الأحد 16 يونيو 2024

«سهير وفرحانة» بطلتان في ساحة معركة العزة بأرض الفيروز

5-10-2017 | 16:53

 

كتبت : شيرين صبحي

كان قلب «سهير أحمد» يحدثها بأنها لن ترى زوجها مرة أخرى، فاستوقفته عند الباب؛ في محاولة لتأخير ذلك الغياب الطويل الذي يتراءى لها شبحه، تحسسته للمرة الأخيرة لتهدئ من روع قلبها الذي سكنته الوحشة.

 

صدق حدس سهير، ليأتيها بعد أقل من 20 يوما خبر استشهاد زوجها الرائد مدحت عبداللطيف مكي في حرب أكتوبر المجيدة.

 

لم يكن مر على زواج سهير وعرسها سوى ستة أشهر، وقبل الحرب بعشرة أيام، قضى معها زوجها ثلاثة ليالٍ كانت مدة إجازته.

 

استشهد الزوج الضابط في سلاح المشاة، يوم 10 أكتوبر في منطقة القنطرة بعد عبوره إلى الشرق؛ لتنطفئ الفرحة في عيون سهير العروس الشابة، لكن طيف حبيبها أبى أن يفارقها، يأتيها مرارا في الرؤية، يخبرها بأنه حي لم يمت، فقررت استئناف حياتها بالانتقال إلى القاهرة، وحصلت على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة، ثم دبلوم في الإدارة العامة.

عملت "سهير" مدرسة في معهد إعداد الفنيين التجاريين بالروضة -الذي أصبح جامعة حلوان- وأخيرا تركت العمل وتطوعت في الهلال الأحمر المصري الذي وهبته حياتها، وخصصت مجهودها للعمل التطوعي لأنها لم تنجب من زوجها.

 

أما في أرض سيناء، فاضطرت "فرحانة حسين سلامة" للهجرة إلى القاهرة، بعد الاحتلال، وسكنت في منطقة إمبابة، وعملت بالمقاومة، بعد أن عرفت طريقها، وكانت تقوم بنقل الرسائل والأوامر من القيادة إلي رجال منظمة "سيناء العربية" التي أسسها جهاز المخابرات، بعدها بدأت بتوصيل القنابل والمتفجرات، ثم أصبحت تقوم هي نفسها بعمليات الرصد وتفجير دبابات وقطارات مؤن العدو.

 

كانت أولى عمليات "فرحانة" تفجير قطار في العريش محمل بالبضائع والأسلحة وجنود الاحتلال، بعدها توالت العمليات فكانت تراقب سيارات الجنود الإسرائيليين المنتشرة في سيناء، وقبل قدوم السيارة تشعل فتيل القنبلة لتتحول السيارة إلى قطع صغيرة متفحمة.

 

تروي "فرحانة" أنه كان يتم تدريبها في سرية تامة لدرجة أنها لم تكن تعرف زميلاتها المجاهدات، وإذا صادف تواجدهن معا في مكان التدريب، يتم إخفاء كل مجاهدة عن الأخرى حتى لا ترى إحداهن الأخرى.

 

«سهير وفرحانة»، ليستا سوى نماذج لنضال وصمود المرأة أثناء حرب أكتوبر المجيدة 1973، التي يمر عليها اليوم 44 عامًا، لكن ذكراها لا يصيبها الفتور داخل عقل ووجدان المصريين، يتنسمون عبق أكتوبر فيزيدهم إصرارا على النصر

.

في قلب سيناء، أرض المعركة، لم تمنع تقاليد القبيلة التي ترفض الاختلاط، قيام النساء بتهريب الفدائيين، وإخفاء آثارهم، وتضميد جراحهم ومساعدتهم في الوصول إلى الأراضي المصرية، إضافة إلى مراقبة حركات العدو، وبلغ عددهن 15 امرأة في فيالق المجاهدات السيناويات تم تكريمهن بعد الحرب وإعطائهن نوطًا من الطبقة الأولى.

 

وداخل جمعيات الهلال الأحمر، كانت هناك ألف عضوة أساسية مدربة تدريبا عاليا، بينما ضمت اللجنة النسائية في نقابة المهن التجارية، 60 ألف عضوة، قمن بجمع التبرعات ورعاية أسر الجنود والشهداء ماديا واجتماعيا.

 

وفي مقار التنظيم النسائي والجمعيات النسائية، كانت المرأة تعمل بنشاط نحلة داخل خلية منظمة، تساعد في خدمة أسر الشهداء والجرحى، وتنادي بالتطوع في التمريض والتبرع بالدم. بينما قامت زوجات المسئولين والضباط بجمع التبرعات وشراء ملابس وبطاطين، وتوزيعها علي الأسر التي فقدت عائلها.

 

لم تكتف النساء بهذا بل تم تشكيل "لجنة صديقات القلم" لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية، وإرساله إلى الاتحادات والمنظمات النسائية في أنحاء العالم، لكشف حقيقة ما يدور في الشرق الأوسط.

 

وعندما طلب أحد الضباط من "فلاحة فايد"، أن تذهب إلى مكان تمركز مجنزرات العدو والاختباء بين الأشجار في منطقة فايد وسرابيوم، لم تذهب بمفردها بل حملت ابنها الصغير فوق كتفها لتمويه العدو، ولم تكتف بعملية الاستطلاع، بل طلبت أسلحة لمساعدتها في تدمير دبابات المحتل.

لم يكن عجيبا أن تتبرع النساء بكل ما يملكن، فهذه امرأة لم تكن تملك سوى عشر دجاجات؛ قدمتها كلها لرجال المقاومة. وهذه عجوزا قررت التبرع بـ"حلة نحاس"، وطفلةً تتبرع بحلق ذهب في أذنيها.

يروي اللواء باقي زكي يوسف، أن إحدى السيدات كانت تداوم على حمل الخبز الطازج إلى الجنود يوميا أيام الحرب، وحينما حاول أحد الضباط إقناعها بتوفير الخبز قائلاً: "العيش كتير يا أمى متجبيش تاني". أجابته المرأة: "ابني مجند مثلكم وحينما أطعمكم فكأنما أطعمته".