يُمكن أن يكون الطبع بعد هذا.

 

*ماذا عن مرحلة ما بعد العلاج؟!

مِن الصعب الاستغناء عن الأصدقاء وجلساتهم المختلفة ربما كان هذا الكلام سابقًا لأوانه ولكن لا بُد من العودة إلى الجلسات مرة وقَبول فكرة الحراسة أؤجلها لحينها لقد هُددت من قبل أكثر من مرة عُرضت عليَّ الحراسة ولكني كنت أخشى على مَن سيحرسني مِن التعب لكثرة حركتي كل يوم وفي مرحلة سابقة كنت مشاءً أمشي كثيرًا جدًا كل يومٍ قلت ما ذنب الحارس حتى أبهدله معي الآن اختلف الأمر.

 

*كنت أشاهد في بعض الأحيان حراسة على باب البيت؟!

هذه حراسة كانت من القسم ولكنها لم تكن منتظمة كان العسكري المُكلف بها يحضر يومًا يحضر الآخروأنا لم أكن مهتمًا.

يعود "القعيد" إلى سرده قائلًا: «ما إن رآني الأستاذ نجيب حتى سألني: أين جمال؟ من كثرة ما تعود على أن يرانا معًا.

قلت له: خيانة بسيطة فضحك ضحكته الصافية وإن كان المرض قد منع الضحكة من الانطلاق عاليًا كما تعودنا.

سألني عن عماد العبودي وباقي شلة يوم الثلاثاء حيث كُنا نلتقي أسبوعيًا ثم توقف وسألني: إن كنا قد ذهنا إلى توفيق صالح من أجل تقديم العزاء لزوجته في وفاة شقيقتها؟

قلت له إننا لم نعلمْ سوى يوم الحادث نفسه وما جرى سرقنا جميعًا حتى من الواجبات التي لا بُد من القيام بها.

قال لي إن زكي سالم زارني وفتحي هاشم حضر إليَّ وهذا أسعدني بدون حدود».

ثم يعود "القعيد" لتساؤلاته، فيبادر "محفوظ"، بسؤاله عن الحادث وهل يطوف بخياله القصصي الآن؟!

_هذا الحادث من الأمور الهامة التي وقعت لي في حياتي ويمكن أن أتناوله مستقبلًا في يوميات أو مذكرات أما رواية فهذا صعب.. إنني من ناحية الكتابة الفنية لا أقدم سوى القصة القصيرة فقطوهي قصة مختصرة ومُختزلة.

وقف يوسف القعيد ذاهلًا قُبالة نجيب محفوظ الذي تمدد على الفراش بجسدٍ نحيل، أصابه الوهن، ويتعجب متسائلًا: كيف لرجل مثل هذا اعتاد على الحرية وله طقوسه في القراءة والكتابة، أن يصبح أسير هذا السجن الذي يقيده، وبرغم المرض الذي تملك محفوظ في سنواته الاثنا عشر الأخيرة من عمره فإنه وعلى حدِّ طبيه المعالج الدكتور يحيى سلامة: حالة فريدة، إن إرادته أكبر من إمكانياته، والقابلية للشفاء، إرادة أكثر منها إمكانية، وقبل كل هذا وبعده مشيئة الله سبحانه وتعالى.